“قانون قيصر”.. الإدارات الأمريكية لم تفهم حتى الآن “ذهنية” الشعب السوري!!
“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف
في 17 حزيران 2020، بدأت الولايات المتحدة تطبيق ما يسمى “قانون قيصر”، بعد فترة سماح مدتها ستة أشهر مُنحت للإدارة حتى تتمكن من إعداد عقوبات ثانوية ضد المواطنين الأجانب لتعاونهم مع سورية في قطاعات النفط والغاز والطيران والدفاع والبناء.
وبينما تصر وزارة الخارجية الأمريكية على أن العقوبات الثانوية لا تمتد إلى المجال الإنساني، إلا أنها حقيقة لا يمكن إلا أن تزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية. فقد أثرت العقوبات على الميزة التنافسية للمنتجات السورية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة ووقود الديزل والغاز ونقص المواد الخام. وبحسب بيانات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، المنشورة في 23 أيلول 2020، فإن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري بنهاية عام 2019 تجاوزت 442 مليار دولار. وهذا مكان مناسب للاقتباس من نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي سيرغي فيرشينين الذي قال في مؤتمر بروكسل الرابع حول دعم مستقبل سورية والمنطقة، في 30 حزيران 2020: “من الواضح أن قانون قيصر يهدف إلى تخويف أولئك الذين قد يرغبون بالاستثمار في جهود إعادة الإعمار في البلاد. وهذا ينطبق بشكل أساسي على حلفاء واشنطن العرب، حتى على خلفية الإشارات الإيجابية المرسلة إلى دمشق”.
ولسوء الحظ، سرعان ما بدأت العقوبات الأمريكية الثانوية، بموجب هذا القانون، تتحول إلى آلية عملية، وأصبح احتمال الملاحقة الجنائية في الولايات المتحدة لاستخدام النظام المالي الأمريكي لصالح سورية مصدر قلق خاص للشركاء التجاريين لسورية. وعلى سبيل المثال، في 8 تموز 2020، قررت أمازون، أكبر منصة للتجارة الإلكترونية الأمريكية، أن تدفع للخزانة الأمريكية بأثر رجعي مبلغاً طوعياً قدره 134،523 دولاراً أمريكياً لتزويد سورية بالسلع والخدمات، بالإضافة إلى إيران وشبه جزيرة القرم الخاضعة للعقوبات.
تأثير لبنان
كان للأزمة في لبنان، والتي كانت حادة بشكل خاص في تشرين الأول – تشرين الثاني 2019، ونيسان 2020، تأثير كبير على الوضع الاقتصادي في سورية. وبحلول أوائل العام 2020، وصلت الودائع السورية في البنوك اللبنانية إلى 40 – 50 مليار دولار. وقد أدت عمليات تشديد الضغوط على عمليات السحب النقدية والمعاملات المصرفية إلى صعوبة تحويل الأصول خارج البنوك، وتقليص فعالية صندوق مبادرة دعم الليرة الذي أنشأته الحكومة، كما تراجعت التحويلات المصرفية في الخارج، ما أثر على عائدات الدولة من العملات الأجنبية، وضيّق قاعدة الاستثمار المحلي.
وجه القانون المذكور على الفور ضربة للتعاون المصرفي بين دمشق وبيروت؛ كما أدى ارتفاع الطلب على الدولار الأمريكي، على خلفية انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، إلى تسريع انخفاض قيمة العملة السورية. وكان التحدي الآخر هو الأزمة الداخلية في لبنان التي أضعفت الليرة السورية، وقللت من الاستثمارات المحتملة للتعافي الاقتصادي، ثم جاء انفجار ميناء بيروت – نقطة الشحن الرئيسية للتجارة السورية – في 4 آب 2020، ليزيد الطين بلة. وكما هو متوقع، تراجعت واردات سورية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع المستوردة الأخرى نتيجة ارتفاع مخاطر العقوبات وزيادة تكلفة الخدمات اللوجستية.
