لماذا لم يتم تصنيف الإرهاب المحلي على أنه جريمة في الولايات المتحدة؟
عناية ناصر
أدى هجوم 6 كانون الثاني على مبنى الكابيتول الأمريكي إلى ضخ حياة جديدة في نقاش طويل بين صانعي السياسات الحكومية، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى قانون محلي جديد للإرهاب. وينبع هذا النقاش مما يراه الكثيرون على أنه فجوة كبيرة في القانون الأمريكي الحالي لمكافحة لإرهاب، وهو عدم وجود قانون قائم بذاته يجرم الإرهاب المحلي، فبينما يجرم القانون الأمريكي تقديم “دعم مادي” لمنظمة إرهابية أجنبية، لا يوجد قانون مماثل يجعل الإرهاب المحلي جريمة فيدرالية، على الرغم من أن الأعمال الفردية التي يرتكبها الإرهابيون الأمريكيون المحليون هي أعمال غير مشروعة. وخلال هذه الفترة، أُلقي باللوم جزئياً على أعضاء الجماعات اليمينية المتطرفة المتورطة في أعمال العنف، ويقول مؤيدو سن قانون محلي جديد للإرهاب أن الوقت قد حان الآن للتحرك.
يقول النائب مايكل ماكول، العضو الجمهوري في لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، خلال جلسة استماع حول الإرهاب المحلي: “أعتقد أن ما حدث في 6 كانون الثاني هو دعوة ليس إلاّ” لإقرار قانون الإرهاب المحلي. ومع ذلك، فإن الضغط من أجل قانون جديد بهذا الصدد يواجه معارضة شديدة من جماعات الحقوق المدنية، بالإضافة إلى العديد من أعضاء الكونغرس المهتمين بالحريات المدنية؛ ويقول هؤلاء المنتقدون إن هناك بالفعل الكثير من القوانين في الكتب التي يمكن من خلالها توجيه الاتهام في قضايا الإرهاب المحلي، ومن بين أشد المعارضين لها في الكونغرس، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، الديموقراطية التي قامت، بصفتها نائبة رئيس لجنة بمجلس النواب، بالتحقيق في قوانين الإرهاب المحلية.
“مشكلتنا يوم الأربعاء (6 كانون الثاني) أنه لم تكن هناك قوانين أو موارد أو معلومات كافية”، هكذا غردت أوكاسيو- كورتيز، في 9 كانون الثاني، رداً على الدعوات إلى سن قانون محلي للإرهاب. ويُعرِّف القانون الفيدرالي الحالي الإرهاب المحلي على أنه أعمال إجرامية في الولايات المتحدة “خطرة على حياة الإنسان”، والتي يبدو أنها تهدف إلى “ترهيب أو إكراه السكان المدنيين”، أو التأثير على سياسة الحكومة “عن طريق الترهيب أو الإكراه”، أو “التأثير على سلوك حكومة” من خلال اللجوء إلى التدمير الشامل أو الاغتيال أو الاختطاف.
ومع ذلك، لا توجد عقوبات جنائية واضحة نتيجة لذلك، وفي حين أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يفتح بشكل روتيني تحقيقات “الإرهاب المحلي” في هجمات المتطرفين اليمينيين، إلا أنه يعتمد على قوانين جنائية أخرى، مثل تلك التي تتعامل مع القتل والاعتداء، لتوجيه الاتهامات إلى المتهمين. ومن بين أكثر من 200 من أنصار الرئيس دونالد ترامب، الذين تم اعتقالهم فيما يتعلق باقتحام مبنى الكابيتول، لم يتم توجيه أي اتهام إلى أي منهم بالإرهاب، وتتراوح الاتهامات ضدهم بين دخول مبنى الكابيتول بشكل غير قانوني إلى الاعتداء على ضباط الشرطة وتهديد النواب.
تقول إليزابيث نيومان، المسؤولة السابقة في وزارة الأمن الداخلي، في إدارة ترامب، خلال جلسة استماع في مجلس النواب، “إن عدم وجود قانون يجرم الإرهاب المحلي يجبر المدعين على “بذل جهد إضافي”، مشيرة إلى أنه “ليس من المنطقي ألا تدان إذا ارتكبت جريمة باسم التفوق الأبيض، أما إذا ارتبط الأمر بجريمة باسم ايديولوجية “داعش”، فسوف تحصل على مزيد من السجن.. لفعل عنصري عنيف عليك أن تربطه بداعش، وهنا يكون العقاب على تهمة الدعم المادي لمنظمة إرهابية أجنبية بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً”.
خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2020، تعهد الديمقراطي جو بايدن “بالعمل من أجل قانون محلي للإرهاب”. وبعد هجوم 6 كانون الثاني على مبنى الكابيتول، وصف بايدن مثيري الشغب بأنهم “متمردون” و”إرهابيون محليون”. في وقت لاحق، خلال خطابه الافتتاحي، تعهد بهزيمة ما وصفه بأنه “تصاعد في التطرف السياسي وتفوق البيض والإرهاب الداخلي”. ولكن الآن، بعد أن أصبح رئيساً، يواجه بايدن التحدي المتمثل في تحديد من هو الإرهابي، وما هي السلطات الجديدة -إن وجدت- التي يجب توفيرها لمسؤولي إنفاذ القانون لاتخاذ إجراءات صارمة. يقول البيت الأبيض إن قضية الإرهاب المحلي قيد المراجعة داخل الإدارة، وأنه لم يتم اتخاذ أي قرارات. وقد تفاوتت الاستجابة، ما بعد السادس من كانون الثاني، للفجوة القانونية على نطاق واسع، فالبعض راض عن الوضع الراهن بينما يقترح آخرون حظر مجموعات معينة كمنظمات إرهابية محلية. ووفقاً لخبير الإرهاب كولين كلارك من مجموعة سوفان، وهي شركة استشارات أمنية واستخباراتية عالمية، ينظر البعض إلى النهج الأخير على أنه بعيد المنال نظراً للمخاوف من أنه سيكون غير دستوري.
قال بوبي تشيسني، أستاذ القانون في جامعة تكساس، والذي أدلى بشهادته حول هذا الموضوع أمام الكونغرس: “إذا كنت تتحدث عن الحظر الفعال لوجود المجموعات التي هي مجموعات محلية بحتة، آمل أن يرى الجميع أن هذه قوة خطيرة للغاية بالنسبة للحكومة في النظام السياسي الأمريكي”.
لتجنب هذا القلق، هناك اقتراح وسطي من ماري ماكورد، المسؤولة السابقة في وزارة العدل، من شأنه أن يجعل الإرهاب المحلي “جريمة يحظر على الأشخاص والمنظمات دعمها مادياً”. وترى ماكورد، مثل غيرها من مؤيدي قانون الإرهاب المحلي الجديد، أن من المهم وضع الإرهاب المحلي على “المستوى الأخلاقي” نفسه للإرهاب الدولي. وقد قدمت ماكورد شهادة أمام لجنة في مجلس النواب، العام الماضي، قالت فيها “إن من شأن ذلك أن يساعد في توعية الجمهور بأن الإرهاب لا يشير فقط إلى الإرهاب الإسلاموي المتطرف”، حسب تعبيرها.
في الكونغرس، تراوحت المقترحات الأخيرة للتصدي للإرهاب المحلي بين مشروع قانون عام 2019، الذي اقترحه الديمقراطي آدم شيف، رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب، والذي من شأنه أن يمدّد عقوبة الإعدام لتشمل قضايا الإرهاب المحلية، إلى تشريع من الحزبين يطلب من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارتي العدل والأمن الداخلي إنشاء مكاتب محلية مخصصة للإرهاب دون تجريم الفعل. وقد أعيد تقديم هذا الاقتراح في مجلس الشيوخ ومجلس النواب في 19 كانون الثاني. وقال السيناتور الديمقراطي ديك دوربين، أحد الرعاة المشاركين لمشروع القانون، في بيان في مقر الكونغرس: “بعد الهجوم على مبنى الكابيتول، آمل أن يتمكن الكونغرس أخيراً من الاجتماع، والقيام بشيء ما للتصدي للإرهاب المحلي في أمريكا بأسرع ما يمكن خارج الكونغرس”.
وقد أدى الدفع المتجدد من أجل قانون محلي جديد للإرهاب إلى تحريض عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي ضد دعاة الحقوق المدنية. ولطالما حثت رابطة وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، التي تمثل أكثر من 14000 عميل، الكونغرس على جعل الإرهاب المحلي جريمة فيدرالية. وقال بريان أوهير، رئيس اتحاد وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، في بيان، إن “إقرار تشريع محلي للإرهاب إجراء ضروري من شأنه أن يساعد في توضيح أن العنف السياسي -بغض النظر عن الإيديولوجية أو الشخص الذي يقف وراءه- غير مقبول. لكن جماعات الحقوق المدنية لا تزال تعارض بشدة تجريم الإرهاب المحلي بسبب احتمال انتهاكه من قبل وكالات إنفاذ القانون. وتقول منار وحيد، المستشار التشريعي الأول لجماعات الحقوق المدنية: “يعارض اتحاد الحريات المدنية الأمريكي أي تشريع من شأنه أن يعزز سلطات الإرهاب المحلية الحالية.. وكذلك إنشاء جرائم محلية إضافية مرتبطة بالإرهاب”. وأشارت إلى أن هناك أكثر من 50 جريمة فيدرالية يمكن للمدعين استخدامها لمواجهة قضايا الإرهاب المحلية. وتضيف وحيد: “ليست هناك حاجة على الإطلاق لقانون جديد”. وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه سيترك الأمر للكونغرس للعمل مع وزارة العدل بشأن أي تشريع محلي للإرهاب، مؤكداً في بيان لإذاعة صوت أمريكا: “كما فعلنا دائماً، سيواصل مكتب التحقيقات الفيدرالي استخدام كل أداة وقانون مصرح به وممنوح لنا لمواجهة ومكافحة التهديدات التي نواجهها”.