مجلة البعث الأسبوعية

اتحاد شكلي للطب الرياضي.. وطبيب منتخب الكرة يعالج لاعبي المنتخب عبر “الواتس أب”

“البعث الأسبوعية” ــ عماد درويش

قبل الخوض بالحديث عن موضوع الطب الرياضي، لا بد من التذكير بأن مفاهيمه الأولية ولدت مع بدايات الألعاب الأولمبية الحديثة، في أثينا، في العام 1896، وهي أن العناية الطبية بالرياضيين تؤدي إلى تحسين الأداء الرياضي؛ وقد عقد أول مؤتمر في الطب الرياضي أثناء الألعاب الصيفية التاسعة التي أقيمت في مدينة أمستردام الهولندية، في تموز 1928، وحضره أكثر من 280 طبيبا من أكثر من 20 دولة، وأُتيحت لهم – حينئذ – فرصة دراسة حالات العديد من الرياضيين المشاركين في هذه الألعاب، وذلك من المعلومات التي تم جمعها بالأنتروبومتري (علم قياسات جسم الإنسان) والفيزيولوجيا والجهاز القلبي الوعائي والاستقلاب.

ومنذ ذلك الحين، نما الاتحاد الدولي للطب الرياضي مع نمو عدد المتخصصين والباحثين وتزايدهم عالميا؛ وهناك عدة أهداف للاتحاد الدولي للطب الرياضي أهمها تدريس الطب الرياضي وتطويره، والحفاظ على صحة الإنسان وتطويرها برفع اللياقة البدنية، والمشاركة في الأنشطة الرياضية، والدراسة العلمية للتأثير الطبيعي والمرضي للتدريب وممارسة الأنشطة الرياضية.

 

دون الطموح

رغم أن مفهوم الطب الرياضي تطور في العالم بشكل متسارع، إلا أنه لا يزال في بدايته في سورية، وهناك توجه وقناعة لتطويره من أجل أن يواكب الإنجازات الرياضية، الأمر الذي يحتاج لوقت من أجل التخطيط له وتنفيذه على أسس متينة، أي أن الطب الرياضي في سورية ما زال دون الطموح، وما زال غير قادر على تحمل مسؤولياته بسبب بعد وعدم توافر ما يسمى بـ “مراكز الطب الرياضي الخاصة” على مستوى المحافظات السورية كحد أدنى، واقتصارها على العيادات التي تختص بـ “آلام المفاصل والعظمية”، وهذا ما أدى إلى الخلط الواضح بين النوعين السابقين.

 

خلط رياضي

فالعيادات لا يمكن – بأي حال من الأحوال – أن تحتل، أو تنوب عن مراكز الطب الرياضي، لعدة أسباب، منها أن الطب الرياضي مختص بإصابات الرياضيين وعلاجها دون الإصابات المرضية الأخرى والمزمنة، وافتقار العيادات المختصة بالعظمية والعضلية لأساسيات تجهيزات مراكز الطب الرياضي، ووجود الطبيب المختص بإصابات الرياضيين دون غيرهم ما يجعل عمله محصورا بجانب معين.. وكل هذه الدلائل تشير إلى أن هناك خلطاً لدى الرياضي بين مفهومي الطب الرياضي، والطب العضلي والعظمي، وعدم إدراكه للفرق الكبير بينهما.

فالطب الرياضي من شأنه أن يكون عاملا مساعدا وداعما للإنسان من خلال توفيره العلاج المناسب والسريع للإصابات التي يتعرض لها، وتزويد الرياضي بالمعلومات التي توضح له مقدار الإصابة وشدتها، وفوق كل ما سبق يكون تعامل الطبيب المختص بالطب الرياضي مع الرياضي المصاب من مبدأ التفهم الواسع، لأن الكثير من الأطباء الآخرين يرون في إصابة الرياضي إضرارا بصحته، غير متفهمين بأن الرياضة هي إشباع لرغبته، أو كونها تمثل مهنته في الحياة؛ لذلك نجد أن ثقافة الطبيب المختص بالطب الرياضي كثيرا ما تكون متفهمة لـ “الحالة النفسية” التي يمر بها الرياضي المصاب.

