مجلة البعث الأسبوعية

السباحة الحلبية تغرق في حوض معاناتها مع مستثمر المسبح.. لا حلول ولا أفق!!

“البعث الأسبوعية” ــ محمود جنيد

مشاعر متناقضة تقلبت بين القهر مما رأيناه، والإعجاب بذلك الصبر الذي يشبه صبر حلب، وتلك الإرادة لمجموعة من الأطفال بعمر البراعم – ذكوراً وإناثاً – يستعدون لتلقي إيعاز الانطلاق داخل حوض مسبح منشأة الباسل في حلب، وصوت “اصطكاك” أسنانهم من البرد يصل أسماعنا كصفيق الصناجات النحاسية، وأجسادهم الغضة تتراقص ألماً مع محاولات يائسة للتخفيف من وطأته بالتحاف أذرعهم المقشعرة برداً من المياه غير المدفأة في طقس خريفي مائل للشتوي، وكأن أولئك – وعلى سجية الموقف – أرادوا أن يخبرونا عن معاناتهم ويضعوا بين أيدينا وثيقة حية عما ذهبنا للاستقصاء عنه، ولم تكن تلك المرة الأولى!! هي إذاً عقدة السباحة الحلبية مع منشأة الباسل وحوض مسبحها العكر والبارد المياه شتاءً، والتحدي الذي فاز به المستثمر ضارباً عرض الحائط بمطالب تدفئة مياه الحوض رغم أن أصوات المطالبين على مدار السنوات الفائتة – ونحن منهم، من منبرنا الإعلامي – وصلت عنان السماء وطرقت جميع الأبواب، وبالتالي خسرت السباحة الحلبية رهان الحق مع المستثمر، فجاءت تبعات ذلك، وفي ظل واقع السبات الشتوي القسري بسبب عدم توفر مسبح مدفّأ الحوض، التراجع الرهيب للعبة وخسارتها لمكانتها الطليعية على مستوى الجمهورية، ومخرجاتها النوعية من المواهب الأبطال للمنتخبات الوطنية.

 

غطسه عميقة

في طريقنا لاستطلاع آراء الكوادر واللاعبين والأهالي المتواجدين في المسبح حول الموضوع، دخلنا غطستنا العميقة مع عضو اتحاد السباحة، محمود جدعان، الذي دخل في شعب المعاناة، مؤكداً أن المشكلة تكمن فينا – يقصد الاتحاد الرياضي! – وليس في المستثمر الذي عرف من أين تؤكل الكتف، وفرض إراداته دون أن يتمكن أحد من ردعه بالقانون، في حين تحظى لعبة السباحة في محافظات أخرى، مثل دمشق وحمص واللاذقية، بأحواض مدفأة المياه شتاء، وتواصل تدريباتها على مدار السنة، ودون انقطاع، عكس الحال في حلب التي تتقطع بها سبل التدرب في موسم الشتاء حيث يسود الجمود والركود الذي “كلس” مفاصل اللعبة، وألقاها في غياهب التراجع، رغم أن مخرجات دورات السباحة الصيفية من المواهب.

يضيف الجدعان: نمتلك ما لا يقل عن ثلاثين خامة تحمل جينات البطولة التي يقتلها الواقع في مهدها، لعدم توفر الاستمرارية التدريبية التي تحتاجها لعبة أرقام وتفاصيل دقيقة، مثل السباحة، ويرى البطل الآسيوي السابق ضرورة التوصل إلى تسوية معينة مع المستثمر، لتدفئة مياه الحوض الصغير، كأضعف الإيمان، بتقاسم تكلفة وقود تدفئة المياه، أو حسم الأمر بالتصريح عن الرغبة بوأد السباحة الحلبية وإزالتها من خارطة الألعاب الحلبية!

 

أسطوانة مشروخة

ومع الفكرة الأخيرة الصادمة، يكون ملخص شريط ذاكرة ما دار بيننا وبين عضو اتحاد السباحة انتهى، لندخل مرحلة جديدة على الطاولة المستديرة لأحد تراسات مسبح منشأة الباسل تحلق حولها رئيس اللجنة الفنية للسباحة في حلب، عبد اللطيف دهان، وعدد من أهالي السباحين. الدهان أكد أنه، وفي كل مناسبة ومؤتمر، كانت مشكلة تدفئة حوض مياه مسبح الباسل حاضرة حتى غدت مثل الأسطوانة المشروخة، مع واقع “لا حياة لمن تنادي!”. وتساءل رئيس فنية سباحة حلب عن سبب إهمال هذا الملف الذي نام في الإدراج؟ ومن المستفيد من ذلك؟ ومن الذي يغطي على المستثمر؟

