الشتاء الأصعب: الغلاء “يشفط” المواد الأساسية و”حماية المستهلك” تبرر للتجار رفع الأسعار!!
“البعث الأسبوعية” ــ علي عبود
مرت سنوات صعبة على السوريين، لكن شتاء 2021 سيكون الأصعب والأقسى: لا مازوت للتدفئة، ولا غاز بديلاً للقضاء على برد الليالي الطويلة، ولا كهرباء نظامية ازدادت ساعات قطعها قبل أن تحل الأيام العاصفة القارية والثلجية، ولا حطب حتى مع وصول سعر الطن الواحد منه إلى رقم بالكاد يقدر عليه المقتدر مالياً، أما الغلاء، الذي لم تستطع أي جهة حكومية لجمه، فقد “شفط” المواد الأساسية من موائد ملايين الأسر السورية، فالفروج (أكلة الفقراء) أصبح عزيز المنال، واللحمة “في خبر كان”!
وإذا كانت هناك خيارات في الصيف بديلة للحوم، كالخضراوات والبقوليات، فقد كانت أسعارها في عز مواسمها “تشفط” الجزء الأكبر من الدخل، أما في الشتاء فالخيارات ضيقة جداً، ووجبة شوربة – مثلاً – تكلف أكثر من ألفي ليرة، فماذا يقال عن الخيارات الأخرى، حيث لا يقل سعر الملفوفة الصغيرة الواحدة عن 1500 ليرة، ومثلها الزهرة، كما أن السبانخ والسلق ليسا أقل كلفة؛ أما فواكه الشتاء – أي الحمضيات – فلا تفكر بها أي أسرة.
نعم.. شتاء هذا العام هو الأصعب والأقسى، فلا طاقة ولا دخل كافياً يواجه الغلاء.. فما العمل؟
ومتى كان مريحاً؟
لقد كشف وزير الكهرباء غسان الزامل للجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب أن “وضع الكهرباء في موسم الشتاء بكل تأكيد لن يكون مريحاً، نتيجة وجود عجز في توليد الطاقة الكهربائية”. ولم يصدمنا تصريح الوزير لأن التقنين في الصيف كان قاسياً وحاداً، ولم يتوقع أحد أن الشتاء سيكون مريحاً، بل إن أي مواطن يمكنه أن يسأل وزير الكهرباء، أي وزير للكهرباء: ومتى كان وضع الكهرباء مريحاً؟
وإذا كان سكان دمشق يعانون من قطع لا يقل عن14 ساعة يومياً، فإن وضع الكهرباء في الكثير من المحافظات “مأساوي”، وبالكاد يصل الوصل إلى أربع أو ثلاث ساعات.
تقول وزارة الكهرباء إن التوليد حالياً بحدود 3 آلاف ميغا، في حين أن حاجة البلاد نحو 8 آلاف ميغا.. ترى ماذا فعلت وزارة الكهرباء منذ سنوات لتأمين حاجتنا من “الميغا”؟ هل اتصلت بدول صديقة لإعادة تأهيل محطات التوليد القائمة، وإقامة أخرى جديدة.. أم ماذا؟
المسألة ليست في جعل الوضع الكهربائي مريحاً للمواطن فقط، الأهم أن يكون مريحاً أيضاً للاقتصاد. والحكومات السابقة أكدت مراراً على أهمية العملية الإنتاجية في تعزيز اقتصاد البلاد، ولكنها لم تفعل الكثير لتأمين الكهرباء للمدن والمناطق الصناعية التي يجب أن لا ينقطع عنها التيار دقيقة واحدة، إذ لا إنتاج مستمراً ومستقراً بلا تيار مستمر ومستقر. نعم.. الوضع صعب جداً حسب تصريح وزير الكهرباء، الشفاف جداً: حاجتنا في ظل هذا الجو لا تقل عن 6 آلاف ميغا، وما يتم توليده لا يتجاوز 2500 ميغا، ويمكن أن يصل التوليد إلى 3200 ميغا بعد إدخال مجموعات التوليد التي يتم إجراء الصيانة عليها، أي أن التوليد المثالي دون إشكالات وأعطال ونقص في إمدادات الغاز لا يغطي 50% من الحاجة الفعلية للإنارة والصناعة والخدمات الأخرى. ومرة أخرى نسأل: ما خطط وزارة الكهرباء لمواجهة هذا الوضع الصعب؟
ليس لدى الوزير سوى رد واحد قاله لممثلي الشعب: لجوء المواطنين للكهرباء في الشتاء للتدفئة والطبخ، وهذا حقهم سوف يسبب عجزاً كبيراً فيها!!
