أغنية “الروزانا” تراث منشود بأعمال معاصرة
حلب – غالية خوجة
تحتار من أين تبدأ في معرض الروزانا الذي اختتم مؤخراً في خان الكتّان بحلب، وبينما تتجول بين ساحة الخان وغرفه، تلاحظ كيف تتحول المكانية إلى ذاكرة تراثية زمانية تتفتّح بألوان مختلفة. وما إن تلج من باب الخان الرئيسي المزدوج حتى يخبرك عن طريقة فنية وعملية للأبواب عموماً، لأنه يتألف من باب صغير داخل الباب الكبير، وبعد أن تتخطى العتبة، تلاحظ النول النسيجي اليدوي وهو يعمل بيدي شاب هو ابن العجوز عبد القادر الخصيّم الذي قال لـ”البعث”: إنها مهنتنا نتوارثها أباً عن جد، ورثتها عن أبي منذ سبعين عاماً في باب النيرب، وها أنا أورثها لأولادي وأحفادي.
تبدو المنسوجات لوحات فنية بين الزركشة والنقوش والخطوط الهندسية والرسوم المتنوعة من أمواج وكائنات نباتية وحيوانية، تبدو وكأنها تتحرك مع كل حركة للنول وهو يتحرك ضاغطاً الخيط النسيجي مع أصابع الحِرَفيّ، ثم يعود أدراجه إلى نقطة البداية، وبين نغمة ذهاب ونغمة إياب، يغني النول مع نسيجه أناشيد الصبر والدقة والاستمرارية.
وقريباً من النول، تلمح عربة خشبية قديمة هي جزء من وسيلة نقل قديمة “الحنتور”، وقد توقفت عجلاتها الخشبية الكبيرة عن الدوران والرحلات لأنها تحولت الآن إلى سلة ورد كبيرة. وتلمح من الجانب الآخر أشغالاً يدوية وصناعات جلدية وقماشية مختلفة، تشكل بمجملها لوحات امتصت من عمر صانعيها ما يكفي لتتألق.
وليس بعيداً عن مشهد الساحة الراقص بفرق حلبية فلكلورية، بل قريباً من الخلفية الموسيقية لأغنية الروزانا بصوت المطرب صباح فخري الحلبي العريق الذي دخل موسوعة “غينيس”، يلمع صابون الغار الحلبي، وتعبق رائحته في المكان، وفي الجهة المقابلة له، تلاحظ أعمالاً فنية أخرى، لحرفيين آخرين، منها النقش والحفر على الجص والخشب والنحاس، ليكون الناتج أدوات يومية لكنها لوحات تزين المطابخ والجدران والبيوت والمحلات والمكاتب.
وبينما أنت واقف تتأمل المشهد العابر للذاكرة، المنتصر على الإرهاب، تجذبك إضاءة معلقة بين السماء والأرض، تبثها “ثريات” من النحاس والبرونز، وما إن تتلفّت حواليك، حتى يتبيّن لك درج الخان الحجري المؤدي إلى السطح الفسيح المشرف على احتفالية معرض الروزانا المتوهج بإضاءة بنفسجية وصفراء وشمعية وبيضاء، وأثناء صعودك ونزولك الدرج، تلاحظ الأواني الزجاجية المصنوعة يدوياً، وبأحجام مختلفة، واستخدامات متنوعة، منها الجرار وأواني حفظ الطعام والحبوب، إضافة إلى مصابيح الفوانيس الزيتية والبترولية.
ولا بد أن تشدك الأعمال الفسيفسائية بخطوطها الهندسية، والنافرة، ورسوماتها، ونقوشها الدقيقة الجميلة، التي تشكّل أدوات مختلفة للاستعمال اليومي والأثاث المنزلي والمكتبي، إضافة إلى أدوات للزينة مثل اللوحات وإطاراتها والمرايا والمنمنمات المختلفة. وتفاجئك من إحدى النوافذ لوحات تطلّ عليك وهي معلقة على الجدران، ومستندة إلى الرفوف، ليتبيّن لك أنها من أعمال الفنانة تالين دراقجيان، التي تتسم أعمالها بالتعبيرية والانطباعية والزخرفة، والتي تركز على الوجوه والملامح والإنسان والذاكرة المكانية المعمارية والكائنات الأخرى النباتية والبيئية والطبيعية.
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن اللغة العربية كانت سيدة المعرض والذاكرة والتأريخ، لذلك حضرت الأبجدية الأوغاريتية، أيضاً، إلى جانب لوحات الأسماء التعريفية لتؤكد على التجذر الأبدي للوجود الإنساني الحضاري على هذه الأرض السورية المباركة.
نذكّر أن معرض الروزانا لإحياء الحرف والمهن اليدوية التراثية أقامه فرع جامعة حلب للاتحاد الوطني لطلبة سورية بمشاركة 22 جهة وفعالية أهلية وطلابية من مدينة حلب، واستمر لثلاثة أيام.