 

حاجة للأطباء

إضافة لما سبق، يمكن الوقوف على أمر، على غاية من الأهمية، يرتكز عليه الطب الرياضي، وهو سعي الطبيب المختص بالطب الرياضي إلى “إعادة تأهيل” الرياضي بعد شفائه من الإصابة للعودة إلى ممارسة النشاط الرياضي، ما يتطلب وجود مراكز طبية متخصصة بهذا المجال، فانتشار هذه المراكز من شأنه أن يدفع الحركة الرياضية إلى الأمام ويزيد حالة الوعي لدى الجمهور والناس بأن الرياضة – كأي مهنة أخرى – من شأنها أن تؤدي إلى إصابات، وبالتالي هي تحتاج إلى مراكز أو عيادات تكون مسؤولة عن تأمين العلاج المناسب لهذه الإصابات. ونحن في سورية، ورغم بعض المحاولات السابقة – كالمشروع الذي كان قائما بين مشفى الأسد الجامعي والاتحاد الرياضي العام لرعاية المنتخبات الوطنية صحيا – إلا أن هذه المحاولات لم تتخط الأمر حدود الدراسة، ولم تطبق على أرض الواقع لأسباب مجهولة. لكن يبقى السؤال: هل الطب الرياضي في بلدنا يلبي الطموح؟ وهل هو قادر على تلبية احتياجات الرياضيين؟ بالتأكيد الجواب هو غير واضح، لأن المراكز الطبية في سورية قليلة جدا، وتكاد تكون معدودة على أصابع اليد الواحدة.

 

المعاقب يكافأ!!

أما الأطباء المختصون فليسوا بأفضل حالا من المراكز، ولدى التحري لم نجد أطباء متخصصين بالطب الرياضي، باستثناء طبيب أو اثنين مارسا الرياضة فعليا ويعرفان أهمية الطب الرياضي للرياضيين، أما من دخل هذا المجال من الأطباء فكان همه استلام مناصب عليا وليس خدمة الرياضة والرياضيين. ومن هنا نجد أن الأمر يقع على عاتق المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام، سواء السابق الذي كانت له مآرب معينة من خلال توكيل مهمة رئاسة الاتحاد لأطباء محددين، أم الاتحاد الرياضي الحالي الذي أصدر مؤخرا قرارا بتشكيل اتحاد جديد للطب الرياضي ليتفاءل الرياضيون خيرا، ليقوم رئيس الاتحاد الرياضي، وبعد يومين من تشكيل الاتحاد، بإعادة تشكيل هيكليته وتعيين رئيس جديد هو طبيب جديد – قديم كان تم فصله سابقا، وسبق له أن كان رئيسا للاتحاد أكثر من مرة، ولم يقم بأي عمل يصب بمصلحة الرياضة والرياضيين.

 

دون اعتراف

رئيس اتحاد الطب الرياضي “المكلف” و”المبعد”، الدكتور جهاد حاج إبراهيم، أبدى استغرابه من تغيير رئيس الاتحاد الرياضي العام قرار تشكيل اتحاد الطب الرياضي خلال يومين، موضحا: فوجئت بتغير القرار بعد يومين وتكليف رئيس جديد للاتحاد لا يمت للرياضة بصلة، مع العلم أنه سبق وقاد الاتحاد من قبل، ولم يقدم أي شيء يخدم الطب الرياضي.. بالنسبة لي، كنت لاعبا في أحد الأندية، وتوجهت لدراسة الطب حبا بالرياضة، وشاركت في الكثير من المؤتمرات الدولية الخاصة بالطب الرياضي على نفقتي الشخصية لأخدم الرياضيين.

وكشف حاج إبراهيم أنه – وللأسف – ليس لدينا طب رياضي ولا اتحاد طب رياضي، كون معظم اتحادات الألعاب لم تعترف بالاتحاد، ولم تتعاون معه أبدا. ومنذ أن تم تأسيس الاتحاد ليس لدينا اختصاص طب رياضي، وكل ما لدينا هو اختصاص معالجة فيزيائية (وبرع فيها الدكتور زياد دهنة)؛ وبمعنى آخر، كل الذين يعملون في هذا المجال ليسوا أطباء، بل معالجين فيزيائيين، ولا يستطيع هؤلاء فتح عيادات لأن عملهم لا يدخل مجال الطب؛ وإضافة لذلك، ليس كل طبيب يقوم بعمل جراحي للرياضيين يفهم بالطب الرياضي لأن إصابات الرياضيين تختلف كليا عن إصابات الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة.

