دراساتصحيفة البعث

هل تتقاطع مصالح ماكرون وبايدن؟

إعداد: عائدة أسعد

تناقلت الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية تحليلات استباقية حول نوعية العلاقات التي يمكن للرئيس جو بايدن إقامتها مع الرئيس ايمانويل ماكرون بالتصفيق لولادة حقبة جديدة متفائلة، وذلك مقارنة بالانتكاسة التي عرفتها العلاقات الأوروبية الأمريكية في عهد دونالد ترامب.

إن القراءة المتأنية للمقاربات الدبلوماسية لسيد البيت الأبيض الجديد تنم نظرياً عن توافق في الرؤى والاستراتيجيات في العلاقات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وقد كان الإعلان والعودة الفورية للولايات المتحدة إلى اتفاق باريس حول البيئة، الذي مزّقه دونالد ترامب، دليلاً قاطعاً على البدء بمرحلة جديدة في تلك العلاقات.

في عام 2015 وقّعت الولايات المتحدة وأغلب دول العالم اتفاق باريس للمناخ، هذا الاتفاق العالمي الرائد تم التوصل إليه للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإبطاء تغير المناخ، وكان ذلك قبل عام واحد من انتهاء رئاسة باراك أوباما، لكن الرئيس السابق دونالد ترامب وفى بوعده الانتخابي في أول أيام حكمه في كانون الثاني عام 2017، وانسحبت بلاده من الاتفاق لتصبح الدولة الوحيدة التي انسحبت من المعاهدة حتى الآن، وفي أول يوم رئاسي له أعلن جو بايدن رسمياً العودة والانضمام إلى اتفاق باريس للمناخ في غضون 30 يوماً، لتعود واشنطن بصورة كاملة اعتباراً من 19 شباط.

تعتبر العودة إلى اتفاق باريس للمناخ أحد التعهدات الرئيسية التي قطعها بايدن في خطته المناخية، إلى جانب الوعود بالقضاء على الانبعاثات الكربونية، والوصول بها إلى الصفر في موعد لا يتجاوز عام 2050، والتخلص من توليد الطاقة غير النظيفة في الولايات المتحدة بحلول عام 2035.

ويرى خبراء أن هذه الخطوة ليست سوى بداية رحلة طويلة لإصلاح سياسات المناخ في الولايات المتحدة، ولكن يخطىء من يعتقد أن العلاقات بين باريس ومن ورائها بروكسل وواشنطن ستعيش تلك السلاسة والتناغم اللذين تم افتقادهما في عهد ترامب لسبب بسيط هو أن هناك مواضيع عالقة قد تكون مصدر خلاف وتوتر مهما كان موقف جو بايدن واستعداده لإصلاح ما أفسده ترامب.

مع ايمانويل ماكرون هناك بذور انشقاق بين فرنسا والولايات المتحدة عندما يصر الرئيس الفرنسي على الدفاع عن عقيدة الاستقلالية الاستراتيجية التي تم اللجوء إليها من طرف بعض الأوروبيين بعدما هدد دونالد ترامب بسحب أو على الأقل إضعاف المظلة الأطلسية التي كانت ولاتزال تحمي الأمن الأوروبي، كما اقترح ماكرون تأسيس جيش أوروبي موحد، وعقيدة دفاعية مشتركة، في محاولة منه لقطع الحبل السري الذي استعملته إدارة ترامب كورقة تهديد وابتزاز.

ومع جو بايدن الذي يؤمن بضرورة وحيوية تقوية الحلف الأطلسي وجعله آلة نفوذ لأمريكا العائدة بقوة لإدارة شؤون العالم، سيصطدم ماكرون ومن ورائه الأوروبيون الذين يعتقدون أنه حان الوقت للتحرر من وصاية الولايات المتحدة الأمنية والاستراتيجية، فالخلافات تكمن في العقيدة الأمنية التي تريد أمريكا تفعيلها بعد حقبة العزلة التي عاشتها خلال ولاية ترامب.

وهناك خلاف جوهري واستراتيجي آخر قد يسمم العلاقات الأوروبية-الأمريكية وهو الحرب التجارية مع الصين، لأن بايدن يريد من جميع حلفائه الاصطفاف كرجل واحد وراءه لمواجهة الاقتصاد الصيني، بينما يريد الأوروبيون أن يكون لهم هامش مناورة يمكن من خلاله تحديد سقف مصالحهم الوطنية دون إعطاء الانطباع بأن فضاءهم الأوروبي مجرد خاتم في اصبع بايدن يفعّله وقتما يشاء تطبيقاً لأجندة المصالح الأمريكية.