دراساتصحيفة البعث

هل ينقذ دراغي الاتحاد الأوروبي في الوقت الحرج؟

ترجمة: عائدة أسعد 

يعلّق محلّلون وسياسيون أوروبيون الآمال على ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، رئيس وزراء إيطاليا الجديد في مستقبل أفضل لبلاده وللاتحاد الأوروبي. وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، ألقى الصحفي ألبرتو نارديلي الضوء على قدرات وثقل قيمة دراغي، وذكر تفاصيل موقف جرى في بروكسل في حزيران عام 2015 بين دراغي ووزير مالية اليونان آنذاك يانيس فاروفاكيس بشأن الاتفاق على حزمة إنقاذ مالية مقررة لأثينا، وكيف تمكّن دراغي من إقناع ألكسيس تسيبراس رئيس وزراء اليونان آنذاك برؤية المفوضية الأوروبية والتوقيع على اتفاق.

ووفقاً لتحليل بلومبرغ ألقى هذا الموقف الضوء على مؤهلات دراغي المخضرم، البالغ من العمر 73 عاماً، فهو هادئ وغير متساهل، وعلى دراية كاملة بمهمّته، وحسب مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي: دراغي ليس رئيس بنك مركزي تقليدياً أو تكنوقراطياً عادياً، بل هو سياسي بدرجة كبيرة ويدرك كيف يمارس القوة، وعودته إلى مجلس قادة أوروبا يمثل ثقلاً كبيراً يحظى باحترام على الصعيدين السياسي والجغرافي في أنحاء الاتحاد الأوروبي.

ويقول النائب الإيطالي فليبو سينسي، الذي عمل متحدثاً باسم اثنين من رؤساء وزراء إيطاليا: “إن قوة  دراغي والثقة التي يتمتّع بها مع زعماء أوروبا والعالم ومعرفته الواضحة بالإجراءات والمؤسسات أمور أساسية”.

ووفق ما نقلته بلومبرغ عن مسؤولين بارزين كان دراغي قادراً على أن يدفع زعماء أوروبا إلى أن يرفعوا رؤوسهم عن أجهزة المحمول الخاصة بهم، وأن ينصتوا إليه عندما يدخل إلى غرفة الاجتماع. والعرض الذي كان يقدّمه دراغي فتح مناقشات القمة، ونظراً لأنه أول من يتحدّث فإنه يشكّل النمط الذي سوف تسير عليه المناقشات، وهو قادر على إقناع الزعماء بالتحرك عبر وصف السيناريوهات الأكثر خطورة بطريقة موجزة وواقعية وثاقبة، وهو قادر على الحفاظ على هدوئه وتماسكه في أشدّ اللحظات توتراً.

لقد تولّى دراغي رئاسة الحكومة الإيطالية في وقت تستعد فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمغادرة منصبها بنهاية العام الجاري، ويواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتخابات صعبة العام المقبل، والاتحاد الأوروبي في أصعب الأوقات جراء جائحة كورونا. كما يعلّق مسؤولون بارزون آمالاً عريضة على رئاسة دراغي للحكومة الإيطالية، ويعتقدون أنه في وضع فريد يسمح له بقيادة عملية التغيير في بلاده وفي الاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع.

ويرى نارديلي في تحليله أن مهمّة إصلاح الأوضاع في إيطاليا لم تكن مهمّة سهلة لرؤساء حكومات سابقين خلال العقدين الماضيين، وأمام دراغي عامان على أقصى تقدير قبل الانتخابات المقبلة. ويقول النائب الإيطالي سينسي: “بالنسبة لإيطاليا وللنظام بأسره هذه لحظة دقيقة لمستقبل الاتحاد الأوروبي، وقد تولّى دراغي منصبه بدعم برلماني واسع وبمعدلات تأييد قوية كشفتها الاستطلاعات، فقد أعرب 65% من الناخبين في استطلاع حديث عن تفاؤلهم بإمكانياته”. لكن دراغي يواجه تحديات داخلية، فقد عانى الاقتصاد الإيطالي من الركود سنوات قبل أن يودي وباء كورونا بأرواح نحو 95 ألف شخص، ويصل معدل الدين العام إلى 160% من إجمالي الناتج المحلي، ويتمثّل التحدي بالنسبة له في توظيف برنامج التعافي الأوروبي من تداعيات الجائحة والذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو (910 مليارات دولار) في تعزيز النمو، والحدّ من البيروقراطية على المدى الطويل، ومساعدة الشباب في الحصول على وظائف جيدة، وإزالة الجمود في الإجراءات القضائية والذي يصيب المستثمرين المحتملين بالذعر.

ومن الطبيعي أن يشكّل التعافي من تداعيات الجائحة وتوفير لقاحات كورونا سريعاً أولوية ملحة لدراغي، مثل باقي زعماء الدول الـ26 في الاتحاد الأوروبي، وأمامه فرصة لاستكمال خطة إستراتيجية وإرث شارك هو نفسه في تحديدهما منذ كان رئيساً للمركزي الأوروبي.

ولطالما أخبر دراغي قادة أوروبا أن التعافي من الأزمة الاقتصادية سيعتمد على ثلاثة محاور، وكان على المركزي الأوروبي كسب بعض الوقت، وقد فعل ذلك بشراء السندات الحكومية، ثم كان على الاتحاد الأوروبي ومؤسّساته بناء قدرات مالية، وقد شكّل صندوق التعافي من آثار كورونا خطوة مهمّة على هذا المسار، وعلى الدول الأعضاء توظيف الوقت وهذه الأدوات واتخاذ إجراءات جادة للارتقاء باقتصاداتها، وفي إيطاليا صاحبة الاقتصاد الأكثر أهمية سيتولّى دراغي هذه العملية بنفسه.

حسب دبلوماسيين يصرّ ماكرون ووزير المالية الألماني اولاف شولتس على أن صندوق التعافي يجب أن يشكّل خطوة نحو مزيد من التكامل المالي الأوروبي، ولكن بناء مزيد من قدرات حشد الأموال يعتمد بشكل فعّال على النجاح أو الإخفاق في كيف ستنفق إيطاليا مبلغ 209 مليارات يورو ستتلقاها من صندوق التعافي من آثار كورونا. وبالنسبة للدول المقتصدة مثل هولندا، يملك دراغي القدرة على دعم مسألة تحقيق مزيد من التكامل، فهو يدعم حججه بحقائق وليس بقصص شعبوية.

إن دراغي يستطيع خلال سنوات قليلة الاستفادة من هذه الثقة، والدفع باتجاه أداة أكثر استمرارية، ولكن في حال الإخفاق ستتجاوز التداعيات حدود إيطاليا.