قراءة في فنجان آخر العام
“بحياتك يا ولدي امرأة، عيناها سبحان المعبود، فمها مرسوم كالعنقود، ضحكتها أنغام وورود، والشعر الغجري المجنون، يسافر في كل الدنيا“.
هذا مطلع قصيدة كتبها الشاعر نزار قباني للفنان عبد الحليم حافظ ليخبر العالم عن حبه للفنانة سعاد حسني، والذي لم يقدر على الإفصاح عنه علانية خوفاً من ملاحقة أحد المتنفذين في مصر، حديثنا هنا ليس عن قصة العندليب وسندريلا، بل عن استخدام قباني لقصة العرافة التي تنبّأت ووصفت الحالة التي يمرّ بها العندليب الأسمر، ويقال إن قارئة الفنجان امرأة حقيقية في حياة الفنان المصري، اسمها مرجانة، قابلت عبد الحليم في بداية مشواره، وقالت له: إنه سيصبح نجماً كبيراً، ولكنه لم يصدقها، وبعد سنوات عديدة عندما تحققت نبوءتها حاولت مقابلة عبد الحليم حافظ في منزله، وظلت علاقتهما جيدة حتى جاء يوم كان على سفر، ورفضت أن تُفصح له عن الموجود في الفنجان فغضب بشدة، حتى أفصحت له أمام إصراره، بأنه سيصاب بداء كبير يُنهي حياته.
ماهي العرافة؟
“العرافة” فن قديم ولكل عراف طريقته في قراءة المستقبل، فمنهم من يستخدم التنجيم أو من يستخدم علم الأرقام، أو يخبرنا بما يتراءى أمامه في الكرة البلورية، أو عبر فك رموز قراءة الفنجان أو ورق التاروت أو خطوط الكف، العرّافة هي نوع من أنواع التنبؤ بالمستقبل يدّعي فيها الشخص العرّاف بأنه على دراية وعلم بالمستقبل.
على ما يبدو أن التطور لم يصب فقط أجزاء محدّدة من الحياة، بل شمل أيضاً أساليب التنبؤ بالمستقبل، ففي الشهر الأخير من كل عام تنشط القنوات والفضائيات بإحضار أشهر العرافين لإبهار العالم بقدرتهم على التنبؤ وإخبارهم بما سيحصل معهم على مدار أيام العام، والشيء المشترك بين أغلبيتهم هو قدراتهم بمجرد التطلع بالصور أو سماع الصوت على التنبؤ بما سيحصل، لكن الذي لا يعرفه الكثيرون أن العراف على طول السنين استطاع بذكاء أن يؤثر في أذهان الناس ويكسب ثقتهم –طبعاً من دون التشكيك في أن البعض يمتلك حدساً وقدرة خارقة– من خلال ما يُسمّى بتقنيات القراءة الباردة.
ما هي القراءة الباردة؟
القراءة الباردة هي عندما يقرأ لك العراف طالعك، فيبهرك، والحقيقة أنك أنت من يقدم له مفاتيح القراءة وأنت لاتدري. القراءة الباردة هي سلسلة من التقنيات التي غالباً ما يلجأ إليها العراف أو قارئ الطالع للإتيان بمعلومات عن الأشخاص ليقنعهم بأنه يعرف عن موضوع ما أكثر مما يعرفونه هم حول أنفسهم، ومن دون أية معرفة مسبقة عن الشخص يستطيع العراف المتمرس الحصول على قدر كبير عن تفاصيل الموضوع المطروح بسرعة فائقة وذلك بمجرد تحليل لغة الجسد والعمر والمظهر والمستوى التعليمي.
أبرز تقنيات القراءة الباردة
يعتبر كتاب “الحقائق الكاملة للقراءة الباردة” للمؤلف “أيان رولاند” وهو لاعب الخفة البريطاني أكثر المراجع شمولاً في شرح أساليب الإقناع التي يستخدمها العرافون. يناقش المؤلف في كتابه أكثر من 20 أسلوباً (تقنية) مختلفة منها: “حيلة قوس قزح” و“الإطراء المفرط” و“عبارات برانوم” و “التصويب“.
