حلب.. مدارس حي صلاح الدين أبنية مهجورة وركام يوضح الإهمال في ترحيله!!
“البعث الأسبوعية” ــ محمد ديب بظت
تطل الصفوف على الباحات الخاوية، وتغص مداخل الأبواب بأكوام الحجارة، ويغيب صوت الطلاب ويختفي قرع الأجراس وصدى النشيد الوطني، ليرخي السكوت الناتج عن الخراب ذلك الصمت في الطوابق والغرف، فيتحول الصرح العلمي إلى هيكل حجري ومكب نفايات، وصارت المنطقة التي تحاذي المدارس مركزاً للبيع والشراء من خلال البسطات المتواجدة أو متكئاً لمولدات الأمبير، وبذلك اندثرت الملامح التربوية والتعليمية في ظل تعسر خروج ملف إعادة ترميم المدارس المتضررة من رحم مديرية تربية حلب!
صورة المقاعد العارية التي تلوح من خلال تصدعات الجدران منذ ما يقارب خمس سنوات تعطي درساً في مدى بطء الجهات المعنية بعملية ترحيل الأنقاض، والتي باتت خطواتها، وفقاً لرأي المواطنين، مصابة بالصدأ، كحال حديد المقاعد وخشبها الكالح، لتخرج بعض التجمعات المدرسية عن الخدمة بعد أن كانت تحتوي على مئات الطلاب بمختلف مراحلهم الدراسية، ومن المعيب أن تتضمن تلك المدارس أوكاراً للقوارض، وأن تكون مرتعاً للحشرات ومجمعاً لروث الحيونات!
“البعث الأسبوعية” جالت في منطقتي صلاح الدين والمشهد، ورصدت سوس السنين الذي نخر المدارس الابتدائية والإعدادية، ولإيلاء الموضوع أهميته ومعرفة تفاصيل العمل وآلية التعاطي مع ملف المدارس المدمرة، تواصلنا مع مدير دائرة الأبنية المدرسية في مديرية تربية حلب، ناصر السعيد، والمهندسة في دائرة الأبنية ومنسقة الأعمال كندة سواس.
جهة أعلى
السعيد أوضح أن المدارس المتضررة تخضع للكشف ثم تعد الدراسة المطلوبة، وبحسب توفر الاعتماد المالي تجري أعمال الصيانة على تلك المدارس، مشيراً إلى وجود عدة مصادر للاعتماد، منها ما تؤمنه مديرية التربية أو من خلال الموازنة الاستثمارية أو موازنة إعادة الإعمار.
مجمع المدارس في حي صلاح الدين، والذي يضم كلاً من مدارس القنيطرة وجبل الشيخ وعبد الرحمن الغافقي وسعد بن أبي وقاص، خارج عن الخدمة تماماً باستثناء المدرسة الأخيرة؛ وبشأن هذا الموضوع شرحت سواس أنه، وبسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدارس المذكورة “دخلنا في عقود دراسات بين مديرية التربية أو الخدمات الفنية مع الشركة العامة للدراسات أو المكاتب الهندسية في نقابة المهندسين، على اعتبار أنه إذا كان هنالك ضرر إنشائي كبير، يأتي قرار السلامة العامة الذي يفرض تنفيذ دراسة من قبل جهة علمية هندسية مخولة قانونياً، ويمنع بذلك مديرية الخدمات أو مديرية التربية من إعداد دراسة لوحدها، ويجب أن تلجأ إلى عقود دراسات مع جهة أعلى منها، مثل الإسكان أو الشركة العامة للدراسات أو نقابة المهندسين”، مؤكدة في الوقت ذاته على أن مدرسة جبل الشيخ تخضع لدراسة من قبل مديرية التربية، والجهة التي تتعاون معها، في حين تدرس مديرية الخدمات الفنية وشريكها كلاً من مدارس القنيطرة وعبد الرحمن الغافقي إضافة إلى مدرسة أحمد مجدمي.