الاتحاد الأوروبي
في أيلول 2020، ألقت وسائل الإعلام الغربية اللوم على إدارة ترامب في إحداث نقص في الطاقة في سورية. وكان الاتحاد الأوروبي مدّد، مرة أخرى، في آيار 2020، عقوباته على سورية مدة عام آخر، في وقت يناقش في كل مناسبة تعديل نهجه في جهود إعادة الإعمار في سورية. وهنا تشير الخبيرة الألمانية مورييل أسيبرغ إلى أن مكانة الاتحاد الأوروبي قد تآكلت بسبب الاختلافات بين المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا من جهة، والتي تفضل الحفاظ على نهج متشدد، والنمسا والمجر وإيطاليا وبولندا التي تبدي استعدادها لتوسيع وجودها الاقتصادي في سورية، والانخراط في جهود إعادة الإعمار بالتنسيق مع الحكومة السورية.
تحديات كورونا
جاء انتشار كورونا في سورية بوقع أقل وطأة من الدول المجاورة ودول العالم، بسبب الحصار المفروض على سورية، وضعف حركة المسافرين وتبادل البضائع – الناقل الأساسي للفيروس- حيث تبدو إحصائيات كوفيد-19 في سورية أكثر تفاؤلاً من تلك الموجودة في الدول المجاورة. ويمكن تفسير المؤشرات الجيدة جزئياً من خلال حقيقة أن الحصار قلل من خطر العدوى الموضوعي. وحتى بعد افتتاح مطار دمشق الدولي في 1 تشرين الأول 2020، ظل عدد الرحلات صغيراً مقارنة بمطار بيروت الذي أصبح بوابة العالم الخارجي لكثير من السوريين، كما لا تزال العديد من المعابر الحدودية الرسمية مع سورية مغلقة، مما حدّ أيضاً من انتشار كوفيد-19.
ورغم ذلك، تتلقى سورية مساعدات خارجية لمكافحة الوباء، بما في ذلك من الصين والإمارات وروسيا. وبالفعل تم تسليم أكثر 1.5 مليون قناع طبي، و67848 قناع تنفسي، بالإضافة إلى أكثر من 1.3 مليون زوج من القفازات من خلال منظمة الصحة العالمية. كما تعمل الدولة السورية، من جانبها، على إنتاج الأدوية وطنياً، مثل عقار أزيثروميسين، المُدرج في بروتوكول علاج كوفيد-19. إذن، لا تبدو سورية بقعة ساخنة لفيروس كورونا، ومع ذلك تبلغ وزارة الصحة عن عدد حالات الإصابات والوفيات والشفاء.
لا شك أن الحرب على سورية، وتبعات قانون قيصر، ووباء كورونا، زاد من الضغط الاقتصادي على الحكومة السورية، خاصةً بعد أن تسبب الفيروس بشل حركة التجارة مع العراق عبر حاجز البوكمال – القائم الحدودي، الذي افتتح في 30 أيلول 2019، والذي علق عليه الطرفان آمالاً كبيرة، إلا أن الحكومة السورية لا تألوا جهداً للعمل على خلق البدائل لتجاوز الحصار الأمريكي. وهاهي توريدات النفط والقمح تصل تباعاً عبر الشركاء الحقيقيين الذين يؤكدون في كل مناسبة أنهم لن يتركوا سورية تواجه هذا العهر السياسي لوحدها. وللتذكير، عندما كان تيودور قطوف سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية في سورية، قال في أحد اللقاءات إن الإدارات الأمريكية حتى الآن لم تفهم “الذهنية” الخاصة للشعب السوري.
إذن، من غير المستغرب أن يكون التبادل نشطاً للغاية للوفود بين روسيا وسورية، مثل زيارة الرئيس المشارك للجنة الحكومية الروسية السورية الدائمة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني (IGC) إلى دمشق، يوري بوريسوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف في أيلول وتشرين الأول 2020، وزيارة العودة التي قام بها وفد سوري برئاسة وزير شؤون الرئاسة منصور عزام، وكذلك الرحلات إلى دمشق التي قام بها رئيس لجنة التحقيق الروسية الكسندر باستريكين، والمدعي العسكري الرئيسي فاليري بتروف، إذ أن جميعها تعتبر من جهود موسكو لإنشاء شبكة أمان عبر تعزيز علاقاتها مع سورية اقتصادياً.