“كورونا” الرعب المتعدد
في العقد الأول من عمري كنت أسمع أن كبار السن يخافون شهر شباط، ولطالما كنت حشرياً منذ بداية هذا العقد، رحت أسأل عن سبب الخوف هذا؟ وكان الجواب أن هذا الشهر (شهر البرد) بمزاجية طقسه تنتشر معه حالات الأنفلونزا (الكريب)، وأن كبار السن لضعف مناعة أجسادهم يأتيهم الكريب مميتاً.
في العقد الثاني من عمري كنت أسمع الأطباء يوصون لمن منا عنده مشاكل صدرية بالحذر من الكريب، لأن أية حالة أنفلونزا لمريض الربو قد تؤدي لاختناقه، وبالتالي وفاته إذا لم يتم إسعافه بسرعة، وأن من كانت لديه مشاكل ضغط أو سكر وغيرهما، قد تؤدي الأنفلونزا إلى هبوط مفاجئ أو ارتفاع مفاجئ لكل منهما، وبالتالي عضلة القلب تصبح بخطر.
قبل الدخول في العقد الرابع أدركت أن الحالة النفسية للمريض بأي مرض كان لها دور يقارب الـ 80٪ من شفائه، وأن من يحارب المرض هو مناعة المصاب التي تقوى بالإرادة القوية، لذلك كنا نرى أصحاب الإرادة والمتفائلين هم من كانوا يتجاوزون محنهم الصعبة مهما كان المرض خطيراً، ولكن بشرط التعامل مع الدواء والتعليمات المختصة بالمرض بشكل متوازن، وأنا هنا لا أتحدث عن المتفائل اللامبالي والمتواكل، وإنما عن المريض المتفائل الذي يتكل على الله، وعلى العلوم التي سخّرها لخدمتنا.
ولطالما آمنت مؤخراً بوجود فيروس الكورونا “المحسن عن فيروس الكريب” من حيث سرعة انتشاره، إلا أنني مازلت رافضاً لكل هذا الترعيب والترهيب في طريقة التسويق له، ومصدقاً لجميع نظريات المؤامرة التي تتحدث عن سبب دس هذا الوباء في يومياتنا، وأنا أيضاً هنا لا أدعو لعدم الاكتراث أو تجاهل هذا الكريب المحسن، إنما أدعو للتعامل مع نسخة ٢٠٢٠ من الأنفلونزا هذه بطريقة وقائية عقلانية بمعنويات تعادل تلك المعنويات التي كنا نواجه بها أي رشح في الماضي، فنحن السوريين يوجد في كل تفصيل يومي حياتي ما يضعف مناعتنا، وذلك من أقرب الناس إلينا، إلى المدير الخائف على منصبه، إلى غلاء المعيشة في بلد باتت فيه الخدمات تشبه تصريحات مسؤوليه.
أضع الكمامة في طريقي للشغل، وأثناء وقوفي في أحد طوابيرنا العديدة، وأغسل يدي بعد المصافحة، وأغير ثيابي أول دخولي إلى البيت وأضعها في الغسالة أو على منشر الغسيل الخارجي الذي اعتادت جاراتنا على رؤيتي أمامه بشكل يومي وأنا أتفنن بطريقة نشر وتصفيف الثياب المغسولة، صائحات بأعلى طبقة في حناجرهن: “ولااااااا ولك جوزناك لترتاح مو لتنشر غسيل”.
أيضاً أمتنع عن تقبيل الغوالي الذين كنت في السابق أصر على مرافقة رائحتهم لثيابي مع خروجي أو دخولي للمنزل، مع العلم أن بعض هذه الطقوس كنت أقوم بممارستها قبل موضة الكورونا، وذلك مخافة عدوى أبي أو أمي اللذين يحملان رئتين متعبتين كأي سوري تجاوز عقده السادس.
عند سماعي أن شاباً قامت الكورونا بإنهاء حياته، أدرك تماماً أنه كان يعاني من حالة نفسية سيئة أدت لإضعاف مناعته، وبالتالي وفاته، هذه المناعة التي لا تتأثر بمعنويات المريض وحسب، وإنما أيضاً بنوعية الغذاء المتردي الذي فرضته كورونا الأسعار.
مع بداية عقدي الرابع، أمل أن يُكتشف علاج لهذا الفيروس ويكون هدية عام ٢٠٢١، وأن يطلق عليه اسم (كوفيد-٢٠-)، عندها سندعو مسؤولينا للتقليل من الخوف على كراسيهم، وألا يكترثوا لميزات وسلطات الموقع حتى لا تتهدد مناعتهم، وبالتالي تجتاحهم أخطر أنواع الكورونا وهي: كورونا المنصب.
حسام العاتكي