“رد الصفعات”.. مسلسل “العملاق المهاجم” أنموذجاً!!
“البعث الأسبوعية” ــ رامز حاج حسين
ضاعت الريشة في عيد المعلم
فيصل عبيد – مع حفظ الألقاب كاملة من إجلال وتقدير لهذا النبيل الإنسان صاحب الريشة الذهبية – فنان من الرعيل المعتق والمليء بذكريات نبض الحبر واللون الخام على ورق المجلات الطفولية في سورية والوطن العربي. كانت مغامراته المرسومة بطريقة الكوميك تأسرنا وتخلب لبّنا، وكانت تسير بنا مع قوافل الفاتحين حين رسم تاريخاً لفرسان نبلاء عبروا هذه الفيافي على خيولهم، وهم يحلمون ببناء حضارة عربية عظيمة. كانت صفحات مجلة “سامر” اللبنانية تتحفنا في كل عدد بصفحات أربع من البهاء والتفاصيل والعناية بكل جزئية وتفصيلة وإكسسوار، لنحزن لكلمة “يتبع”، وقد بلغت ذروة الحكاية وفنها نهاية الحبكة لهذا العدد.
كتب لي القدر لقاء الفنان العبقري مرات عدة، وكان من النبل والدماثة ما يجعلك تقف حائراً، حين تمر مناسبة لقائه، كيف تتعامل مع معلم حاذق بمثل قامته، تحاول وأنت الغض العود أن تستذكر طقوس الولاء للمعلم: أتقبيل يد؟ أم تقبيل جبين؟ أم حمل دواة الحبر وتتبعه بسراج في عتمة الجهل وهو يضيء بفنه عقول أجيال متعاقبة؟
فيصل عبيد – أطال الله في عمره – ما زال بين ظهرانينا معلماً نبيلاً معبأً بكل حب وشغف الألوان؛ ريشته في يده، وينتظر تكريماً يليق، وإضاءة على تجربته توازي تعبه مع الرعيل الأول في تأسيس منظومتنا الفكرية الغالية.. كل عام وهو بخير، وكل عام ونحن نستذكر عظماء فن الطفل في سورية، كي لا تضيع الريشة، وتطيش الألوان في مدى النسيان.
زنوبيا ممتاز البحرة
زنوبيا هي زنوبيا بتاريخها ومدونات كتب الفلاسفة والمؤرخين والمثقفين؛ ولكن في خلد جيل كامل من الفتيان العرب، وخصوصاً في بلاد الشام، كانت زنوبيا هي تلك اللوحة والشخصية الحية التي نقلها، بعبقريته، الفنان الراحل ممتاز البحرة، عبر صفحات مجلة سامر اللبنانية أيضاً، لنتتبع مغامرة قوة ونبل وشهامة الفرسان السوريين والتدمريين الأوائل، بقيادة تلك المرأة العظيمة وهي تقف، بعنفوانها وجبروتها، في وجه طغيان العصر وصلف روما المتكبرة آنذاك.. هنا يحلو معايدة الأم والمعلم والمرأة، حين يقع بين أيدينا غلاف مجلة سامر (العدد 614)، وعنوانه “زنوبيا ملكة الصحراء” لممتاز البحرة.. تاريخ بات يقض مضاجع كل من تبعه، وأتعب من خلفه في فن اللوحة الطفلية؛ فنحن، مهما علت التقنيات التي بين أيدينا وزاد كعبنا علواً في مجال فن الطفل، سنظل ندندن حول سراج ممتاز البحرة وحبره وألوانه، كفراش تائه ينجذب بلا إرادة إلى ذلكم النور.
“العملاق المهاجم”
ذاك التمهيد يجعلنا نقف بين حارسين لعتبة الفن والجمال للوحات قصص الأطفال: الأول – رحمه الله – غادرنا دون أن نجد طريقة، أو منظومة، لتوريث فنه لمن بعده، والثاني ما زال بصلابته وعنفوانه الفني بيننا. وأيضاً، تاهت بنا السبل لإيجاد طريقة لتوريث فنه لأجيال من الفنانين الشباب بعده.
سبق وتحدثت في كثير من المقالات عن التجربة اليابانية في فن “المانغا” العظيم، وإرادة الفن والحياة التي انتهجها اليابانيون لرد كيد الأمم الأخرى، ورد الصفعات لمحاولات طمس هوية الشعب الياباني وتغريب أجياله عن جذوره وامتداداته الحضارية؛ فكانت نهضة اليابان التي يُضرب بها المثل، وكان جزء منها هو نهوض الفنانين المؤسسين لكتب وقصص الأطفال واليافعين، ومجلاتهم “المانغا”.. اللفظ الذي يطلقه اليابانيون على القصص المصورة، ويستخدم خارجاً للدلالة على القصص المصورة التي أنتجت في اليابان، وللدلالة على اللوحات والمجلات أو القصص المصورة التي رسمت بنمط مشابه للنمط الياباني، وقد يستخدم هذا اللفظ للإشارة إلى الصناعة المتعلقة بهذا الفن، وكذلك إلى الوسائل الإعلامية التي ينتشر عبرها (دوريات، مجلات.. إلخ). ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي، وموجة الفن الياباني الخاص بلوحات الأطفال ورسومهم المتحركة تغزو بلدان العالم أجمع، وباتت تنافس في الكثير من بلدان العالم مثيلاتها من المنتجات الأميركية، حتى جاء مسلسل كرتوني حديث بات يشغل المتابعين لفن القصة المصورة والرسوم المتحركة المنبثقة عنها، في كل أنحاء العالم، ألا وهو الأنيمي الشهير “الهجوم على العمالقة” المستمد من مانغا مطبوع بالتسمية نفسها. وتعرض، في هذه الأثناء، الحلقات الأخيرة من الموسم الرابع لهذا العمل، لتتصدر شخصياته وحلقاته التصنيفات العالمية، وتتقدم على كل ما يوازيها من أعمال، ليصبح الفن الياباني الخاص بالأطفال الرقم الصعب – بل الأصعب – بين كل الفنون الموازية له. ولهذا العمل كاتب موهوب ورسام حصيف ومخرج متقن صنعته، عداك عن فريق عمل من الموهوبين ينتج لنا من العدم، بمخيلة خارقة، عملاً فنياً يعتد به، ويضاف لمنظومة العبقرية اليابانية في شتى المجالات.
السؤال الفطري: إذا كان لهؤلاء الشباب معلمون في “الكار” – وهم لهم بالتأكيد – فكم سيكون الفخر متبادلاً، حين تمر مناسبة عيد المعلم، ليجتمعوا ويقولوا لهم: كل عام وأنتم خير المعلمين!! كل عام وأنتم بخير، ننتظر – وكلنا أمل – منظومتنا المنشودة لرعاية فن الطفولة السورية وفنانيها، لنقول لهم في تجمع كبير وحفل بهي، كل عام، حين تمر مناسبة عيد المعلم: شكراً لكم لأنكم علمتمونا الخير والجمال في هذا الوطن البهي!!
في الموسم الأول للحلقات الثلاث عشرة من مسلسل “العملاق المهاجم”، يكون عنوان أغنية المقدمة: “القوس والسهم القرمزيان”.. منه نقتبس فكرة لنقول: القوس مشدود في قلب كل فنان في بلدي يحب فن الطفولة وينتظر أن ينفذ سهم الإرادة لنصنع تجمعاً يليق بنا، ويحمي حقوق الفنانين العاملين بهذا المجال ويرفع مكانتهم ويوفيهم حقوقهم.