لا رؤية
حال المدارس المدمرة وما آلت إليه يعطي انطباعاً بأنه لا يوجد جدول زمني بغية إرجاعها إلى سالف عهدها وما من رؤية لإتمام عملية الترميم. وبخصوص هذه النقطة شرح مدير الأبنية المدرسية بأنه لا توجد رؤية بالمعنى الحرفي، والموضوع متوقف أصلاً على جهوزية الدراسات ووصولها لهم من قبل الشركة العامة للدراسات ونقابة المهندسين، وعندها تدخل حيز التنفيذ وتدقق وتتوفر قاعدة بيانات، ومن ثم ترفع هذه الدراسات إلى الوزارة مع الاحتياجات اللازمة، فلا يمكن أن تطلب الاحتياجات من دون دراسة.
وبدورها، تحدثت سواس عن بداية العمل، حيث تزامن مع تحرير المدينة وبدأت المديرية منذ ذلك الحين بالمدارس ذات الضرر الخفيف ثم المتوسط، وفي الوقت الحالي “نحن بطور ترميم المدارس المتضررة بشكل كبير”، ولم تغفل أيضاً عن ذكر تقارير السلامة العامة التي تفيد بأن بعض المدارس بحاجة إلى هدم وإعادة بناء من جديد.
وذكرت سواس أن التربية تؤمن المسلتزمات الأساسية كالمقاعد للمدارس المفتتحة والمؤهلة، فالمعهد الصناعي يعمل منذ خمس سنوات، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 65 مقعد يومياً، فضلاً عن مساهمات بعض المنظمات في توفير الاحتياجات الأساسية للمدارس.
ونوه السعيد إلى افتتاح أكثر من مدرسة في أحياء شرق حلب المحررة، وخاصة في المواصلات، وأرض الحمرا،، والصاخور، وحي هنانو، والشعار، والفردوس، والزبدية، وأنصاري شرقي، والسكري.
أنقاض
الأنقاض المتروكة ضمن بقايا البناء المدرسي، وما حوله، دفعتنا إلى التساؤل عن المسؤول عن عملية الترحيل، ولماذا هي أساساً متواجدة إلى الآن؟ ليجيب السعيد بأن الترحيل من مسؤولية مجلس المدينة، وأحياناً أخرى يلجأ إلى منظمة UNDB، وفي بعض الأوقات يكفله العقد ذاته مع الجهة المنفذة لإعادة الإعمار، مضيفاً بأنه لا يمكن إزالة الركام وترك المنطقة خالية، ولا يمكن اللجوء إلى الترحيل فقط من دون الشروع في تنفيذ وإعادة التأهيل.
وأوضحت سواس حيال هذا الأمر بأن المدارس صارت مقصداً لبعض الأهالي في وضع مخلفات دمار منازلهم بداخلها، وإذا رحلت الأنقاض ولم يرافقها المباشرة في العمل، فسوف يضطرون إلى ترحيلها مرة أخرى وهذا يكلف جهداً وقيمة مالية إضافية كما حصل في مدرسة الهاشمية.
بيد أنها طالبت اللجان الأمنية بتمشيط المدارس وأن تدخل لجان الهندسة لتنظيفها من الألغام، وأن تكون الأولوية لتفريغ المدارس من مواد الحرب والأنقاض، ودعت مجلس المدينة إلى التعاون كما أن يكون للبلديات دور في تنظيف المدارس ومراقبتها كيلا يرمي بعض الأهالي أنقاض بيوتهم في المدارس.
