تحقيقاتصحيفة البعث

“الوعي والتعاون” داعمان أساسيان لتنمية مجتمعية ناجحة ومستدامة؟!

يؤكد المشتغلون في قضايا التنمية المجتمعية أن أهم دعائمها هي الوعي والتعاون المجتمعي، لأنه دون الوعي لن يكون هناك تعاون، ودونهما معاً لن يكون هناك بناء وتنمية، أما تحقيق الجميع فهي مرحلة بناء وتطوير حقيقية، بمعنى أن المجتمعات والأوطان تبنى بالتكاتف المجتمعي بين مختلف الشرائح من مواطنين وطلاب وفلاحين وعمال وتجار واقتصاديين وسياسيين وأصحاب قرار، وغيرهم من شرائح المجتمع.

تشخيص الواقع
إن تشخيص الواقع هو المرحلة الأساس التي سيتم وفقها إيجاد الرؤى الحقيقية لإنشاء البناء المجتمعي، وفق ما يراه الدكتور فادي سليمان الأستاذ في كلية الآداب بجامعة دمشق، موضحاً أن البناء المجتمعي لا يمكن أن يبنى دون وجود وعي وتعاون بين تلك المفاصل المجتمعية بهدف إحداث التنمية المطلوبة، مضيفاً بأن الحل الأول يكون في تأطير الشباب وفق شرائح منتجة وعاملة تقدم المساعدات المطلوبة مهما كان نوعها، سواء في ترميم وإزالة الأنقاض، أو تنظيف الطرقات ومساعدة أرباب العمل الذين تضرروا ليقلعوا من جديد، فتقديم هذه المساعدات الشبابية التطوعية سيساعد الكثيرين الذين لم يعد بإمكانهم تحمّل أعباء وتكاليف إعادة الإقلاع في مشاريعهم.

التحديات كبيرة
وبحسب الدكتور سليمان فإن كل ما سبق لا جدوى منه إن لم نعمل على ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، وهذا أكبر تحد يواجه الدولة السورية، ولكن، بحسب قوله، بالإمكان الاستفادة من تجارب الشعوب في طريقة تعاملها مع مثل هذه الأوضاع والصعوبات، وبيّن بهذا الخصوص أن أوروبا ودولها على سبيل المثال لم تكن بعد الحرب العالمية الثانية كما هي اليوم قبلة لكل متنور وباحث عن حياة كريمة، والقدرة على بناء المجتمعات لا تكون بالعلم وحده ولا بالعمل وحده بل بكليهما معاً، فالدول المقتدرة رفعت من شأنها عندما استطاعت أن تقدم للعالم رسائل تطورها وازدهارها من خلال تقديرها واحترامها لبعض المهن السامية كالتدريس، حيث استطاعت أن تقدر وتحافظ على حياة المعلم وكرامته من أي سوء، سواء خلال وجوده بالعمل، أو بعد تقاعده، فالأستاذ والمدرّس هما أساس بناء وتوجيه المجتمع نحو التقدم العلمي، ومن خلال تعاملهما مع أهم شريحتين: طلاب المرحلة ما قبل الجامعية، وطلاب المرحلة الجامعية، وهما بناة المستقبل.

محبطون ولكن!
في دردشة بمقصف كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق مع مجموعة من طلبة قسم علم الاجتماع، ورغم حالة الإحباط التي بدت على وجوههم كغيرهم من طلبة الكليات الجامعية، ولكن للأمانة وجدنا عندهم آراء وأفكاراً بناءة فيما يخص تنمية المجتمع، لأن الشباب، حسب قولهم، يمثلون رأس المال البشري الضروري لتحقيق التنمية المستدامة، مشيرين إلى ضرورة أن تأخذ الجامعات دورها في هذا المجال، وتنتقل من كونها بيوتاً لتلقي العلوم والمعارف إلى حامل حقيقي وداعم أساسي للتنمية من خلال التشبيك مع مؤسسات المجتمع الأخرى، حكومية كانت أو أهلية، بالمقابل وجدنا عند قسم من الطلبة حالة من اللامبالاة فيما يتعلق بإدراك أعباء مسؤوليتهم تجاه مجتمعهم، وهذه بلا شك إشارة لغياب الوعي المجتمعي، ولذلك أسباب كثيرة فيها الهموم والشجون لا مجال لذكرها الآن لأنها تأخذ حيزاً كبيراً من النقاش!.

