خمسون عاماً وراء كرة القدم ولم نحصل إلا الخيبات.. تعالوا نسير خلف ألعاب أخرى!! قانون الاحتراف.. الخبرة الإدارية والعلمية والرياضية شروط مطلوبة ولكنها غير متوفرة!!
“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار
الإجراءات التي تتخذها القيادة الرياضية لتحريك عجلة النشاط الرياضي تبدو من الناحية النظرية جيدة، أما من ناحية التطبيق فقد تكون غير ملائمة أو ناقصة أو تحتاج إلى دعم عبر قانون يزيل الكثير من العقبات التي تعترض كل الإجراءات والتحركات.
وإذا وضعنا يدنا على الجرح دون أي مقدمات، فإننا نجد أن رياضتنا ينقصها الفكر الرياضي الاحترافي أولاً، والإمكانيات المالية والتقنية ثانياً، لذلك ومن الطبيعي أن يفشل أي قرار موضوع بشكل نظري دون أن ينظر للواقع قبل إصداره، وقبل أن نجد الكوادر القادرة على فهم القرارات وجاهزة للتطبيق.
وهذا الكلام نسوقه بمناسبة توزيع قانون الاحتراف على الأندية والاتحادات لدراسته قبل إقراره في المجلس المركزي ليصبح قانوناً نافذاً، وقبل الخوض في مواد القانون الاحترافي وبنوده – وبعضها جيد وبعضها الآخر غير ملائم – فإننا نسأل: هل نملك الإمكانيات لتطبيق الاحتراف؟ وما الضوابط التي تمنع اختراقه؟ وما السبل لحسن التطبيق؟
الخبرات الاحترافية
الموضوع الأول الذي يمكننا مناقشته يتناول الأشخاص الذين سيطبقون الاحتراف، وهل يملكون الخبرة والكفاءة لحسن التطبيق؟
الجواب، بشكل قطعي، أنه ليس لدينا الخبرات الكافية في كل الأندية والاتحادات القادرة على التعامل الحسن مع كامل بنود الاحتراف؛ والمشكلة أن بعض القائمين على المؤسسات الرياضية غير مدركين للتطور العلمي الحاصل في العمل الإداري، وبالتالي غير جديرين بمناصبهم لأن العمل الإداري بات اختصاصا وخبرة.. ومعنى هذا الكلام أنه ليس من الضرورة بمكان أن كل رياضي يصلح ليكون إدارياً، أو عضو مجلس إدارة، أو رئيس اتحاد، أو رئيس ناد، أو حتى رئيس لجنة.
وما نلحظه أن سياسة “هذا معي وهذا ضدي” ما زالت سارية المفعول في التعيينات، فالبحث دائماً عن الشخص المريح السهل هو الخيار الأنسب، بينما البحث عن الشخص الخبير الكفؤ أمر فيه صعوبة بالغة، وهذه أهم معضلة تعترض رياضتنا، لأن الخبراء قليلون؛ ومن جهة أخرى، لا نجد توجهاً حقيقياً لجميع الألعاب، فكرتا القدم والسلة هما المسيطرتان على الرياضة وتأكلان الأخضر واليابس، حتى الفتات لم تعد يترك لباقي الألعاب، والحجة الدائمة أن هاتين اللعبتين تحظيان بجماهيرية واسعة، كما تحظيان بدعم الشركات الاستثمارية والمعلنين، لكن القائمين على كرة القدم أو كرة السلة في الاتحادات أو الأندية افتقدوا عملية التوازن في كل شيء، ولعل الكثير منهم فهم أن الاحتراف عبارة عن إجراء عقود وصرف أموال فقط. وفي هذا الموضوع، نجد أن العقود الاحترافية الناظمة للعلاقة بين المدربين واللاعبين من جهة، وبين الأندية من جهة أخرى، غير ملبية وناقصة، وفي الكثير من الأحيان لا تراعي مصلحة النادي أو مصلحة كرة القدم؛ والدليل على ذلك – وهو دليل عام ويشمل كل الأندية دون استثناء – أن جميع أنديتنا تعاني من العجز المالي، والعجز كبير جداً، وبمئات الملايين؛ والخبرة في العمل الإداري، تتطلب حسن الإدارة والقيادة وعدم وضع النادي على سكة الهلاك، ولدينا عدة أمثلة واقعية ومنطقية في هذا الجانب.
نادي الاتحاد – مثلاً – تعاقد مع مدرب صربي لكرة السلة، ومدرب برازيلي لكرة القدم، والموضوع على الشكل التالي: أغلب لاعبي الفريق يطالبون إدارة النادي بالمال، وبعضهم حتى الآن لم يقبض مقدم عقده، والنادي مديون لجميع لاعبيه، لذلك سألنا: إذا كان على النادي ديون تقترب من المليار، فلماذا تعاقدتم مع مدربين أجانب؟ ومن أين ستدفعون لهم؟ كان الأولى أن يسدد النادي ديونه قبل أن يعلي سقف العقود، وأن يعلي سقف التعاقد مع مدربين أجانب!! الجواب جاءنا أن هناك داعماً في بلاد الغربة سيتكفل بكل نفقات المدربين الصربي والبرازيلي، بحثنا أكثر فوجدنا أن هذا الشخص لن يدفع أي قرش للنادي!! وعليه نتساءل: هل من المنطق أن يحضر المدربان قبل أن يحضر المال؟ وما هو البند الذي يفرض على هذا الداعم دفع المال؟
فالنادي اليوم في ورطة كبيرة، وهذا أنموذج عن إدارة عاجزة عن قيادة النادي، ولا تملك حسن الإدارة والتخطيط والتنظيم.
