تحقيقاتصحيفة البعث

الزواج المبكر.. انتشار تحت ضغط الأعباء الاقتصادية ورضوخ للتقاليد المجتمعية

من المسلّم به أن الزواج يشكل حالة من الاستقرار النفسي والاجتماعي، وإشباعاً للرغبات الفطرية للإنسان، ومن حيث المبدأ يجب أن ينعم المتزوّجون بصحة أفضل من غير المتزوجين، وذلك نتيجة للاستقرار النفسي والرضا الاجتماعي، وركون الزوج لشريك حياته عند الأزمات، وتعزيز الشعور بالثقة. ولكن ماذا لو كان هذا الزواج مبكراً، أو ما يُسمّى بزواج الأطفال الذي يكون فيه عمر أحد الطرفين أو كليهما دون السن الرشد الذي تمّ تحديده بثماني عشرة سنة بحسب القانون السوري؟.

الأسباب
عوامل عديدة تتسبّب في انتشار ونمو ظاهرة الزواج المبكر، فحرمان الفتاة من التعليم في بعض المجتمعات بسبب عدم توافر وسائل النقل الآمنة بين المنزل والمدرسة، وانخفاض نوعية التعليم وضياع فرص التعليم، يؤدي إلى بقاء الفتاة في منزلها فتميل نحو الزواج المُبكّر، وفقاً لما أكدته الدكتورة عالية الرفاعي، كلية التربية، جامعة دمشق. وبرأيها أن عدم نشر المعرفة الكافية خاصةً بقانون حظر الزواج المُبكّر، وسوء الوضع الاقتصادي يزيدان من انتشاره، فالأسرة التي تُعاني من الفقر تعتبر الزواج المُبكّر طريقةً لتحسين وضعها الاقتصادي، وتعتبر المهر المدفوع فرصةً لتأمين حاجات الأسرة، وتغطية الديون المتراكمة، وكثير من المجتمعات تعتبر أنّ الفتاة التي تعدّت سنّ الحيض قد أصبحت مؤهلة لتصبح امرأة، بل وبعض المجتمعات ترى أن الدور الوحيد للمرأة في الحياة هو أن تتزوج وتنجب العديد من الأبناء، إلى جانب بقية مهامها المنزلية، ومعاشرة الزوج فقط، وأن أية سنوات تمرّ عليها من دون أن تقوم بهذه الوظائف بنظرهم تشكل إضاعة لإمكانات المرأة، وللأسف يفضّل عدد من الرجال الزواج من الفتيات الصغيرات لإنجاب الكثير من الأطفال، ولينعم بشبابها لأطول مدة، وسهولة تطبيعها بطباعه، ومن الاعتقادات السائدة عند بعض المجتمعات أن الفتيات الأفضل هنّ من يتزوجن أولاً، فلذلك تدفع الأسر بفتياتها للزواج المبكر، إضافة لذلك فإنه في حال انعدام الأمان، وانتشار الأزمات والكوارث الطبيعية، وحالات تعرّض الفتيات إلى خطر المضايقات، والاعتداء البدني أو الجنسي، يتجه الآباء نحو تزويج بناتهم لحمايتهنّ.

أخطار كارثية
الدكتور حسام نجم، طبيب نسائية، يرى أن أهم أخطار الزواج المبكر تكمن في الحمل عند المراهقات، والمضاعفات الصحية الناجمة عن ذلك، سواء خلاله أو أثناء الولادة وما بعدها، وتأثير ذلك على جسد المراهقة، والخطورة على الجنين من خلال زيادة احتمال حصول التشوهات أو نقص النمو، والاختلاطات الأخرى كزيادة نسبة القيصريات عند حدوث الحمل لدى المراهقات، ومالها من آثار خطيرة على الأم والجنين، وزيادة نسبة احتمال الوفاة بسبب مضاعفات الحمل والولادة عند المراهقات. وركز نجم على أهمية وضرورة إجراء المشورة الطبية قبل كل حالات الزواج للتعرف على العمر المناسب والوضع الصحي لكل من الزوجين، فهي الوسيلة للتعرف على المرض، أو الداء قبل الحمل، والتمكن من معالجته، أو تجنّب عواقبه ومضاعفاته، أو على الأقل سيكون الزوجان على علم بتبعاته وأخطاره، كما أن لقاء المقدمين على الزواج أو الحمل بالطبيب يكون فرصة لإعطائهم الإرشادات المناسبة بناء على التاريخ المرضي والعائلي لكل منهما.

