مجلة البعث الأسبوعية

حزب البعث : من الإيديولوجيا إلى الفكر ؟؟..

د. مهدي دخل الله

لا شك في أن هناك أزمة إيديولوجيا على المستوى العالمي . وبينما نلاحظ حيوية واضحة في مجال الفكر السياسي في الصين وروسيا والهند وسورية ودول أخرى ، مازال الغرب متعنتاً وقابضاً على إيديولوجيا الليبرالية الجديدة التي يراها حلاً دائماً ووحيداً للبشرية .

اليوم ، نرى أن هناك خطين عالميين متواجهين : خط لا تجمعه الإيديولوجيا وإنما يجمعه فكر الاستقلال والتحرر من الهيمنة والأحادية ، ويضم سورية وروسيا والصين وإيران وفنزويلا وكوريا الديمقراطية ، وتقترب منه دول كبرى أخرى مثل الهند وربما الباكستان وجنوب أفريقيا والبرازيل ( بعد انتخاب لولا دي سيلفا رئيساً ) ، وخط آخر تجمعه الأحادية الإيديولوجية والسياسة ورفض الآخر والإيمان بالفكر المطلق ويضم الناتو ومشتقاته وملاحقه ..

ومسألة الإيديولوجيا أخذت جهوداً بحثية كبيرة في عصر النهضة الأوروبية المعاصرة ، وخاصة فيما يتعلق بتحويل الوعي إلى نظرية سياسية ومجتمعية . وباختصار .. الإيديولوجيا هي فكر جامد ونص مسبق مطلق، وعندما يصبح الفكر جامداً يتحول إلى نقيضه ، أي إلى ( لا فكر ) . ولا شك في أن جمود الإيديولوجيا أدى إلى إشكالات بنيوية في الاتحاد السوفييتي والصين ، أواخر القرن الماضي ، لدرجة أنه تم الانطلاق نحو أفق أكثر اتساعاً في البلدين على قاعدة الفكر الحيوي .

حزب البعث ليس بعيداً عن هذه الإشكالية بين الإيديولوجيا كفكر جامد وبين الفكر الحيوي . وربما كان من أهم عوامل استمرار البعث هو أنه لم يستسلم لنص مطلق أبداً ، وكانت حلوله في كل مرحلة تختلف عن الحلول في مرحلة سابقة . واليوم ، لا يمكن الجمع بين رؤى المؤتمر القطري العاشر /2005/ والمنطلقات النظرية للمؤتمر القومي السادس /1963/ سوى النسق التاريخي ، تلك مرحلة وهذه مرحلة . المؤتمر العاشر طرح ( اقتصاد السوق الاجتماعي ) ، ومثاله السويد وألمانيا ، بينما طرحت المنطلقات ( الاشتراكية العلمية ) ، ومثالها أوروبا الشرقية سابقاً . وفي الإطار نفسه ، لا يمكن الجمع بين ما طرحته المنطلقات والمؤتمر العاشر مع طروحات دستور البعث /1947/ التي تنتمي إلى يمين ( الاشتراكية الديمقراطية ) ..

إن جمود الإيديولوجيا وارتباطها بالنص المطلق يعني نفي الواقع . أما الفكر فأساسه المفهوم النقدي للواقع . وقاعدة هذا المفهوم أن الواقع متغير في جوهره ، لذا على الفكر ، كما يقول ابن رشد ، أن يفهم معنى الجوهر ، أي التغير المستمر ..

البعث اليوم أمام مرحلة جديدة ينبغي فيها تحديث أدواته الفكرية بحيث يعزز السمة النقدية لهذه الأدوات ، أي فهم نسق التغير المستمر في الحدوث الواقعي . ومن الواضح أنه لا يمكن التأثير على هذا الحدوث إن لم تعرف وتعترف بجوهره ..

mahdidakhlala@gmail.com