“يد العاصمة” مكسورة بفعل فاعل.. من ينتشلها من غياهب النسيان؟!
“البعث الأسبوعية” ــ عماد درويش
لن نغالي إذا قلنا إن لعبة كرة اليد في دمشق تعيش في حالة من عدم الاستقرار منذ سنوات طويلة، ويعود ذلك لعدم اهتمام الأندية الدمشقية – ومن ورائها الاتحادات التي تعاقبت على اللعبة، نتيجة ضعف رؤيتهم الفنية وسيطرة اللعبة الشعبية الأولى “كرة القدم” على الحصة الأكبر من ميزانيات الأندية بالعاصمة، فلم تجد اللعبة من ينادي بها أو يهتف لها أو يسعى لدعمها وإعادتها من جديد، وبقيت تعيش على الفتات والهبات في بعض الأندية.
وإذا ما عدنا قليلاً إلى الماضي، لوجدنا أن اللعبة كانت تمارس في أندية الثورة “بكافة الفئات”، والمجد “بالرجال والشباب”، والشرطة الذي ألغى اللعبة بفئات الرجال والناشئين، وأبقى عليها بالسيدات، إضافة إلى أندية بردى والوحدة والنضال، واللعبة حالياً تمارس فقط في نادي قاسيون للسيدات وفي الجيش للرجال، وهذا يضع أكثر من إشارة استفهام على وضع اللعبة في دمشق رغم أنها غنية بالكوادر والخامات المميزة.
تكاليف كبيرة
كوادر اللعبة أكدوا إلى أن هناك العديد من الأسباب التي أدت لتراجع اللعبة في دمشق وخارجها، وتعود إلى عدم الاهتمام والمتابعة وعدم الجدية بممارستها من قبل الجميع، وخصوصاً إدارات بعض الأندية في العاصمة، كما أن اللعبة مكلفة جداً وتحتاج إلى ميزانية خاصة كونها جماعية، كما أنها تفتقد لأبسط مقومات التطور لأنها لا تمتلك صالة تدريبية خاصة بها، إضافة إلى عدم قدرة إدارات الأندية على الالتزام بتأمين الدعم المادي للاعبين واللاعبات، وهو ما ينعكس سلباً على توسيع قاعدة اللعبة في المدينة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: يوجد في دمشق العديد من الأندية الكبيرة، لكن إداراتها ترفض أن تمارس هذه اللعبة الجماعية كونها لعبة غير محترفة، ولا تدر الأموال على النادي، ولا بد من إيجاد السبل والطرق الكفيلة بإعادة اللعبة إلى الأضواء عبر جعل الأندية الكبيرة والمقتدرة تمارسها، بوجود قرار من الاتحاد الرياضي العام يلزم بممارستها؟
محاولة فاشلة
رئيس اللجنة التنفيذية في دمشق، مهند طه، أكد لـ “البعث الأسبوعية” أن اللعبة، وقبل أن يتم انتخاب اللجنة الحالية، مغيبة عن معظم أندية العاصمة، بسبب الكثير من المشاكل، وأهمها أن إدارات الأندية غير قادرة على المضي بها قدماً في ظل التكاليف المادية الباهظة للّعبة “ناشئين وناشئات ورجال وسيدات”، فأندية دمشق بالكاد تستطيع الإنفاق على الألعاب التي تمارس فيها، وكرتا القدم والسلة تأخذان الحيز الأكبر من المصاريف كونهما لعبتين محترفتين، فيما كرة اليد بحاجة للدخول في قانون الاحتراف للوقوف على قدميها من جديد. وكشف طه أنه كانت هناك محاولة لإعادة اللعبة لنادي المجد، وتحديداً عبر الفئات العمرية الصغيرة، لكن حتى المدرب الذي تكفل بالتدريب لم يكن يتقاضى سوى 15 ألف ليرة، ورغم ذلك كان لديه حب للعمل على تطوير اللعبة بتلك الفئات، إلا أن المحاولة باءت بالفشل لعدم قدرة إدارة النادي على الاستمرار فيها، كاشفاً في الوقت نفسه أن اللجنة التنفيذية تسعى لدى بعض الأندية التي كانت تمارس اللعبة لإعادتها من جديد لتكون نواة للمستقبل.
مقومات مطلوبة
مدرب سيدات الشرطة، محمود صاصيلا، أشار إلى أن اللعبة تحتاج للكثير من المقومات للنهوض بواقعها، وحتى يستطيع القائمون عليها رفع مستواها وتطويرها لابد من توافر المال، وهذا بالوقت الحالي غير متوفر، مضيفاً: الجميع يدرك أن اتحاد كرة اليد غير قادر على إلزام هذه الأندية بممارسة اللعبة، كونها غير قادرة على تغطية نفقات المشاركة بأغلب فئاتها، من أشبال وناشئين وشباب ورجال.. وحتى السيدات. وهذا الأمر يحتاج إلى تخطيط علمي وميزانية مخصصة، ومن المعروف سلفاً أن أنديتنا غير قادرة على تغطية جميع هذه المشاركات، لهذا نجد العديد منها يعتذر عن المشاركة خشية تزايد النفقات وحتى تكاليف أجور نقل اللاعبين من محافظة إلى محافظة غير متوفرة، وكذلك أجور تكاليف التحكيم، وغيرها من الأمور التي أدت إلى تراجع عكسي لكرة اليد بشكل مخيف، وشدد صاصيلا على أن الاهتمام يكاد يكون معدوماً في بعض الأندية والمحافظات، والتي كانت كرة اليد إحدى الألعاب الأساسية فيها.
سبب إداري
من جهته، كشف الخبير الدولي زهير سمحة أن أهم أسباب إلغاء اللعبة في دمشق تعود إلى مجالس إدارات الأندية التي تعتبر أن لعبة كرة اليد مستهلكة للميزانية، ولا تسويق لها، لافتاً أن اللعبة لا تكلف سوى مبلغ زهيد قياساً بالتعاقدات التي أجرتها الأندية مع لاعبي كرة القدم والسلة.
وأوضح سمحة سبباً آخر لاندثار اللعبة يتمثل بإلغاء بعض الملاعب والصالات من المدارس والأندية، الأمر الذي جعل محبي اللعبة يهجرونها إلى أندية أخرى، مع العلم أنه في السابق كانت الأندية تلعب على الملاعب المكشوفة ذات الأرضية الباطونية، مشيراً إلى أن إعادة اللعبة لوضعها السابق مرتبط بأصحاب القرار من القيادة الرياضية لناحية تحفيز الأندية التي تلعب كرة اليد بدعمها بمبالغ مادية شريطة أن تصرف تلك المبالغ على تطوير اللعبة.
هل من مجيب؟
أخيراً.. لا بد من القول أن يد دمشق لا تحتاج إلى أحجيات ولا إلى أشخاص خارقين لعودتها مجدداً، وإنما هي بحاجة لالتفاتة من قبل القيادة الرياضية، وللقليل من الدعم والرعاية، فاللعبة قادرة على السير في الطريق الصحيح كونها تضم الكثير من المحبين الذين يعملون بصمت، رغم كل الصعاب، ولا بد من القول: “ادعموا يد العاصمة”، خوفاً من أن يأتي يوم لا نجد فيه من يمارس اللعبة.