متابعة التعليم
الدكتورة عالية الرفاعي رأت أن أهم أخطار هذا الزواج يكمن في أثره على التعليم الذي يعدّ عاملاً رئيسياً في التنمية البشرية المستدامة، والارتقاء بالمجتمع إلـى المستويات الثقافية المتقدمة، وخاصة تعليم الإناث، حيث يحرم الزواج المرأة من متابعة تحصيلها العلمي والثقافي بوقت مبكر جداً، ويسبّب خللاً في وظائفها التربوية في المجتمع باعتبارها تمثل نصف الموارد البشرية في العملية الإنتاجية، فأية عملية تنموية تحتاج إلى قوى عاملة، وقد لا تستطيع القوى العاملة من الرجال سدّ حاجات العملية، فالمرأة أصبحت جزءاً مهماً فـي أعمـال المجتمـع وشؤونه الاقتصادية، وركناً مهماً من أركان عملية التمـدن أو التطور، إلا أن الزواج المبكر يؤدي إلى بقاء المرأة تمارس حياتها في البيت فقط، وسيحرم المجتمع من ممارسة دورها في عمليات التمدن. من جهة أخرى فإن الفتيات اللواتي يتزوجن بعمر صغير يعانين من نقص أو انعدام الراحة النفسية بسبب المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهن، والحمل والإنجاب بعمر صغير، الأم المراهقة أكثر عرضةً لاكتئاب ما بعد الولادة بمقدار الضعف عن المرأة الأم الأكبر سنّاً، كما أن ارتباط الرجل الكبير بالفتاة المراهقة سيؤدي إلى اختلال توازن القوى في العلاقة الزوجية، حيث تكون الفتاة مازالت بعيدة كل البعد عن النضج، وبالتالي عدم قدرتها على استيعاب حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، مما يعرضها لكثير من المشكلات مع شريكها الذي قد يغريه قلة وعيها بالضغط عليها، واستخدام أساليب العنف والإهانة لإخضاعها، كما ينتهك الزواج المبكر العديد من الحقوق الفردية كالحقّ في التعليم وحرية المشاركة في الحياة الثقافية، والحقّ في الارتباط بالوالدين.

تلافي الظاهرة
المحامي عادل محمد أكد أن جميع المجتمعات تركز على سنّ قوانين تمنع ظاهرة الزواج المبكر أو تعيقها، ولكن للأسف، المجتمع غالباً ما يتجاهل تلك القوانين ولايعيها مما يضعف من قوة نفاذها نظراً لفقدان المجتمع الثقة بالمؤسسات الحقوقية، وابتعاد الأفراد عن التعامل معها من خلال ترجيح الموروث الفاسد والعادات البالية على القانون، ولذلك نشاهد أن أحداً لم يتدخل أو يقدم بلاغاً عن حصول مثل ذلك، فالزواج يعدّ من الناحية القانونية مشوباً بعيوب الإرادة، فأحد الطرفين أو كليهما لا يملك الحريّة الكاملة في الموافقة، أو لا يُظِهر موافقةً صريحة، أو غير قادر على الاختيار أصلاً، ولقد اهتم المشرّع السوري بهذه المسألة، حيث صدر القانون رقم 24 لعام 2018، والذي نصّ على تعديل بعض مواد قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949، حيث تمّ تعديل المادة 469 من قانون العقوبات لتصبح عقوبة من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة دون إذن وليها الحبس من شهر إلى ستة أشهر، كما زاد التعديل الغرامات السابقة، أما في حال تمّ عقد زواج القاصر خارج المحكمة بعد موافقة الولي، يعاقب بالغرامة من 25 ألف ليرة إلى 50 ألفاً، كما تمّ تعديل المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية، فسمحت للقاضي بأن يأذن بزواج المراهق أو المراهقة عند البلوغ وإكمال سن الـ 15 بعد أن كان السن 13عاماً، وهذا يدلّ على وجود نيّة لدى المشرّع لتقويض هذا النوع من الزواج بشكل متدرج يتناسب مع حالة ارتقاء المجتمع وتخلصه من الموروث الفاسد.

الحد من الظاهرة
من جهة أخرى، شدّدت الرفاعي على دور القانون وفرض العقوبة الزاجرة للحدّ من هذه الظاهرة، ودعت لزيادة توعية الفتاة بشكل مباشر في المدارس، وتعريفها أن من حقها التبليغ في أي وقت عن محاولة تزويجها مبكراً، حتى لو وقع الزواج، ومرت سنوات عليه كونها لم تكن راشدة في حينها، كما أننا بحاجة لتقوية دور الإعلام، وتكثيف دوره من خلال عدم الاقتصار على إسداء النصائح، وإنما إعطاء معلومات حقيقيّة، ووجهات نظر بناءة تحلّ المشكلة من جذورها من خلال التأثير في المجتمع الذي يعاني من قوة سيطرة العادات، وإلى مؤسسات دينية توصل لأفراد المجتمع المعنى الحقيقي للرسالات الدينية التي تحملها، بعيداً عن التحجر والتقوقع الذي يبعدهم عن المحتوى السامي لتلك الرسالات إلى غايات أخرى.

بشار محي الدين المحمد