ثقافةصحيفة البعث

رنا لطفي.. فراشة دمشقية تحلق في الأفق البعيد

الهوية السورية والأنثى برمزيتها الخاصة المعجونة في تفاصيل خطوط وألوان رنا لطفي هو ما يميّز لوحاتها ومعارضها التي تقيمها كل حين، حيث تجد أن لوحتها تنبض أنوثة بكل التفاصيل، فتضيع الحدود بين مفاهيم الوطن الأم والحنين لحضن الوالدة والمرأة المحبوبة والشجرة المثمرة المعطاء.

لحظات الحُب العُليا عند الفنانة المغتربة رنا لطفي تتجلّى وهي أمام لوحاتها، وتحديداً في اللحظة التي ترمي بها الريشة وتضعها جانباً وتبدأ تلمس الألوان بأصابعها وتضعها على قطع القماش، وعندها تعيش أجمل لحظاتها وتعيش النَفَس مع الورق فرائحته الحب، وفي الوقت نفسه عند لمسها الألوان وإحساسها ببرودتها وسماكتها، وعندما تسمع صوت اللوحة بعيونها هو حب أيضاً، وهذا الحب كله علمها الرغبة بالحياة أكثر وأكثر.

حلم العائلة الضائع

وللتعرف على هذا الحب والشغف، كان لنا هذا الحوار مع الفنانة رنا لطفي التي قالت عن اكتشافها هذا العشق للفن:

منذ أول معرض فني أقمته في مطبخ بيت العائلة بعمر الـتسع سنوات، ألغيت أحلام العائلة بأن أصبح طبيبة أو صيدلانية وقرّرت أن أكون فنانة، أحببت الوقوف أمام لوحاتي والكلام عنها، لأنني شعرت منذ الصغر أنها كانت منفذاً لي للتعبير عن أفكاري التي كبرت داخلي قبل عمري البيولوجي، وأعطتني قوة وثقة كنت أفتقدها آنذاك. بالمختصر.. وجدت نفسي أمامها، فأنا لم أحب فقط العرض بل كنت متورطة بالتفاصيل، العرض الموضوع والتقديم، وعاهدت نفسي أن أحب الفن كل الفن وأن أبحر في أهوائه كلها وأشكاله، نابذة التقاليد والأسس الفنية.

وكربان سفينة تصارع الموج العاتي في شق طريقها نحو حلمها تابعت لطفي بالقول: أنا فتاة متمردة في كل شيء، تخرجت من جامعة دمشق كلية الفنون الجميلة عام ٢٠٠٠ متحدية المجتمع ونظرته للفنانين في ذلك الوقت، وكأننا أتينا من كوكب آخر. في الحقيقة، كانت سنوات صعبة لإثبات الذات والتميّز، ولكنها مليئة بالمغامرة والفرح والصداقات التي لا تُنسى مع زملائي الفنانين الذين تخرجنا معاً.

التصوير الضوئي

وعن اختصاصها في كلية الفنون، قالت الفنانة رنا:

تخصّصت بالاتصالات البصرية قسم الإعلان، وهنا يجب شكر الأستاذ المرحوم محمود جليلاتي على تشجيعي لدخول القسم، والذي ساعد جداً في تكوين خط وفكر خاص، ولن أنسى دعمه لي بإتقان التصوير الفوتوغرافي، والذي للأسف لم أتابع مسيرته لكنه كان بداية لمحطة مهمّة بعد التخرج، حيث شاركت بأول معرض جماعي للفنانين الشباب عن فئة التصوير الضوئي، وفزت  بالمركز الثالث بتصويت الجمهور وبيعت أعداد من النسخ داخل دمشق وباريس. وكان هذا الفرح الأول الذي يعتريني ويثبت أقدامي بقوة أكبر على الطريق الذي انتهجته لنفسي.

“دمشق” الرمز

وعن سرّ التعلق بالمدينة الأم دمشق والرمزية التي لها كل تلك الخصوصية في روحها والمحطات التي مرت بها رنا لطفي قالت:

كان موضوعي ولا يزال “دمشق”، هاجرت بعدها إلى الولايات المتحدة عام ٢٠٠٢، وبدأت مسيرة مختلفة حيث عملت في مجال تخصصي، وأقمت عدة معارض صغيرة لكي اختبر الذوق الأميركي وأبدأ بإثباط حضوري في أرض المغترب. ومن المحطات المهمّة أيضاً إنشائي لشركتي الخاصة منذ ٧ سنوات باسم “DAMASK” التي تعمل في مجال الفنون والديكور، ومؤخراً أصبحت تدعم الأعمال الإنسانية وخاصة سورية، وتدعم أعمال الفنانين السوريين.

وأضافت رنا: بدأت معارضي منذ ٥ سنوات بشكل مكثف، وكان أولها في دمشق بعد غياب دام ست سنوات عنها، وتوالت المعارض بين لندن وبيروت وانتشرت الأعمال في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا والشرق الأوسط، وأنا أرى أن المستقبل مليء ومليء جداً، لكن لكل شيء وقته الجميل، فهناك أعمال جديدة وأفكار وخط جديد يمكن تقديمه.

في الختام

الواقف أمام لوحات رنا لطفي والمتأمل بعمق روح العمل وهويته البصرية يدرك الكثير من معاني نبض الحروف، وهي تقولها بلهفة وحب شارحة ذاك السر الدفين في قلبها تجاه مدينتها الأغلى دمشق، وقد تلمسناه بصدق وهي تحاورنا وتتحدث بعمق وحب  عن تجربتها الفنية تلك.

جمان بركات