وأوضح الدهان أن جميع مسابح المحافظات الأخرى يتم تدفئة أحواضها بالكهرباء، فكان أن أعد دراسة، بطلب من اللجنة الفنية، في عهد المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي السابق، حول تدفئة مياه المسبح على المازوت والكهرباء، وتم إنجازها من قبل مختصين، وتضمينها ملفين منفصلين، ورفعها قبل أن تنام بالأدراج، دون معرفة السبب الحقيقي وراء ذلك، وهو ما تمنى الدهان – باسم أسرة السباحة الحلبية – أن يتم التحقيق فيه واستيضاح أسبابه وإعادة إحياء ملف تدفئة مياه حوض مسبح منشأة الباسل من قبل رئيس المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي.

 

عرض الحائط

تفصيلة مهمة أخرى كشف عنها رئيس فنية السباحة الحلبية، مؤكداً احتفاظه بوثائق تم رفعها، حسب التسلسل التنظيمي، إلى الجهات المعنية المحلية الحلبية، والمركزية في العاصمة دمشق، حول تخلف المستثمر عن دفع الغرامات التي ينص عليها العقد الابتدائي الأساسي، بواقع 25 ألفاً عن كل يوم لا يتاح فيه لمنتخبات السباحة الحلبية التدريب في مسبح الباسل، وخمسة آلاف عن الساعة الواحدة، أي – وبحسبة بسيطة – أربعة ملايين ونصف المليون عن الموسم الواحد (خمسة أشهر) الذي يتوقف فيه سباحو حلب عن مزاولة نشاطهم التدريبي في المسبح، بسبب عدم تدفئة المياه على مدار خمس سنوات. وأكد الدهان أن هناك من يغطي على المستثمر ومخالفاته، ومن بينها عدم التدفئة وعدم دفع ما يترتب عليه من غرامات. وأردف بأن هناك من نصحه بعدم تكرار المحاولة لعدم جدواها، وهذا ما أصابه – وأصاب أسرة اللعبة في حلب – بالإحباط، خاصة وأن التدريبات خلال موسم الشتاء تتواصل في المحافظات الأخرى على مدار 12 شهراً، مقابل خمسة أشهر تدريب، وثمانية أشهر انقطاع في حلب، ما كلف السباحة الحلبية فاتورة الترهل والتراجع المخيف بعد أن كانت الرافد الأول للمنتخبات الوطنية، ومفرخة الأبطال الأولى، قبل فترة الأزمة ومشكلة المسبح الشتوي.

 

المستفيد الأوحد!

ووجه رئيس فنية السباحة الحلبية أنظارنا إلى حوض المسبح الذي كان يتدرب فيه لاعبون من مختلف الأعمار، في ظل برودة المياه الواضحة التي ترتجف منها أجسادهم، بينما يتخلف القسم الأكبر منهم عن الالتزام بجميع التدريبات بسبب برودة المياه والمشاكل الصحية التي تسببها وتمنع الأهالي عن إرسال أولادهم للتمرين، بسبب هذا الظرف الذي عجز الجميع عن إيجاد حل له، رغم أن الاتحاد الرياضي يوفر المازوت بالسعر المدعوم للمستثمر، الذي يستثمر هذه المخصصات لتشغيل مولداته، والاستفادة منها، دون تدفئة مياه حوض المسبح، والقول كله لرئيس فنية سباحة حلب الدهان الذي أفصح لنا عما هو أفظع من كل ما سبق، وكان مفاجأة لأحد المعنيين في الدائرة الهندسية في التنفيذية الحلبية، وهو أن هناك ملحق عقد جديد مبرم، قبل حوالي الشهرين، مع المستثمر، ويتكبد الاتحاد الرياضي بموجبه تكاليف تدفئة الحوض، أي أن المستثمر ضرب ضربته طوال السنوات الفائتة، و”طلع براني”. وبالتالي، يتساءل الدهان: طالما تم إحلال المستثمر من مسؤولياته، فلماذا لم يقم الاتحاد الرياضي بواجبه بتدفئة مياه حوض المسبح؟ّ وزاد بالسؤال: كيف يتم توقيع هكذا ملحق عقد مع المستثمر دون استشارة أهل اللعبة ومسؤوليها في حلب؟!

 

مناشدة وطلب

محمد طعمة، أحد ممارسي اللعبة سابقاً، وأحد أولياء أمور السباحين، ضم صوته لصوت الدهان، وعقب بأن السباح الحلبي يصل إلى مرحلة متقدمة بأرقام جيدة تؤهله للمنافسة قبل أن يتهاوى من جديد بسبب ظروف التوقف القسري سالفة الذكر. ولفت طعمة إلى ضرورة الاهتمام بنظافة مياه الحوض كما يجب، وخاصة في فصل الصيف، منعاً لنقل الأمراض للسباحين.

