مجلة البعث الأسبوعية

شراكة إستراتيجية

حسن النابلسي

لعله من موجبات الحديث عن “العلاقات السورية الصينية” أن نستذكر وصف -سبق لنا أن تناولناه في مقالات سابقة- لأحد الاقتصاديين حول “الشراكة مع أوروبا”  بأنها “استعمار جديد” لاعتبارات تتعلق بعدم رجاحة كفة هذه الشراكة لصالح سورية، وفرض الشركاء شروطاً تمكنهم من قطف الثمار على حساب السوريين، فضلاً عن تماثل كثير من المنتجات الزراعية للدول الواقعة في حوض المتوسط، ما يعني أن أسواقها لن تكون مفتوحة لمنتجاتنا الزراعية وعلى رأسها الزيتون وزيت الزيتون، والحمضيات وغيرها!

اليوم نحن أمام شراكة إستراتيجية مع الصين من نوع جديد تعتمد –وفقاً لمفهومها-  على التنسيق بشكل وثيق في الشؤون الإقليمية والدولية، ويعوّل عليها أن تكون محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية.

ولعل من فضائل الأزمة الحالية رغم قسوتها – إن صح التعبير- هو تفكير الدولة بالتوجه شرقاً واعتماد شركاء جدد أكثر وأشد حاجة إلى منتجاتنا من الأوروبيين، بمعنى حدوث حالة من التكامل بالتعامل معهم، بحيث يفتحون أسواقهم لمنتجاتنا، ونستقطب خبراتهم العلمية والتكنولوجيا لرفع سوية إنتاجنا، وهنا على سلطتنا التنفيذية العمل على اتجاهين الأول تكتيكي ويتمثل باستدراك الواقع الحالي وترميمه، بحيث نتمكن من تجاوز الأزمة بأقل الخسائر الممكنة إثر العقوبات التي فرضها شركاء الماضي، والاتجاه الثاني إستراتيجي يعتمد على وضع خطط مستقبلية ترتكز على تطوير آليات التعامل الاقتصادي، وفي مقدمتها الزراعة كون سورية بلد زراعي بالدرجة الأولى.

بكل تأكيد لا يختلف اثنان على الصين من دول المشهود لها بالتنمية الاقتصادية، وبالتالي فإننا أمام فرصة علينا اغتنامها لتحقيق شراكة تكاملية بعيدة عن الغبن، فالصين رغم مساحتها الشاسعة تسعى للبحث عن أراض جديدة للاستثمار الزراعي، كونها تمتلك كتلة بشرية هائلة مستهلكة، وبنفس الوقت لديها الإمكانيات الكبيرة لتصنيع الآلات الزراعية، إلى جانب مقدرتها على تحسين الأصناف الزراعية، وكان لها تجربة سابقة باستثمار أراض زراعية في أنغولا لزيادة إنتاجها الزراعي، وهنا يمكن الاستفادة من هذه التجربة ولكن بشروط سورية سيادية، وعبر اتفاقيات وبروتوكولات تعاون تحفظ حقوق الطرفين، بحيث نستقطب الصينيين للاستثمار الزراعي في سورية، ليس بهدف تحسين مستوى الإنتاج لدينا فحسب، بل لفتح سوق جديدة لتصريف ما تنتجه أراضينا من جهة، وإيجاد فرص عمل من جهة ثالثة، وتوطين تكنولوجيا زراعية من جهة ثالثة، والأهم من ذلك هو فتح شراكة زراعية إستراتيجية مع دولة كبرى تسعى لأن تكون أحد أقطاب العالم.