دراساتصحيفة البعث

مرحلة جديدة في تاريخ بريطانيا

إعداد: عائدة أسعد

بعد أربعة أعوام من المفاوضات الشاقة طوت بريطانيا صفحة بريكست، وطوت معها صفحة حوالي نصف قرن من التكامل الأوروبي، ودخلت يوم الجمعة مع حلول عام 2021 مرحلة جديدة خارج الاتحاد الأوروبي. لكن لندن، التي تأمل بمكانة أقوى في العالم باستقلالها عن القارة العجوز، خسرت مزايا كثيرة، ولن تكون بداية ما بعد بريكست سهلة ومن دون عقبات.

لقد وعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المهندس الرئيسي لبريكست في مقابلة مع “ديلي تلغراف” بعام حافل بالتغيير والأمل بعد أربع سنوات ونصف السنة على استفتاء عام 2016 الذي أحدث انقسامات في بريطانيا، مشيداً باتفاق التبادل الحرّ الذي أبرمه عشية عيد الميلاد مع بروكسل.

وفي صباح يوم الجمعة الأول من كانون الثاني 2021، ومع إبحار أولى السفن باتجاه فرنسا بقي الهدوء مسيطراً على مرفأ دوفر الإنكليزي، من دون أن يشهد اختناقات كان يُخشى حصولها بعد خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، واعتماد معاملات جديدة على جانبي بحر المانش، وسلكت نحو 200 شاحنة النفق تحت المانش ليلاً من دون أية مشكلة، رغم إعادة فرض المعاملات الجمركية، على ما أكدته شركة “غتلينك” المشغّلة للنفق.

ومع أن الاتفاق التجاري الذي أُبرم مع بروكسل لا ينصّ على نظام حصص أو رسوم جمركية، ويتجنّب العواقب المدمّرة التي كانت ستحصل في حال عدم التوصل إليه، إلا أن التغيير فعليّ، فقد توقفت حرية التنقل التي تشمل حركة السلع والأشخاص من دون عراقيل عند الحدود، باستثناء التنقل بين إسبانيا ومنطقة جبل طارق البريطانية، وكذلك بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا.

وبات من الآن فصاعداً يتعيّن ملء بيانات جمركية، والخضوع لعمليات تفتيش صحية للتصدير عبر المانش، والحصول على بطاقة إقامة من أجل الاستقرار على الضفة المقابلة، وشهادة صحية للكلاب والقطط التي تنقل مع أصحابها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

ورغم هذه القيود الجديدة وعد جونسون مواطنيه بمرحلة جديدة زاخرة بالوعود وبمكانة أقوى لبريطانيا في العالم بصفتها رائدة في التبادل الحر، وكتب في تغريدة أنه مع ترؤس بريطانيا مجموعة السبع، وتنظيم المؤتمر السادس والعشرين حول المناخ، سيكون عام 2021 سنة مهمّة جداً لإشعاع المملكة المتحدة.

وأبرمت لندن اتفاقات تجارية مع نحو ستين دولة بينها اليابان، لكن التسوية التي كانت ترغب بها مع الولايات المتحدة قد تتعثّر مع مغادرة دونالد ترامب السلطة ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، غير أن البلاد تواجه تحديات كبرى وخصوصاً الانتشار المتسارع لوباء كورونا الذي تسبّب بوفاة أكثر من 73 ألفاً، وهي بين الحصيلة الأسوأ في أوروبا، إضافة إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثة عقود.

ينبغي على جونسون أيضاً طيّ صفحة فصل عاصف قاده إلى أعلى منصب سياسي في البلاد، لكنه أدى إلى انقسامات في صفوف البريطانيين وتصدّعت وحدة البلاد، إذ أن إيرلندا الشمالية واسكتلندا صوتتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي وتحلمان بالاستقلال.

إذا كان الهدوء قد عمّ البلاد، فإن العراقيل المحيطة بالموانئ متوقعة مع استئناف النشاط الكامل هذا الأسبوع، وخصوصاً إذا كانت الإجراءات الجديدة ستبطئ حركة المرور، وتؤدي إلى تشكل طوابير شاحنات، وقد يشهد ميناء هوليهيد الرئيسي في ويلز بالقرب من إيرلندا عمليات تأخير في الأسابيع المقبلة.

وفي هذا الشأن، قال وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفني في حديث مع هيئة “بي بي سي” إن التبادل التجاري البالغة قيمته 80 مليار يورو سيتعرّض من الآن وصاعداً لعراقيل مع بريطانيا عبر بحر إيرلندا بسبب الضوابط والتصاريح والبيروقراطية والكلفة والتأخر.

إن الاتفاق يوفر لبريطانيا إمكانية الوصول إلى السوق الأوروبية الشاسعة التي تضمّ 450 مليون مستهلك من دون رسوم جمركية أو نظام حصص، لكن الاتحاد الأوروبي يحتفظ بحق فرض عقوبات والمطالبة بتعويضات لتجنّب أية منافسة غير عادلة في حال عدم احترام قواعده في مجال المساعدات الحكومية والبيئة وحق العمل والضرائب.