فسخ العقود
المثال الآخر الذي نسوقه هو فسخ عقود المدربين واللاعبين، وهذا يتكرر في الموسم الواحد أكثر من مرة بكل ناد، وقليل جداً من الأندية يبقى محافظا على كوادره ولاعبيه، وعندما نقول إن النادي الفلاني أقال مدربه، فهذا يعني أن الإقالة ستتم بخمسة كوادر على الأقل، فصرنا مثل الدول الكبرى بكرة القدم، فكل مدرب له طاقمه الخاص به، وعندما نسمع أن نادياً بدّل أربعة مدربين أو خمسة، فهذا يعني أنه دفع عقوداً وأجوراً لأكثر من عشرين مدرباً في الموسم الواحد، ناهيك عن فسخ عقود لاعبين لأسباب مختلفة؛ والمشكلة هنا متعددة الجوانب، والحق في المحصلة الأخيرة على الأندية، لأن لجنة شؤون اللاعبين دائماً تفصل الخلاف لمصلحة اللاعب، ويضطر النادي للدفع عاجلاً أم آجلاً.
وهذا يدل على أخطاء كارثية تقع بها الأندية منذ اللحظة الأولى، وهي عدم اختيارها الصحيح للمدربين واللاعبين؛ ولو كانت هذه الإدارات متفهمة لعملها لما وقعت بمثل أخطاء الاختيار، والنقطة التي نريد تمريرها هنا أن هذه العمليات يدخل فيها “السمسرة” فبدل أن يكون في الأندية كشافون نجد أنها مملوءة بالسماسرة، والحق يقال: إن كل لاعبينا مكشوفون للعيان، فالاختيار لا يحتاج إلى جهود جبارة.
النقطة الثانية نجدها في العقود التي لا تضمن حق الأندية، فعندما يخالف اللاعب، أو يتمرد، أو يخرق الآداب والسلوك، لا نجد بالمقابل بنوداً تردعه.
النقطة الأخيرة هي بالفسخ نفسه، فاستعجال هذا الأمر وعدم التمهل فيه دون أسباب مقنعة أو بنود بالعقد تحمي النادي يجعل من عملية فسخ العقود يعود على النادي بالضرر المادي. ومثل هذه العقول لا يمكنها أن تستوعب قانون الاحتراف، ولا أن تعرف كيف تتعامل معه، ونؤكد هنا أن المشكلة ليست دائماً بالقانون إنما بمن يطبقه.
خارطة الألعاب
أكثر من مرة تحدثنا عن خارطة الرياضة السورية وتوزيع الألعاب الرياضية على الأندية، بما يضمن حسن الانتشار بشرط الدعم المطلق للألعاب، والعناية بها، ووجود كامل المستلزمات. وهذا ما تم في بعض المحافظات ومنها دمشق، لكن التطبيق العلمي على الأرض تجده خلبياً، والأندية بمجملها لا تعير هذه الألعاب أي أهمية أو دعم، ولدينا الكثير من الأدلة والأمثلة، فالبلياردو والسنوكر لعبة غير موجودة في دمشق إلا في ناديي المحافظة وبردى فعلياً، وهي موجودة بكل الأندية استثمارياً فقط، ولو أن الأندية هذه جمعت الاستثمار والرياضة لحققت المعادلة الرياضية الجيدة.
في ألعاب القوة، نجد أن العديد من الاتحادات الرياضية لا تقيم بطولات للأندية حتى لا تنكشف عورات هذه الرياضات، ففي بطولة مركزية لإحدى هذه الرياضات كانت مشاركة البيوت الرياضية الخاصة أكبر وأدسم من مشاركة الأندية الرسمية.
في نادي الوحدة، تتجه إدارة النادي لإلغاء لعبة المصارعة، علماً أن اللعبة لا تأخذ شيئاً من النادي، بل ولا تقدم الإدارة للاعبيها أية مساعدات أو تجهيزات، وإذا بحثنا في كرة القدم وحدها لوجدنا أنها كلفت هذا الموسم أكثر من مليار ليرة، والحصيلة حتى الآن صفر!!!