الغاز.. أين الغاز؟
لم يكن المواطن يلجأ كثيراً إلى الكهرباء للتدفئة والطبخ، وبخاصة أنها كانت – ولا تزال – تنقطع في ذروة الليالي الباردة، فقد كان لديه البديل – أي الغاز – لكن وزارة النفط قررت وضع حد نهائي لاستخدامات الغاز للطهي والتدفئة، فمنعت بيع المادة إلا من خلال البطاقة الذكية!
ورحب المواطن بالأسلوب الجديد لأن الوزارة وعدت بتأمين أسطوانة للأسرة كل 21 يوماً، وهو وعد لم يتحقق، فالأسطوانة لا تصل للأسرة إلا بعد 70 يوماً على الأقل.. هذا كان في الصيف، أما في شتاء 2021، حيث تزداد الحاجة إليها أكثر فأكثر، فإن مدة الحصول عليها ستطول وتطول، والذريعة جاهزة لدى وزارة النفط: “التوزيع حسب توفر المادة”. وطبعاً، المادة متوفرة دائماً لمن يدفع ثمناً للإسطوانة 30 ألف أو أكثر في شتاء هذا العام.
لا توزيع للمازوت
وخلافاً للعام الماضي، لم تستلم الأسرة السورية، حتى الآن، الدفعة الأولى من المازوت على الرغم من بدء موسم البرد والأمطار، ولم يكن الأمر مفاجئاً لأن ملايين الأسر السورية لم تستلم الدفعة الثانية من شتاء العام الماضي، ويبدو انها تبخرت. وإذا كان تأمين الدفء عصياً على سكان المدن، فإن سكان الريف والجبال وجدوا حلاً سريعاً، وبالمجان، إذ يستخدمون الحطب للطبخ والتدفئة.. والإنارة أيضاً.. وهذا يعني قطع الأشجار الحراجية لاستخدامها كوقود، ولا يمكن لأحد أن يلومهم على فعلتهم، فماذا يفعل سكان الجبال التي يقتحمها البرد القارس منذ شهر أيلول؟ إن دخولهم لا تتيح لهم شراء المازوت من السوق السوداء، ولا الحطب النظامي من الأسواق، ومع ذلك فإن وزارة الزراعة – المسؤولة عن حماية الحراج – لم تخطط حتى الآن لتزويد سكان الريف والجبال بالحطب بأسعار رمزية، ولم تضغط على وزارة النفط لتأمين حاجتهم من المازوت، ما يعني أنها المسؤول الفعلي عن الحرائق المفتفلة والتعديات الجائرة على الغابات.. تصوروا أن محافظة باردة كحمص لم يتجاوز توزيع 100 ليتر مازوت لكل أسرة نسبة 15%، حتى منتصف تشرين الثاني، والوضع في محافظات أخرى أسوأ بكثير. وقد زعمت وزارة النفط، منتصف تشرين الثاني الفائت، أن وتيرة توزيع مازوت التدفئة على المواطنين تحسنت قياساً للفترة السابقة، لكن الأمر غير صحيح، فآلاف العائلات في دمشق لم تستلم الدفعة الثانية المخخصة لهم عن العام الماضي حتى الآن، وهم ينتظرون منذ أشهر وصول الدفعة الأولى من هذا العام.
ويحدثونك عن اللحوم!
لقد أصبح الحديث عن اللحوم الحمراء والفروج نوعاً من الترف بالنسبة لملايين الأسر السورية. والمسألة غريبة ومريبة، إذ كيف يمكن لبلد مصدّر للأغنام أن يقفز كيلو اللحمة فيه إلى مستويات أخرجتها من موائد ملايين الأسر؟ بل كيف يمكن للفروج أن يخرج من موائدها فجأة بعد ارتفاعات جنونية سريعة غير مسبوقة في أسعاره؟
ما لفتنا أن هيئة المنافسة ومنع الاحتكار بررت ارتفاع أسعار اللحوم بارتفاع سعر صرف الدولار، وبارتفاع أجور النقل بسبب ارتفاع أسعار البنزين، إضافة لارتفاع سعر المازوت الصناعي. ولكن أسعار اللحوم سبق وأن سجلت ارتفاعات متلاحقة قبل ارتفاع أسعار المحروقات، ولا ندري أصلاً ما مبرر ارتباط سعرها بالدولار، ما دمنا ننتجها ولا نستوردها؟ أما مزاعم هيئة المنافسة بأن التهريب هو السبب الرئيسي لارتفاع أسعار اللحوم فإننا نسألها: ومتى توقف تهريب الأغنام السورية؟ التهريب قائم ومستمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولم تتأثر أسعار اللحوم، وبالتالي فارتفاع أسعارها وراءه الجشع، ولا سبب آخر سوى الجشع!
