نقطة ساخنة.. عهود التأزم
لا يخلو الحديث عن النقل البحري من الهموم التي باتت جزءاً من النشاط الذي تتولى أمره المرافئ إدارياً وإنتاجياً، لتغدو المعاناة المتراكمة وجبة شبه دائمة تواجه تطور وتحديث هذا القطاع الحساس الذي يشكّل البوابة الأكثر حيوية للبلد اقتصادياً وتجارياً وحتى اجتماعياً.
في تفاصيل القضايا التي تشغل بال القائمين والمهتمين، يتجلى الوجع الأكبر بتوسيع الموانئ وبند الاستثمار الذي تحول إلى نذير شؤم بوجود اتهامات تتعلق بالعقود، وشكوك طالت مستقبل العمل البحري بدخول مستثمرين على خط الطمع بأهم وريد يغذي ويربط الحياة العامة بالخارج، وبلسان حال “أهل مكة” الأدرى بشعاب النقل البحري ننقل اعترافاً من قبل وزارة النقل بأن المشكلة الأكبر تتمثّل بعدم الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة من خلال تقديم خدمة سريعة وبأقل كلفة، في حين تجثم عقدة توسيع المرافئ على صدر صناع القرار، لاسيما مع عدم وجود غاطس “15 م -17 م” كبير يمكن السفن ذات الحمولات الكبيرة من الرسو في المرافئ، ولكن دائماً يقف التمويل اللازم عائقاً.
ومع عدم تكتم “النقل” على عجزها، لا يخلو الأمر من إشارات لوم على جهات أخرى، وتحديداً في قضية عقد أتمتة قطاع النقل البحري للانتقال من الإنجاز الورقي والاحتكاك بين العاملين والمتعاملين، ما يزيد فرص الفساد، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن من قبل وزارة الاتصالات والتقانة.
وتؤكد المذكرات والتقارير التي تحرص الوزارة على اطلاع رئاسة الوزراء عليها بأن المرفأين في اللاذقية وطرطوس لم يشهدا تشغيل المخابر في زمن الحاجة لتقليل الكلف وإنجاز التحاليل المخبرية بأسرع وقت ممكن، كما تتضمن شكاوى من وجود إشكالات وتداخل بين مرفأ اللاذقية ومجلس المدينة ومؤسسة المناطق الحرة، حيث لا تتجاوب تلك الجهات حسب المذكرات لإخلاء هذه المناطق بغية توسيع المرافىء، ومحاولة حلحلة هذا الملف المعقد .
وفي مرور سريع على المنغصات التي فشلت الإدارات المتلاحقة في تذليلها، ثمة حاجة لإعادة هيكلة شركة التوكيلات الملاحية لإعادتها للسوق، ومنافسة القطاع الخاص بسلاح المرونة، وكذلك حال مديرية الموانئ، وتفعيل منظومة البحث والإنقاذ البحري لمواجهة الحوادث البحرية (شراء حوامات – قواطر بحرية)، وتذليل الصعوبات أمام مؤسسة النقل البحري لتأمين سفنها، والسماح لها برفع علم غير سوري تجنباً للعقوبات المفروضة على البلد، عدا عن إشكالية تتعلق بعدم وجود مراس وموانئ آمنة لزوارق الصيد والنزهة؟
قد تكون الحكومة وفق الحلول المطروحة في التقارير المرفوعة مقصرة، لاسيما في البنود المالية والتمويلية والدعم اللوجستي، إلا أن ترهل الوزارات، وقلة عمليات التنسيق فيما بينها، وترهل الإدارات المباشرة للقطاع البحري.. كل ذلك جعل القضايا البسيطة تتراكم مع الزمن ليتحول الحل فيها إلى معجزة في بعض الأحيان، ومهمة إنقاذ القطاع برمته صعبة إلا إذا تحركت الحكومة بشكل إسعافي واستراتيجي معاً ينهي عهود التأزم، ويفتح الطريق لقطاع مدرار.
علي بلال قاسم