وهذا الأمر يقودنا إلى الاحتراف الرياضي في ألعاب القوة والألعاب الفردية، وعلينا أن نتساءل: كيف سيتم التعامل احترافياً مع هذه الألعاب؟
احتراف مدمر
النظرة الحالية للاحتراف والتطبيق الفعلي له نجده مدمراً للإمكانيات المالية، لذلك فإن العمل بالاحتراف لا يحتاج فقط إلى عقلية محترفة وإدارة عالمة بكل شؤون الاحتراف، وما يتضمن من استثمار وتسويق وعقود، بل يحتاج أيضاً إلى مال؛ ويحتاج المال إلى حسن التصرف، فالتدبير هو المطلوب والانفاق المحسوب هو ما يلزمنا؛ ووفق هذا الأمر، نجد حرجلة – النادي الذي لم يمض على تأسيسه خمس سنوات – صعد للدرجة الممتازة.. هذا الصعود الكبير حقق فيه انجازاً لافتاً للنظر، فلم يسبق لأي ناد أن يصل إلى هذه الدرجة في خمس سنوات، وهذه المكانة الشريفة والرفيعة التي حققها النادي دفع ضريبتها ثمناً باهظاً.. فكيف ذلك؟
النادي عندما وصل إلى الممتاز كان موعوداً بدعم غير مسبوق من جهات رسمية واقتصادية وتجارية، لكن أغلب هذه الوعود ذهب أدراج الرياح، فعلق النادي وسط الطريق بعد أن تكلف على الفريق مبلغاً يفوق السبعمائة مليون ليرة، وأمامه التزامات ونفقات لا يعلمها إلا المقربون من النادي، وهو غارق حالياً بالديون. وإذا كان موسمه الحالي على هذه الصورة، فكيف سيكون حاله في الموسم القادم إن بقي في الدرجة الممتازة؟ نعتقد أن هذا المال المصروف على فريق دخل مرحلة التهديد بالعودة إلى المكان الذي جاء منه لو صرف على غير كرة القدم لوجدنا أبطالاً يتوجون في بطولات عديدة بألعاب القوة والألعاب الفردية.
والمشكلة الظاهرة هنا أن الريف الجنوبي لدمشق يعج بفرق كرة القدم في مساحة لا تتجاوز الخمسة كيلو مترات، فنجد فيها فريق حرجلة والكسوة ومعضمية الشام وداريا وعرطوز وجديدة عرطوز، وكل هذه الفرق تمارس كرة القدم وتنفق عليها؛ وإذا بحثنا في العمق، لا نجد الأساس الذي يجب أن تقوم عليه كرة القدم، فأغلب لاعبي هذه الفرق من خارج المنطقة، وإذا جمعناهم لا نجد أنهم يشكلون فريقاً واحداً، وهنا لب المشكلة!! فما فهمناه من الاحتراف أن نحضر لاعباً من هنا ولاعباً من هناك، وندفع لهم العير والنفير دون أي جدوى فنية أو خطة مستقبلية؛ ولو عملت هذه الأندية على بناء كرة القدم من أبنائها وفق التسلسل الهرمي لربما وجدنا كرة قدم تعود على هذه الأندية بالنفع، وأهمها الاستثمار، وهو غائب عن بال كرتنا، وهو بسيط ويعتمد على بناء اللاعب وتربيته وتأهيله، ثم الاستفادة منه، إما باللعب ضمن الفريق أو البيع لفريق آخر، وهذا ما تعمل عليه كل أندية الظل في كل دول العالم. من جهة أخرى – وللذكرى – فإن الاتحاد الآسيوي لم يوافق على تصنيف الفرق المحترفة إلا من خلال شروط حاسمة وحازمة حتى لا يقع النادي بمطبات كبيرة، منها المطب القانوني والمطب المالي، وما زلنا نحن نفتقد في الفرق الكبيرة هذه الشروط، فكيف بفرق الظل!؟
ما المطلوب؟
هذا الاستعراض لموضوع الاحتراف أخذنا أمثلته من أندية الدرجة الممتازة، ومن كرة القدم، لأنه أمر واقع وغير مفترض، ونخشى أن تكون القوانين الجديدة غير ملبية بحيث لا تتوافق مع الواقع والإمكانيات؛ ونحن ننظر بضرورة الاحتراف، على أن تكون له ضوابط منطقية، وهذا يجب أن يتم في الألعاب الأخرى، وخصوصاً الألعاب الفردية وألعاب القوة، فبلدنا مملوء بالمواهب والخامات، وهي تنتظر من يصقلها ويربيها ويعلمها، وتنتظر من يقول لها: المستقبل أمامكم، سنرعاكم، وسنحرص على ألعابكم، وستقدم لكم التجهيزات الرياضية، ومكافآت شهرية تضمن لكم التغذية الصحية والراحة النفسية والحياة الكريمة!!
الاحتراف يجب أن يتجه إلى تلك المواهب، في تلك الألعاب التي ترفع علم البلاد عالمياً، والتي تهبنا الاسم والرفعة والميداليات البراقة والإنجازات.. خمسون عاماً مشينا وراء كرة القدم، ولم نحصل منها إلا على الخيبات!! تعالوا الآن نسير خلف الألعاب الأخرى، فربما بدل الله حال رياضتنا إلى أحسن حال.