ارتفاع أسعار جميع المواد
عملياً، لم يتوقف التجار عن رفع الأسعار عام 2020، مثلما فعلوا في الأعوام السابقة، وحرصوا أن يكون عام 2021 الأصعب والأقسى على السوريين. ولا ينقص التجار المبررات لرفع الأسعار، فهي جاهزة دائماً: سعر الصرف، النقل، المحروقات، النفقات غير المنظورة، صعوبات الاستيراد؛ وكان رفع أسعار المحروقات مؤخراً سبباً مباشراً لرفع الأسعار مجدداً، سواء السلع والمواد المستوردة أم المنتجة محلياً!
وجارت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار الجهات التي غالت برفع أسعارها، فبررت فعلتهم بسبب “أسعار صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وارتفاع أجور النقل لارتفاع أسعار البنزين، إضافة لارتفاع سعر المازوت الصناعي”.
والملفت إن وزارة التجارة الداخلية بررت للتجار رفع أسعارهم بالقول إن الرفع سببه كلفة الإنتاج، وسعر المواد الأولية المستوردة الداخلة في الصناعة المحلية. والنسب المرتفعة بعد زيادة سعر المحروقات جاءت بعد ارتفاعات متكررة خلال الأشهر الماضية إلى حد يمكن الجزم إنه ما من مادة إلا وارتفعت بنسبة لا تقل عن 100%، وبعضها تجاوز نسبة 300%!!
المدافئ البطاريات والشواحن تشتعل
ويبدو إن مامن جهة تنتج مادة يحتاجها المواطن في الشتاء إلا وقامت برفع أسعارها على الرغم من مكوناتها المحلية. وقد استغل منتجو المدافىء وضع الكهرباء المأساوي وانعدام الحصول على الغاز فراهنوا بأن المواطن سيلجأ إلى مدافىء المازوت والحطب، ولم يترددوا برفع أسعارها.
وفجأة، قفزت أسعار المدافى بكل أنواعها، وأصغر مدفأة مازوت تباع اليوم بأكثر من 100 ألف ليرة، في حين تراوح سعر المدافئ من الماركات المشهورة للقياس الكبير مع تيربو بين 500 و800 ألف ليرة.
كما ارتفعت دفايات الكهرباء، رغم التقنين الطويل، من 30 ألف إلى 60 ألف، أي بنسبة 100%، وبعضها يباع بسعر أعلى حسب عدد وشائعها. وارتفعت أيضاً أسعار مدافئ الحطب من 50 إلى 250 ألف ليرة فقط، ويباع المتطور منها بمبلغ 350 ألف ليرة.
وإذا افترضنا إن الأسرة لديها مدفأة مازوت أو حطب أوغاز، فإن المشكلة بتأمين مادتي المازوت والحطب واسطوانة الغاز، فدخل الأسرة أعجز من أن يؤمن الحد الأدنى من المازوت، أو جرة الغاز من السوق السوداء، أو عدة كيلوغرامات من الحطب من السوق الحر.
بدورها، شهدت أسعار البطاريات والشواحن مع زيادة التقنين ارتفاعاً كبيراً مقارنة بأسعارها قبل نحو شهرين، ووصل ثمن البطارية محلية الصنع “150 أمبيراً” إلى 180 ألف ليرة، في حين أن البطارية 75 أمبيراً تباع بـ 80 – 85 ألف ليرة، أما البطارية أسيد سائل 100 أمبير “أجنبية الصنع”، فتُباع بـ 225 ألفاً، والبطارية الجافة مغلقة “100 أمبير” بـ 200 ألف، علماً أن بعض البطاريات، استطاعة 200 أمبير، يصل سعرها لنحو نصف مليون ليرة.
وتبدأ أسعار شواحن البطاريات من عشرة آلاف ليرة لتصل إلى 125 ألف ليرة، وذلك حسب نوع واستطاعة البطارية المراد شحنها، فكلما ازدادت أمبيرات البطارية ارتفع سعر الشاحن، وتترواح أسعار الليدات بين 1200 إلى 2500 ليرة، حسب النوعية ولون الضوء.
ماذا تحتاج الأسرة لمواجهة الشتاء الأقسى؟
لقد أسهبنا بالحديث عن الأسعار ونقص الخدمات الذي سيجعل شتاء ملايين السوريين الأقسى والأصعب،
وقد تراجعت القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة تزيد على 90 بالمئة بسبب الارتفاعات الكبيرة في الأسعار التي وصلت إلى مستويات تجاوزت نسبتها ألف بالمئة!
والسؤال: من سيساعد ملايين الأسر في الشتاء الأصعب والأقسى على السوريين؟