ثقافةصحيفة البعث

سلمى المصري.. وردة الدراما السورية

من النادر أن تجد سورياً لا يعرفها، وكثُر هم الذين وقعوا في غرامها وهم يرون حسنها يتهادى على الشاشة، الصبية الشقراء، صاحبة الوجه المبتسم دائماً، سلمى المصري، واحدة من أهم وأشهر نجمات الدراما السورية والعربية، ليس منذ بضع من السنين خلت، أو أن نجوميتها صنعها “التريند”، فالنجومية التي تحيط بهذه الفنانة الاستثنائية، ليست حاضرة هنا بمعناها اللحظي، تلك التي لا يسطع بريقها حتى يخبو، بل هي نجومية عمرها أكثر من 40 عاماً تزداد فيها شباباً، زرعت سلمى خلالها غرساتها فتية، وبقيت تلك الغرسات يانعاً يخضورها، لا خريف يعتري أوراقها، ولا رياح مفاجئة تذرو عبقها.

لم يكن طريق الفن مرصوفاً بالأماني والوعود الكبيرة، عندما خطت على بلاطاته الضيّقة، بل كان العمل في مهنة شاقة كالتمثيل، من الأمور البعيدة عن خاطر معظم النساء، عندما قرّرت بطلة فيلم “مقلب في المكسيك” -1972- أن تخوض فيها، فحفيدة عازف العود الأشهر “عمر نقشبندي”، الصبية التي غازلت معزوفة جدها الفائقة الشهرة “رقصة ستي” رهافتها، وراودت الألحان البديعة قدها، ستهجر مهنة المحاماة الآمنة والمرغوبة من قبل الصبايا في عمرها، لتمضي في أحد أكثر العوالم غموضاً في مآلاته، ففي فن التمثيل، المستقبل ليس غير مأمون فقط، بل هو ضبابي، وخصوصاً في مرحلة البدايات الصعبة، المرحلة التي خاضت غمارها وثقتها عالية بأدواتها الفنية، فكان أن تركت أثراً طيباً في نفوس الجمهور وأهل الدراما على حدّ سواء، وهكذا كرجت الأعمال الدرامية التي قدّمتها، إن كان في المسرح أو السينما أو التلفزيون، ليصبح في رصيدها الفني أكثر من 100 مسلسل، والعديد من الأعمال السينمائية والمسرحية.

فازت بها الدراما التلفزيونية، واعتمدت عليها وعلى عدة أسماء أخرى في بداياتها، لتحقق انطلاقتها القوية، ومن الأعمال التي ما إن يحضر ذكرها حتى تحضر في البال، مسلسل “الأجنحة” -1986- إخراج شكيب غنام- قدّمت فيه دور “زهرة” الفتاة الريفية البسيطة، التي تدخل في دوامة العادات والتقاليد البالية التي حاصرتها وفرضت عليها واقعاً مريراً عانت منه تلك الشابة، التي تحكي هنا قصة الكثير من الشابات السوريات، في واقع يفرض عليهن أن يكنّ سلعاً لا بشراً من لحم ودم.

في عام 1991، قدمت واحداً من أجمل أدوارها على الإطلاق، في مسلسل “الخشخاش” -فؤاد شربجي- بسام الملا، وفيه قدّمت أيضاً شخصية الشابة التي تتجاوز بعزيمة قوية الظروف القاسية التي أوجدتها امرأة مطلقة، في مجتمع ذكوري مقيت، لا يلقي بالاً لأفعال الذكور فيه مهما كانت شاذة ومنحطة، لكنه يكسر جناح امرأة لأنها أرادت ألا تبقى أسيرة دوامة الشك والحيرة والخراب؛ أيضاً شخصية من الواقع، أصبحت أيقونة في الدراما المحلية، ورمزاً لجيل من النساء، وجد فيها دليلاً لغدٍ أفضل مهما كان الواقع قاسياً.

سلمى المصري أشهر من أن تُعرف، فنانة من العيار الجميل، وهبت حياتها لفنها، فصارت راية مشرقة تخفق في سماء الدراما المحلية، والوردة الأبهى في حديقتها اليانعة.

تمّام علي بركات