ثقافةصحيفة البعث

السينما.. بين الحضور والغياب لدى المشاهدين

في دردشة لها طابعها العفوي نوعاً ما، مع العديد من الأشخاص ومن مختلف الأعمار والخلفيات الثقافية، طرحنا بعض الأسئلة التي تتعلق بواحد من أهم الفنون وأكثرها تأثيراً في الوعي العام العالمي في هذا العصر –السينما- والتي أصبحت في البيت –الشاشة الفضية، الجوالات وغيرها-ولم يعد أمر مشاهدتها مقتصراً على الذهاب إلى دور العرض السينمائية.

فحوى الدردشة تناول ثلاثة محاور أساسية، هي على الترتيب: آخر فيلم محلي شاهدته؟ آخر فيلم أجنبي شاهدته، من هو نجمك السينمائي المفضل؟ .
ورغم بساطة المحاور الظاهرية، إلا أنها تدل على أكثر بكثير مما تبدو عليه؟ أما السؤال الأول فجاءت معظم الردود عليه عن أفلام محلية تعود لحقبة التسعينيات وما خلفها: “الحدود” “ليالي ابن آوى” “الكومبارس” -قلة من أخبر عنه-، لكن الغريب ألا يحضر ولا فيلم تمّ إنتاجه في العشر سنوات المنصرمة على خاطر وبال أحد منهم!.

الأسباب تتباين حول هذا الأمر، فهناك من لا يتابع الحال السينمائية المحلية عموماً سواء المحلية أو غيرها “أتابع في بعض الأحيان ما يُعرض على القنوات الفضائية، وفي أغلب الأحيان لا أستطيع ذلك”، ربيع –46 عاماً -سائق تكسي- “فيما مضى أيام العزوبية كنت من رواد دور السينما في دمشق، الزهراء، الكندي، السفير، راميتا، لكن الحياة والعائلة والالتزامات الصعبة والمرهقة في هذا الوقت، تجعل حتى متابعة التلفاز، في حال توفرت الكهرباء، أمراً صعباً”، وعن مشاهدته للأفلام المحلية؟ يقول ربيع: “شاهدت معظم أفلام غوار ونهاد قلعي، أيضاً أفلام عبد اللطيف عبد الحميد، آخر فيلم حضرته كان إعادة لفيلم “رجل العائلة”، وبسام كوسا ونيكولا سكيج هما من أجد تمثيلهما أجمل وينتقون أدواراً جيدة”.

ملك -35 عاماً مهندسة- تنتظر واسطة ركوب تقلها، بعد أن جابت في يوم عطلتها الشوارع التي تحب السير فيها في العاصمة، تحكي عن حالة عرفتها طوال سني دراستها، سواء في المدرسة الثانوية التي تقع بجانب صالة سينما، أو في الجامعة عندما كان الذهاب إلى السينما لحضور فيلم سينمائي من الطقوس المتفق عليها بينها وبين أصدقاء تلك المرحلة، تقول ملك: “خلال دراستي الثانوية، كان طريق الذهاب والإياب من وإلى المدرسة، يمر من أمام صالة سينمائية، صور الأفلام الهندية والعربية والأجنبية، تملأ واجهات دور العرض، وهناك من يقف أمام الباب ينادي على الأفلام كما لو أنه ينادي على بضاعة ما على وشك النفاذ، وما من مرة عبرت بالمكان إلا وكان هناك حركة لا بأس بها لدخول السينما، طلاب مدارس وجامعات، كبار في السن وهم عموماً من المتقاعدين الذين يداومون بأحد المقاهي القريبة من تلك السينما، لكن هذا الاقتصار النهاري إن صح القول، على الذكور فقط، لم يحرك بيّ الرغبة أو الفضول للحضور، خصوصاً وأن ما هو مشجع لمن يود المشاهدة، هو برمته قائم على الغريزة، إن كان من خلال بوسترات الأفلام المعروضة على الواجهة، أو من خلال نداء قاطع التذاكر، والذي كان يُذكر بين الجملة والأخرى، بأن الأفلام ممنوعة من العرض!”، ولا تتذكر المهندسة ملك متى كانت المرة الأخيرة التي تابعت فيها عرضاً سينمائياً في دور السينما، وهي تربط هذا بتقصيرها في هذا الشأن، والذي كانت الأوضاع في البلاد من أهم أسبابه: “لا أريد أن يكون كلامي درامياً، لكن الحرب والظروف التي ترافقت معها، جعلت حضور فيلم سينمائي من الترف الفائض عن الحاجة، ولهذا اكتفيت بمتابعة ما يعرض على التلفاز، بطلتي المفضلة دائماً وأبداً سمر سامي التي قدمت دوراً جميلاً في الكومبارس، وآل باتشينو وفيلم عطر امرأة بشكل خاص من بين أفلامه الممتعة بمختلف أنواعها”.