إيجاد آليات تسويقية
وبالعودة للدكتور سليمان، فقد أكد على ضرورة الاهتمام بالعلماء والمبتكرين والمخترعين، وخاصة الشباب منهم، لافتاً إلى أهمية إنشاء المركز الوطني للمخترعين الشباب الذي يدعم إبداعاتهم، ويحقق ربط مخرجات التعليم مع سوق العمل من خلال إيجاد آليات تسويقية يتم عبرها دعوة كبار رجال الأعمال والصناعيين للتعارف، وإنشاء علاقات ترابط وتشاركية مع المخترعين الشباب، وشراء المنتج ودعمه وتطويره، موضحاً أن سوق العمل اليوم هو تركيز ذاتي يخدم مصلحة ذاتية ومعيشية للطالب، قد يكون جزء منها توارثاً عائلياً، وقد يكون بعضها إرضاء حاجات ورغبات، حيث يعمل معظم الطلبة في مقاه ومطاعم ومحال بيع ثياب والكترونيات، أما تجار السوق فهم بعيدون كل البعد عن أي ارتباط بشريحة الشباب، ولا يهمهم سوى أرباحهم على حساب التنمية المجتمعية، وأشار إلى مثال من فرنسا، حيث القوانين تتيح للطالب الأجنبي العمل لمدة 4 ساعات في اليوم، وهو أمر عملي جداً ويساعد الطالب في تحمّل أعباء الحياة، فيما الطالب عندنا يتكلّف خلال حياته الجامعية الكثير من الجهد والمال ليتخرج ويبدأ رحلة البحث عن وظيفة ما!.

الحلم بالهجرة!
مؤلم ومحزن جداً أن يصبح حلم الشاب السوري في البحث عن فرصة للسفر أكثر من الرغبة بالبقاء في وطنه والمساهمة في البناء والإعمار، يقول الدكتور سليمان: التفاوت الكبير في مستويات المعيشة، والمظاهر السلبية الأخرى في ظل الظرف الاقتصادي الضاغط الذي يشاهده الشاب، تسببت له بالإحباط من المستقبل المجهول الذي ينتظره، لذلك أي رغبة، وأي مقترح للحل يجب أن ينطلقا من حاجات المجتمعات نفسها للنمو والتطور، وإنشاء علاقات بينية مع المجتمعات الأخرى، وعندما نستطيع تحديد تلك الحاجات سيكون من السهل إيجاد اليد المنتجة الفاعلة، وتشجيع الشباب للعمل وفق إطار الحاجات تلك وبحسب رغباتهم وليس من باب الفرض، بل التشجيع المستدام من خلال خلق فرص عمل استثمارية حقيقية.

الثروة الحقيقية
بالمختصر، نحتاج اليوم إلى توظيف كل الإمكانيات المتاحة للاستثمار بطاقات وقدرات الشباب لدعم وتعزيز دورهم بالانخراط بالتنمية المستدامة، يضاف لذلك تعزيز الشراكة المجتمعية على مستوى جميع المؤسسات الرسمية والخاصة والأهلية ضمن عملية شاملة، ويجب أن ينمو الوعي الحكومي ووعي المجتمع بشكل عام بهذا الاتجاه، فاليوم باتت الأفكار المبدعة والمبادرات الخلاقة هي الثروات الحقيقية للتنمية مع سرعة إيقاع التغيرات في العالم بمختلف مجالاتها، وعندما ندرك جميعاً هذا الأمر سنواجه بثقة كل التحديات، ونحقق المعادلة الأصعب وهي تعزيز المواطنة والإحساس والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن في أي موقع كان.

غسان فطوم