دراسات

كورونا ستصنع جيلاً من الانعزاليين

ترجمة: هناء شروف/ عن “الأندبندنت”

عرف اليابانيون منذ القدم مجموعة من الناس يطلق عليهم اسم “هيكيموري”، وهم مجموعة من الأشخاص الذين ينسحبون بالكامل من المجتمع ومن الحياة الأسرية لصالح قضاء معظم حياتهم في غرفة واحدة فقط، يُنظر إليهم عموماً على أنهم لاعبو ألعاب فيديو من فئة الشباب يقضون حياتهم وهم ملتصقون بالشاشات، يظهرون من حين لآخر في البرامج التلفزيونية، لكن هذه الظاهرة لم تبق فقط في اليابان، بل تم تصديرها خارج شواطئ اليابان.

ومن المثير للاهتمام أن دراسة أجرتها الحكومة اليابانية العام الماضي وجدت أن لدى البلاد عدداً أكبر من “الهيكيموري” الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و64 عاماً مقارنة بأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و39 عاماً، أي أن الظاهرة ليست منتشرة بين الشباب فقط.

وعليه فإن تفشي فيروس كورونا ربما يساهم في نشر هذه الظاهرة في بقية أنحاء العالم، خصوصاً بعد الفشل التام في جوانب الرعاية الاجتماعية والنفسية، وكذلك الخوف من العدوى من الآخرين، الأمر الذي يدفع الناس إلى البقاء في المنزل رغم قدرتهم على الاختلاط المجتمعي ضمن شروط صحية معينة.

نأخذ بريطانيا على سبيل المثال، كانت الحياة المجتمعية كالمعتاد طبيعية قبل أن يحل الوباء، وتدفع إجراءات الإغلاق إلى الاعتياد على العزلة، فالبقاء في المنزل كان أمراً محبذاً إن لم يكن خياراً وحيداً دون بديل بالنسبة للغالبية، خاصة المعرّضين لمضاعفات حادة جراء الإصابة، وبالنسبة للمعاقين، هناك متاعب في أخذ المعدات، والتحدي الذي يمثّله الوصول إلى الأماكن، ونظام النقل العام الذي يمكن أن يثبت أحياناً أنه عدائي بشكل علني، وفي الوقت نفسه المساحات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة ضعيفة على الأرض.

قد يبدو الانسحاب والعزلة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية خياراً منطقياً، ومن المحتمل أن يشعر الكثير ممن يعانون من القلق أو من مشاكل الصحة العقلية الأخرى بالشعور نفسه.

لقد ساعد عدم القدرة على الارتباط بالمجتمع أو التوافق معه على ظهور أكثر من مليون “هيكيموري” في اليابان، فهل ستسلك بريطانيا هذا الطريق؟.

دفع وباء كورونا باتجاه خطوة إضافية ذات تبعات اقتصادية كإغلاق المطاعم والمتاجر والحانات والمراكز التجارية، ولم تثبت برامج الدعم الحكومية أية نجاعة في مساندة أصحاب هذه المتاجر من الإفلاس، كما أغلقت دور السينما، وأصبح منتجو الأفلام يقدمونها مباشرة لقنوات العرض المتلفزة أو على الأنترنت.

لقد سهّلت التكنولوجيا البث، وعدداً لا يحصى من خيارات الترفيه المنزلي الأخرى، كانت لها جاذبيتها بين الشباب، حتى بات المواطنون الرقميون اليوم مرتبطين تماماً بعالم الأنترنت الذي لا يحتاج إلى الخروج من باب المنزل للتفاعل معه، ولا يحتاج بالضرورة إلى تدخل الوالدين لدعم أسلوب الحياة المنغلق، لقد أصبح من الممكن الآن تمويل نفسك بمعزل عن الآخرين.

لا ينبغي قراءة هذا على أنه ضربة ضد المجتمع الرقمي، لأن تسهيلات العمل من المنزل قدمت الكثير من فرص العمل للجميع، لكن ميل الناس للانعزال والبقاء في المنازل بسبب كورونا هو الخطر القادم، ربما تقوم الحكومة البريطانية في غضون خمس أو 10 سنوات بكتابة تقرير يحدد أعمار “الهيكيموري” في بريطانيا، فهل ستضع وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية المستقبلية تقريراً مثل الحكومة اليابانية تحدد فيه الهيكيموري الأكبر سناً؟.

لن يتفاجأ أحد على الإطلاق بما قد يسببه الوباء، خاصة في خلق العديد من التحديات التي نادراً ما يتم التفكير بها في خضم المعركة للسيطرة عليه، لذلك ربما حان الوقت للبدء بالعزلة المتزايدة للناس عن المجتمع.