–التصويب: من الأساليب الشائعة لدى العرافين، خصوصاً أولئك الذين يظهرون على التلفزيون، يقوم خلالها العراف بالإفصاح عن كمية كبيرة من المعلومات العامة جداً وبأسلوب بطيء، قد يكون بعض تلك المعلومات دقيقاً أو قريباً من الواقع أو يثير اهتمام الشخص أو يستفزه، ومن ثم يقوم العراف بدراسة ردّ فعل الشخص عليها لكي تساعده في تضييق مجال تخميناته وتركيزها في مجال أكثر دقة اعتماداً على الاستجابات العاطفية التي يراها على الشخص من خلال نبرة صوته أو ملامح وجهه. كما قد تتضمن محاولات التصويب سلسلة من العبارات المبهمة مثل: “أرى أن هناك مشكلة في القلب تصيب فرداً يكون بمثابة أبيك في عائلتك، قد يكون أبوك أو جدك أو عمك أو حتى عمتك، أرى بوضوح ألماً في الصدر هنا يصيبه“.
– عبارات برانوم: سميت بذلك الاسم نسبة لرجل الاستعراض الأمريكي “بي.تي برانوم“، وهي عبارات تبدو شخصية رغم أنها تنطبق على العديد من الأشخاص، تكون تلك العبارات غالباً ذات نهاية مفتوحة لتعطي العرّاف أكبر حيّز في سرد تخميناته اللاحقة، وهي عبارات مصمّمة لاستخراج أية استجابات محدّدة من قبل الشخص. وهكذا تصبح العبارات اللاحقة أكثر طولاً وتعقيداً لأنها تحمل تفاصيل أكثر. تعتمد تلك العبارات على حماس الشخص في ملء الفراغات في المعلومات التخمينية التي يقولها العرّاف، وتهدف إلى إنشاء ارتباط بين ما قيل وبين تاريخ حياة الشخص برمتها. وهناك أمثلة على تلك العبارات منها: “لا تشعر بالأمان خصوصاً مع الناس الذين لا تعرفهم جيداً“.. “لديك حادثة مرتبطة بمرحلة طفولتك لها علاقة بالماء“.. “لديك مشكلات مع صديق أو قريب“.
– حيلة قوس قزح: هي عبارات فيها دهاء وتضيف ميزة على طبائع الشخص، وفي الوقت نفسه تأتي بعكس تلك الميزة. بمساعدة تلك العبارة يستطيع العراف أن يشمل كل الاحتمالات، فيبدو أنه يتوصل إلى وصف دقيق لما حدث على الرغم من أنها عبارة مبهمة ومتناقضة، تُستخدم تلك التقنية لأن طبائع الشخصية هي أمور لا يمكن قياس كميتها، ولأن معظم الناس تقريباً تحدث معهم مشاعر مختلطة في الوقت نفسه خلال حياتهم. ومن تلك العبارات مثلاً قول: “تكون إيجابياً ومبتهجاً في معظم الوقت، لكنك كنت منزعجاً جداً في وقت مضى“.. أو “إنك شخص لطيف ويعتمد عليه لكن عندما لا يستحق أحدهم ثقتك تشعر بغضب متأجج“.
وهكذا يمكن للعراف أن يختار مجموعة متنوعة من تلك العبارات التي تتناول طبائع الشخصية فيما يفكر بنقيضها أو عكسها، ومن ثم يجمعها معاً في عبارة واحدة ويخلطها بعوامل أخرى كالزمن والمزاج.
قد نعتقد بأن القراءة الباردة تحتاج إلى جهد وتعلم، وأن القرّاء موهوبون لقدرتهم على القراءة، ولكن في الواقع نحن نقوم بالقراءة الباردة طوال الوقت دون أن نعلم، ونقوم بطريقة غريزية على قراءة لغة الجسد وردات الفعل. تذكر لحظة كنت تحتاج فيها إلى مساعدة شخص واقع في خلاف بسيط، ستقوم عندها مباشرةً باستخدام القراءة الباردة لتجاري ما يقوله وتجعله يشعر أنك متفهم لموقفه.
في النهاية على الرغم من أن أغلبية الناس يعرفون أن ما يقال دجل، ويردّدون “كذب المنجمون ولو صدقوا“، إلا أن هؤلاء الأغلبية نفسهم لا يفوّتون فرصة في معرفة المستقبل، لأنه في النهاية مجهول وهناك شهوة دائمة لدى الإنسان لمعرفة الأحداث التي ستقع له لأنه لا يأمن ضربات القدر ويخشى أن يلمّ به سوء، كما أن القلق الدائم من حلم لا يتحقق يجعله يلجأ لعرّاف ويصدقه كي ينام مرتاحاً هادئ البال.
عُلا أحمد