قصائد عربية مغناة.. بمناسبة يوم اللغة العربية
عندما تلتقي القصيدة مع الموسيقى في إطارها الصحيح، تقدّم للمتلقي فناً متكاملاً بصورة جذابة تستهويه وتذكّره بجمال اللغة العربية وبإمكانياتها وقدرتها على أن تكون قريبة من الناس رغم تبدل الأزمان. وبمناسبة اليوم العربي للغة العربية كانت احتفالية (قصائد عربية مغنّاة) في مكتبة الأسد بدمشق التي أقامتها مؤخراً اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية في وزارة الثقافة، وقد أوضحت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح أننا نحتفل اليوم بلغتنا التي نعتز ونتمسّك بها، فهي جزء مهمّ وركيزة أساسية من هويتنا الثقافية، وهي شخصيتنا ووعاء فكرنا وهي منطلقنا للحداثة.
وأكدت د. مشوح حرص الوزارة على تجدّد اللغة العربية، فاللغة كائن حي متجدّد وإن لم نطوّر لغتنا ستشيخ، وإن شاخت ستموت، ونحن نعمل في مجمع اللغة العربية والوزارة مع كل الجهات العامة لإحيائها وتمكينها ونشرها وتطويرها بما يتلاءم مع العلوم الحديثة، واليوم يوم احتفالي فيه قراءات شعرية معاصرة، وهذه القراءات هي تجديد بحدّ ذاته لأساليب اللغة وأفكارها، أما الشق الثاني من الاحتفالية فهو موسيقي غنائي نحيي فيه الأغاني التي لحنت فيها الكلمات الجميلة الفصيحة بلغتنا. وأما ما يخصّ أهمية دور الموسيقى بإيصال القصيدة، فرأت مشوح أن الموسيقى هي إحدى ركائز القصيدة الشعرية أياً كان أسلوبها أو المدرسة التي تنتمي لها، والموسيقى هي الأسلوب الأرقى والأنبل والأسمى لإيصال أي فكرة، وكذلك تحبيب الجيل الجديد وحتى الشباب الذين عزفوا عن لغتهم لظنهم أنها ليست لغة معاصرة، فحذار من إهمال اللغة العربية الأم، وحذار من عدم التمكّن من أدواتها، متمنية أن يستمتع الجميع بجماليتها وموسيقاها عبر الأغاني الجميلة والمغناة من الشعر العربي الأصيل.
وافتُتحت الاحتفالية بمقتطفات شعرية لرئيس اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية ومدير الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور ثائر زين الدين الذي أكد أن اللجنة أرادت أن تقدّم في احتفالية هذا العام شيئاً جديداً ومختلفاً عما سبقها من فعاليات بمناسبة اليوم العربي للغة العربية، وبإيحاء جميل من وزيرة الثقافة اخترنا أن نسمع مجموعة من أهم القصائد المغناة باللغة العربية الفصحى، منوهاً بأنه تمّ تقديم قراءات شعرية لي شخصياً، ثم انتقلنا إلى الأغنية والموسيقى وهدفنا وغايتنا أن تصل ليس فقط إلى آذان الناس بل إلى أعماقهم وقلوبهم.
تجارب مغناة
وكان للغناء والموسيقى حصة الجمال والسحر في الاحتفالية، حيث قدّم طالبا المعهد العالي للموسيقى أليسار السعيد وريان جريرة، وهما صوتان سوريان واعدان لوّنا الجو وأضفيا حضوراً جميلاً، مجموعة من الأغنيات الجميلة وهي “أيها الفُلك”، “هذه ليلتي”، “قارئة الفنجان”، “يا نسمة تسري”، بمرافقة خماسي موسيقى من روح الشرق. وقد أوضح عميد المعهد العالي للموسيقى عدنان فتح الله أننا كعرب ناطقون بالشعر ونهتمّ بموضوع اللغة العربية، وربما تاريخياً جاءت الموسيقى لتدعم الشعر، حتى أن جمهورنا بالعموم يحب الغناء أكثر من الموسيقى الآلية عكس الغرب، وقد تمّ تقديم عدد من التجارب لنقول من خلالها إن الموسيقى العربية قادرة على أن تعبّر دون وجود الكلمة، ولكن هذا لا يعني أننا مستاؤون من علاقة الموسيقى بالكلمة، لأن هناك ارتباطاً بينهما كعلم وفن وكمجال إبداعي، فالموسيقى حاضرة في اللغة العربية والبحور الشعرية والعروض التي هي مقطعة تقطيعاً موسيقياً، وعلى أي شخص يريد التلحين أن يكون ضليعاً بالبحور الشعرية، وهناك الكثير من التجارب المهمّة المغناة التي نجحت في الوطن العربي، وأسباب نجاحها هي وجود قيمة ثقافية وفكرية في القصيدة وازتها بالمقابل قيمة موسيقية أنتجت عملاً مكتمل العناصر، وهناك أمثلة كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى عن هذا، وكلها تجارب كانت مهمّة جداً ولها أثر كبير عند الناس الذين تعلقوا بالشعر نتيجة تلحينه، مبيناً أنه تمّ اختيار أربع قصائد لبرنامج الاحتفالية هي من أهم وأجمل القصائد في إرث موسيقى القصيدة العربية، وبالطبع هناك الكثير غيرها مما يستحق أن نقدّمه ولكن الوقت لا يتسع لها جميعاً، منوهاً بأنه عندما تتاح الفرصة فمن واجبي أن أسلّط الضوء على المغنين السوريين ممن يملكون أصواتاً مميزة، ومن شاركونا اليوم هم من طلاب المعهد الذين تأسّسوا بشكل ممتاز حتى وصلوا إلى هذا النضج، ومن حقهم أن يكونوا على المسرح في الحركة الموسيقية الثقافية التي تقوم بها الوزارة فهي مكانهم الوحيد، ومن الضروري التباهي بهذه المواهب الوطنية على مستوى الوطن وهي بحاجة للدعم، وأن يتقدموا على المسارح ونصدرهم كنجوم أكاديميين ناضجين يقدمون فناً ملتزماً وقادرين على التأثير في الناس من جميع النواحي.
لوردا فوزي