حل إسعافي
يعرف حي صلاح الدين باكتظاظه السكاني في فترة ما قبل الحرب، وكان مجمع المدارس حينها يشهد اختناقاً ضمن الصفوف، أما وقد خرجت مدارس الحي جلها عن الخدمة فإن هناك حلولاً إسعافية تنفذها مديرية التربية لتلافي مشكلة الازدحام، إذ – وكما ورد على لسان السعيد – أن تجهيز الأسوار وتنظيف الباحات ورفدها بغرف مسبقة الصنع من أهم ما يمكن فعله إزاء هذا الأمر، إضافة إلى تزويد المدارس المجهزة بتلك الغرف وتضمين الطلاب فيها، أو زيادة الطاقة الاستعابية لصفوف بعض المدارس أسوة بما فعلوه في مدرسة سمير أبو حرش.
وعلقت سواس على هذا الموضوع أنه وكما خرج العديد من المدارس عن الخدمة، فيوجد أيضاً نقص في عدد العوائل التي تقطن الحي، وبالتالي انخفضت نسبة الطلاب، وذلك بخلاف ما كان عليه الوضع قبيل الحرب، مضيفة بأن أربع مدارس فقط من مجموع مدارس حي صلاح الدين معطلة، ولم تجهز بعد بفعل خرابها الكبير.
مشكلات مالية
وعن أبرز الصعوبات التي تواجه سير العمل وإعادة إعمار المدارس، أفصح السعيد أنه عندما يكون الضرر الإنشائي ضخماً فهم غير مخولين بإجراء الصيانة اللازمة، وعليه تظهر الحاجة إلى جهة علمية متخصصة تتطلب كتلة مالية معينة؛ وفي حال إتمام الدراسة تبرز جهة أخرى للتدقيق تسبق خطوة التنفيذ، ويترتب على ذلك حتمية توافر الاعتماد المالي لخطوتي التدقيق والتنفيذ.
وكشف السعيد أن موازنته لهذا العام كانت بما يقارب 700 مليون ليرة، وكل مدرسة من تجمع مدارس صلاح الدين الآنفة الذكر تحتاج في الظرف الراهن إلى 400 مليون ليرة، وهذه فجوة وفارق ملموس، فضلاً عن أعمال الصيانة الدورية للمدارس التي تنشط حالياً وتدخل في حسابات الميزانية المتوفرة.
دور المنظمات
ولدى سؤالنا عن دور المنظمات التي تشارك في ترميم المدارس، بينت سواس أن المنظمات تقيم وضع المدارس وتتواصل مع الوزارة للحصول على الموافقات، وكل منظمة معنية بـ 4 مدارس كحد أقصى، وتعمل تحت إشراف إدارتها وإشراف التربية، وأضافت بالقول إنهم لا يتلقون إعانة مالية مباشرة منهم، وبعض المنظمات كاليونسيف يقدم لها اعتماداً ورقياً، وترفع الدراسات لها، ثم يتم الانتظار للحصول على موافقتها وتضع بعد ذلك شروطاً خاصة حيث لا تتكفل المنظمات بتأهيل المدارس المدمرة كلياً.
غير مخولين
“اختلفت طبيعة عمل دائرة الأبنية المدرسية نتيجة الضغط الذي فرضته الحرب وتحرير المدينة”، هذا ما قاله السعيد حيال ماهية عمل الدائرة الحقيقي، إذ كانت تنحصر بعمليات الصيانة الخفيفة كالصحية والكهرباء، فالدائرة غير مخولة بعملية البناء قانوناً، والتي هي من مسؤولية الخدمات الفنية التي لم تعد قادرة على العمل بمفردها، ما استدعى مساعدة دائرة الأبنية المدرسية فيما يتعلق بموضوع إعادة التأهيل.
إحصائيات
عرض السعيد في ختام حديثه بعض الإحصائيات عن إجمالي حالات التدخل خلال العام المنصرم، والتي تقدر بـ 728 حالة فندها كالآتي: “139 مدرسة أعيد تأهليها، و589 مدرسة خضعت للصيانة الخفيفة”، وأكد أن عدد المدارس المرممة منذ تحرير المدينة إلى الآن وصل إلى 1700 مدرسة.