بدوره، أكد إسماعيل الحاج حسن، والد أحد السباحين، أن جهود مدربي وكوادر السباحة السخية والمتفانية – كما يلاحظ من خلال متابعته وتواجده الدائم – تضيع سدى، وطالب بمبدأ تكافؤ الفرص مع المحافظات الأخرى، بما يكفل استمرارية تدريبات سباحي حلب، وبعدها يكون التقييم من خلال المنافسات، ومن هو الأجدر والأفضل. وأشار إلى أنه، حتى على مستوى إصلاح النوافذ المحطمة، فإن هناك تقاعساً، ناهيك عن نظافة المياه والتدفئة وصيانة المشالح، ما يصيب السباحين وذويهم باليأس، بعد حماس ونشاط الصيف الذي يتبعه، بداية من الصفر، بعد سبات شتوي؛ ورغم ذلك، هناك لاعبون يقهرون الظروف ويحققون نتائج جيدة على مستوى الجمهورية دون أفق للتطور على مستوى الأرقام والارتقاء لمستوى المشاركة والإنجاز بالمشاركات الخارجية. وذكّر الحاج حسن بما يردده رئيس الاتحاد الرياضي، فراس معلا، بأن حلب عاصمة الرياضة الحلبية، وطالب بأن تكون سباحتها وحل مشاكلها ضمن أولوياته.

 

معاناة دائمة

وأكد بطل الجمهورية أحمد أمين حاج سليمان، الذي تحلق حولنا ومجموعة من زملائه السباحين من مختلف الأعمار والجنسين، للإدلاء بالرأي، أن برودة مياه مسبح الباسل والانقطاع عن التدريب في فصل الصيف هو سبب معاناة السباحين في حلب، وتراجع اللعبة بشكل عام بعد أن كانت في المقدمة دائماً قبل الأزمة، وهو المبدأ نفسه الذي تحدث فيه زملاء السليمان، محمد كامل صامدة، ونذير ترمانيني، ومصطفى الحمود، وجان حيدر، آية كامل، ومحمد الحاج حسن، الذي فاجأنا بإجابته عن سؤالنا حول تفوق سباحين، مثل بسام وهشام مصري، وهما كانا يتمرنان في مياه المسبح الباردة، بأن تلك الحقبة كان فيها تكافؤ فرص، والجميع كانت يتدرب بظروف مشابهة، عكس واقع الحال حالياً، إذ يتدرب سباحو المحافظات بمياه دافئة بينما سباحو حلب محرومون منذ ثماني سنوات من ذلك، كما أكد الجميع، مطالبين بإيجاد حل لمعاناتهم، مؤكدين أنهم قادرون على تجاوز بطولات الجمهورية وتحقيق نتائج على مستوى عربي وإقليمي في حال تم تحقق مطلبهم.

 

رد مسؤول

عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الرياضي في حلب، رئيس مكتب الاستثمار والمنشآت، المهندس باسل حاج حسين، أوضح أن لجاناً مشكلة من المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي، والجهاز المركزي للرقابة المالية، ومجلس الدولة ووزارة المالية، درست واقع منشأة الباسل في حلب، وبناء عليه تم إبرام ملحق عقد مع مستثمر المنشأة “شركة الشهباء”، وينص الملحق على تدفئة حوض المسبح الصغير، في حال توفر الإمكانات، على أن تقع الأعباء على كاهل الاتحاد الرياضي!

وأوضح المهندس حاج حسين أن العقد الأساسي مع المستثمر يعود إلى العام 2008، وقد أبرم بين “شركة الشهباء” وبين محافظة حلب؛ ولم ينص حينها، بأي بند من بنوده، على تدفئة مياه حوض مسبح منشأة الباسل!! مع عدم وجود أي نص قانوني يجبره على التدفئة التي تكلف حوالي مليون ليرة سورية يومياً – حسب مختصين – أي تقريباً بقيمة الاستثمار السنوي. وأشار الحاج حسين إلى أن تنفيذية حلب ليست مسؤولة، بل هي جهة منفذة للعقد المبرم. والخلاصة التي ذكرها عضو تنفيذية حلب، بتوصيفه للحالة كعمل جراحي حساس “الخطأ فيه بكارثة”، وإذ لا يمكن أن تزداد القيمة “بعد الاتفاق على المهر” – حسب تعبيره – الخلاصة هي الصبر لحين نهاية عقد المستثمر 2024، صاحب الموقف القانوني القوي، والقادر على الانتصار بأي معركة قضائية مكلفة بالمال والجهد والوقت.