 

طبيب عن بعد

وبين حاج إبراهيم أنه سبق له العمل كطبيب لمنتخبنا الوطني للرجال بكرة القدم، وهو يقول في هذا السياق إن ما يجري حاليا مع المنتخب معيب، فطبيب المنتخب حاليا (المتعاقد مع اتحاد الكرة) مقيم في دبي، ويتواصل مع لاعبي المنتخب عبر “الواتس أب”، ويتقاضى راتبا عاليا من اتحاد الكرة، ومن المفروض أن يتواجد مع المنتخب في مبارياته ومعسكراته الداخلية والخارجية، وهو ما لا يحصل، ولولا جهود معالج المنتخب لتفاقمت إصابات اللاعبين.

وأضاف حاج إبراهيم: أعتقد أننا في سورية لا نملك أطباء متخصصين بالطب الرياضي، وهذا أمر محزن.. وحتى مسألة المعالجين الفيزيائيين خطيرة أيضا، فالقلة فقط منهم مؤهلون، وهذا يقع على عاتق الأندية التي تتعاقد مع معالجين من أجل المنفعة الشخصية وليس من أجل حماية الرياضيين.

 

خطة عمل

المدير التنفيذي لاتحاد الطب الرياضي كمال نسب أكد أن الاتحاد يسعى لتطوير مهنة الطب الرياضي في جميع مجالاتها المختلف،ة من خلال التميز في تقديم البرامج التعليمية والبحثية ودعم القضايا الخاصة بهذه المهنة، وتوفير الرعاية الطبية والاستشارات الصحية وفق أعلى المعايير لجميع الممارسين الرياضيين المحترفين والهواة.

ولفت نسب إلى أن خطة الاتحاد تندرج ضمن خطة الاتحاد العام التي تهدف إلى تطوير المشروع الرياضي الكبير، وأن استخدام الوسائل الحديثة للطب الرياضي هدف للاتحاد، وذلك من خلال الإشراف على اللقاءات والبطولات الرياضية التي تشارك فيها المنتخبات الوطنية، والفحص الدوري للاعبي المنتخبات الوطنية، والإشراف على معالجة لاعبي الاتحادات الرياضية، وإصدار النشرات الطبية لتوعية الرياضيين بأمور الطب الرياضي وما يتعلق بالرياضة، والتنسيق مع وزارة الصحة ومركز الطب الرياضي للقيام بمهمة الإشراف الطبي على البطولات واللقاءات الرسمية، وتقديم الرعاية والاستشارة الطبية للأندية الرياضية الراغبة في الاستفادة من خبرات الأعضاء لمعالجة إصابات اللاعبين، وتوعية الكوادر العاملة في الرياضة بشكل عام صحيا،

مضيفا أن الأهم هو العمل على نشر وتطوير مفهوم الطب الرياضي من خلال عقد الدورات المتخصصة في مجال الطب الرياضي، وتنسيق إيفاد الأعضاء في الاتحاد للمشاركة في المؤتمرات والندوات المتخصصة في الطب الرياضي داخل وخارج سورية، والعمل على توثيق العلاقات المهنية مع المؤسسات والهيئات ذات العلاقة، وتوثيق العلاقات مع الاتحادات العربية والقارية والدولية، مختتما بالقول: للأسف، الوعي بأهمية الطب الرياضي لا يزال ضعيفا من جانب اللاعبين والأندية، إذ من الضروري جدا تواجد طبيب مختص ملازم للمنتخبات والأندية الرياضية، وهذا يتطلب إصدار تعميم من المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام يتضمن إلزام الاتحادات بالتنسيق مع اتحاد الطب الرياضي فيما يتعلق بالمعسكرات والبطولات، بحيث يتم الإخبار عنها قبل مدة من موعدها ليتسنى للاتحاد ترشيح الكوادر الطبية والفنية.