رامي 22 سنة -طالب جامعي-: “ما من حاجة للذهاب إلى السينما اليوم، أساساً الإجراءات الوقائية بسبب كوفيد 19، تجعل من هذا الطقس الجماعي، بارداً، عدا عن كون الأفلام المحلية التي نسمع عنها في التلفاز، ليس عرضها منتظماً في دور السينما، تسمع عن افتتاح لفيلم ما، وغالباً ما يكون الحضور في هذا الافتتاح من أصحاب الدعوات الخاصة، ثم لا نسمع شيئاً عن الفيلم لمدة زمنية، بعدها ربما وبالصدفة أعرف أنه يُعرض في فعالية ما، ما أريد قوله ليس لدينا صناعة سينمائية بالمعنى الحرفي للكلمة، والأفلام الأجنبية المتاحة وفي أي وقت على المنصات الرقمية، تجعل من التفكير بالذهاب إلى السينما نوعاً من التفكير خارج العصر، اعتقد أن السينما التي نعرفها سوف تختفي في المستقبل القريب”، آخر فيلم شاهده رامي كان لأحد نجوم شباك التذاكر في مصر، وعنه يقول: “هذه أفلام تتابعها مرة واحدة بدافع الفضول، ثم تندم على ذلك.”

أمير 57 عاماً -طاهٍ- “الذهاب إلى السينما بالنسبة لي، هو حالة اجتماعية عائلية، كنت من المواظبين الأسبوعيين على دخول السينما في فترة الخطوبة، وكانت الأفلام منوعة وترضي الجميع، هناك دور سينما محترمة وراقية بما تقدمه للعائلة، وهناك دور سينما لا يعنيها هذا الأمر، وكانت من أحد أسباب انكفائي عن الذهاب إليها بعد الزواج وقدوم الأولاد، ولا تسألني عن الأسماء، فأنا أحب ما أراه جميلاً، وما لا يعجبني أنساه، هناك قنوات تلفزيونية تبث على مدار اليوم أفلاماً ومن كل الجنسيات، وبالتالي صار هذا الجهاز بالنسبة لي هو السينما”، وعن آخر مرة دخل فيها أمير السينما يقول: “أحد أصدقاء ابني دعانا لحضور فيلم سينمائي من تأليفه وإخراجه، طبعاً جاملته بكونه جميلاً، فلا يجوز أن نكسر بخاطر الشباب الذين يشتغلون بأي شأن إبداعي في هذه الظروف، لكنني الحق أقول لك، لم أفهم شيئاً من الفيلم، حتى أنني تضايقت من طريقة التصوير كونها جاءت غير مريحة للنظر”.

يمكن القول وفق ما سبق ووفق العديد من الآراء الأخرى ومنها المختصة بطبيعة الحال، أن حالة الركود السينمائي لدينا وانعكاسها على الناس عموماً، بعيداً عن المهتمين بهذا الشأن، لها جملة من الأسباب الموضوعية، فصناعة السينما تراجعت بالتأكيد مع ازدهار الدراما التلفزيونية، أيضاً عدم مشاركة القطاع الخاص بهذه الصناعة حتى في أدنى مستوياتها، ابتعاد الأفلام المصنوعة عن الذائقة الفنية للجمهور أساساً، وعدم العمل على خلق حساسية سينمائية لديه، تجعله يميل للسينما المحلية على حساب السينما الأجنبية عموماً، صالات العرض القديمة، وغيرها من الأسباب المتعلقة، التي نأمل أن يتم النظر فيها والعمل على معالجتها، ففن السينما فن حياة أولاً قبل كل شيء.

تمّام علي بركات