مدافع وغارات وتسميم: عصر الاغتيالات الجديد
ترجمة وإعداد: علاء العطار
لم يعلن أحد رسمياً مسؤوليته عن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في طهران في نهاية شهر تشرين الثاني بواسطة مدفع رشاش يتحكّم فيه “ذكاء صناعي” عبر الأقمار الصناعية، لكن هناك دلائل تؤكّد أن الموساد هو المسؤول.
ما فتئ الكيان الصهيوني منذ تأسيسه في عام 1948 يُنفّذ ما يسميه “عمليات القتل المستهدف”، ففي كتابه “انهضوا واقتلوهم أولاً”، قدّر الصحفي الصهيوني رونين بيرغمان عدد عمليات القتل المستهدف بنحو 2700.
تشتهر أجهزة الاستخبارات الصهيونية ببراعتها في الاغتيال، إذ اغتال الموساد وديع حداد، قيادي وأحد مؤسّسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1978 بدسّ السم في معجون أسنانه، واغتالوا يحيى عياش، الملقب بالمهندس، وهو العقل المدبر لعدد من العمليات الاستشهادية ضد الكيان الصهيوني، بعبوة ناسفة وضعت في هاتفه المحمول عام 1995. واغتيل عماد مغنية، رئيس أركان حزب الله، في انفجار سيارة مفخخة في شباط عام 2008..
لكن بالطبع ليس الكيان الصهيوني وحده من يتخلّص من أعدائه عبر عمليات الاغتيال خارج نطاق القانون، إذ إننا نعيش في أعظم عصر اغتيالات على الإطلاق، حيث تستخدم الدول معلومات استخباراتية متطورة بشكل متزايد لتعقب واغتيال الأشخاص الخطرين من منظورها وحرمان الدول الأخرى من المعرفة الخطيرة.
تكنولوجيا جديدة
بدأ عصر الاغتيالات الحديث في الحادي عشر من أيلول عندما تذرّعت الولايات المتحدة بهجمات إرهابية –مفبركة على الأرجح- لتشنّ “الحرب على الإرهاب” التي اتخذت أشكالاً فجة وأكثر دقة، كان أولها غزو أفغانستان والعراق، وآخرها برنامج اغتيال محمول جواً أتاحته التكنولوجيا الجديدة.
كانت الطائرة المسيّرة أداة اغتيال فعالة للغاية. وقعت أولى عمليات القتل بواسطة الطائرات المسيّرة في اليمن عام 2002، وبحلول نهاية عام 2013، اغتالت الطائرات الأمريكية المسيّرة ما بين 719 و929 شخصاً في اليمن وحده. في غضون ذلك، بين عام 2004 ونهاية عام 2013، تراوح عدد الأشخاص الذين قتلوا بطائرة مسيّرة في باكستان بين 2080 و3428 شخصاً.
وزعمت الولايات المتحدة أنها استخدمت القوات الخاصة لاغتيال أهداف رئيسيّة، مثل أسامة بن لادن في باكستان في عام 2011 وأبو بكر البغدادي في سورية في عام 2019، واغتالت في النهاية قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة بطائرة مسيّرة في بغداد في كانون الثاني عام 2020، فاتخذت الولايات المتحدة بذلك خطوة متطرفة للتخلّص من فاعل رئيسي كان يقضّ مضجعها، وعدّت الأمم المتحدة الاغتيال غير قانوني.
الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل
حاولت القوى الكبرى في العالم منذ أربعينيات القرن الماضي منع أعدائها من تطوير أسلحة الدمار الشامل، وكانت بريطانيا أول دولة استخدمت الاغتيالات في الحرب العالمية الثانية لمنع تطوير هذه التقنيات، فذات ليلة من ليالي آب عام 1943، قصف سلاح الجو الملكي موقع تطوير واختبار الصواريخ الألمانية في بلد بينيمونده الألمانية المطلّة على بحر البلطيق، واستهدف سلاح الجو الملكي البريطاني الأحياء السكنية التي سكنها علماء ومهندسون وفنيون بغية قتل أكبر عدد ممكن، فقُتل في الهجوم قرابة 130 عالماً ألمانياً.
خشيت بريطانيا والولايات المتحدة أيضاً من أن تطوّر ألمانيا النازية قنبلة ذرية، فأرسلتا في عام 1944 عميلاً أمريكياً إلى سويسرا ليحضر محاضرة ألقاها عالم الفيزياء النووية الألماني البارز والحائز على جائزة نوبل فيرنر هايزنبرغ. كان العميل مسلحاً وأمر باغتيال هايزنبرغ إذا أشار أي شيء يقوله الفيزيائي إلى أن ألمانيا النازية توشك على تطوير قنبلة ذرية، لكن لم يرد في محاضرة هايزنبرغ أي إشارة إلى ذلك، لهذا نجا أثناء زيارته لسويسرا.
واستخدم الكيان الصهيوني الاغتيالات في محاولة لمنع الدول المقاومة له من تطوير الصواريخ والأسلحة النووية، فحاول في الستينيات عرقلة مشروع تطوير الصواريخ المصري باغتيال المهندسين الألمان العاملين عليه، وفي 1980-1981 اغتيل علماء ومهندسون زعم أنهم يعملون في مشروع أسلحة نووية بالعراق أثناء وجودهم خارج العراق. وفي عام 1990، اغتال الصهاينة العالم الكندي الدكتور جيرالد بول، بزعم أنه كان يصنّع لصدام حسين “مدفعاً عملاقاً”، وهو أكبر مدفع جرى تجميعه على الإطلاق، والذي كان سيطلق قذائف على بعد آلاف الكيلومترات.
ومنذ عام 2007، حاول الكيان الصهيوني اغتيال علماء نوويين إيرانيين، فنجح في اغتيال أربعة منهم، وفشل في محاولة اغتيال الخامس. لم يعترف الصهاينة قط بمسؤوليتهم عن الاغتيالات، ولكن معظم الدلائل تشير إلى أنهم الجُناة، وبصرف النظر عن ذلك، لم يفلح الصهاينة في إيقاف المشروع الإيراني.
الاغتيال قديم قدم السياسة نفسها، لكن زيادة الإرهاب وانتشار التكنولوجيا والدراية لتطوير أسلحة الدمار الشامل يزيدان من استخدامه.