مجلة البعث الأسبوعية

توقف الدوري الكروي الممتاز يكشف المستور.. مشاهد قاتمة تخيم على الملاعب ومفاصل تحكيمية ومالية متهالكة ولا حلول في الأفق!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

توقف الدوري الكروي الممتاز قبل أسبوعين بسبب أيام “الفيفا” التي تعطل فيها كل المسابقات المحلية في كل دول العالم من أجل مشاركة المنتخبات الوطنية في المباريات الرسمية والودية.

“البعث الأسبوعية” تستغل هذا التوقف لتستعرض بشكل سريع أهم النقاط السلبية التي رافقت وترافق الدوري في هذا الموسم، من مبدأ إلقاء الضوء على المشاهد السوداء في المسابقة الأهم في بلادنا، على أمل تلافيها، سواء من قبل الأندية أو من قبل الاتحاد المعني باللعبة.

فالحديث عن السلبيات لا ينفي وجود الإيجابيات، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن تكون السلبيات أكثر من الإيجابيات وأن تتنامى هذه السلبيات أسبوعا بعد أسبوع.

والتراجع الذي حققه الدوري هذا الموسم جعله من أضعف الدوريات الكروية العربية، وساهم في هذا التراجع عوامل عديدة، منها ما هو خارج عن السيطرة والإمكانيات، ومنها ما صنعه القائمون على العمل الكروي سواء في الأندية أم اتحاد الكرة.

وقد تكون العوامل الخارجة عن السيطرة تتعلق بالملاعب التي طالها التخريب زمن الأزمة، لكننا مسؤولون عن جزء مهم منها من خلال عمليات الإصلاح والصيانة والترميم؛ وللأسف، فإن بعض الملاعب التي أجريت لها الصيانة اللازمة، ودفعت من أجلها الأموال الطائلة، عادت إلى ما كانت عليه بعد شهرين أو ثلاثة، ما يدل على أن كل هذه الأعمال لم تكن صحيحة رغم التبريرات، والمثال على ذلك ملعب الفيحاء، والحديث عن الملاعب – خصوصا الصناعية التي بدأت بالاهتراء – يحتاج إلى ملف كامل سنستعرضه قريبا.

الأمر الثاني يتعلق بعملية النقل التلفزيوني الذي دائما ما تعلق بالإمكانيات وعدد الكاميرات، ورغم الجهود المبذولة من الزملاء في الإذاعة والتلفزيون إلا أنه لم يؤد دوره، لعدم توافر الإمكانيات والمعدات، لذلك دائما لم تكن الصورة جيدة، ولم يعط التصوير تفاصيل مهمة في المباريات لشرح الحالات أو تبيانها؛ وهذا أمر مرتبط بميزانية النقل التلفزيوني، وقد سمعنا أن الشركة الراعية للدوري الكروي الممتاز ستعطينا نقلا أفضل مما سبق، ولن نستبق الأحداث قبل أن نشاهد ونحكم على الأمر بشكل واقعي.

 

المستوى الفني

وحسب المعطيات التي شاهدناها، من الطبيعي أن نجد أن المستوى الفني للدوري الكروي ضعيف بامتياز، والأرقام تتحدث عن ذلك وتؤكد ما نذهب إليه؛ ونستشهد هنا بقول المدرب التونسي نبيل المعلول أن “أفضل مباراة في الدوري الكروي لم يتجاوز عدد دقائق اللعب فيها 44 دقيقة فقط، أي شوطا واحدا”، وهذا في أفضل مباراة، أما بقيه المباريات فحدث ولا حرج!!

والمشهد الرئيس الذي يسيطر على أغلب مبارياتنا هو إضاعة الوقت، ونجد هنا أساليب متعددة في هذا السلوك المشين، فأكثر من لاعب يدعي الإصابة في المباراة، ومهمة حراس المرمى باتت بكثرة الوقوع على الأرض بمناسبة وغير مناسبة.

في الأرقام الأخرى المهمة، نجد أن نسبة التسجيل في الدوري ضعيفة، ونلاحظ غياب الهدافين في الأندية تماما وخصوصا بين الخمسة الكبار، فما زال المهاجم المخضرم محمد الواكد هداف فريق الجيش، دون أن نجد بالفريق مهاجما هدافا أو مهاجما لامعا، فلا بديل للواكد!! والكرامة لا هداف له، وهدافه المدافع عمرو جنيات سجل سبعة أهداف، خمسة منها من ركلات جزاء؛ وتشرين المتصدر لا يملك الهداف، وبعد غياب علاء الدين الدالي المسافر إلى الكويت محترفا توزع اللاعبون التسجيل؛ أما الوحدة فكل مباراة نشهد مسجلا جديدا للأهداف حتى بات أغلب اللاعبين مسجلين. وإذا استثنينا مهاجم جبلة، محمود البحر، الذي يتصدر قائمة الهدافين بـ 15 هدفا – سجل ثلثها من ركلات جزاء – فإن أيا من الفرق الأخرى لا تملك أي هداف؛ وحتى المهاجمون القادرون على التسجيل غادروا الدوري إلى الدوريات الخليجية، ونذكر منهم علاء الدين الدالي، وورد السلامة، وعبد الرحمن بركات، ومارديك ماردكيان.

 

اضطراب مزدوج

ودوما نحرص ونؤكد على موضوع الثقافة الكروية الهشة في الأندية، وهذه الثقافة المتدنية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن غياب التسجيل “العقم”، وعن سوء المنظومة الدفاعية في كل الفرق بلا استثناء، وإذا علمنا حجم الضعف الدفاعي في الفرق لأدركنا العجز الهجومي، وهما ظاهرتان خطيرتان.

والأرقام تتحدث – مثلا – بأن ثلث ركلات الجزاء المحتسبة أهدرت؛ وإذا علمنا أن من يهدر ركلات الجزاء هم من خيرة نجوم الدوري، وأغلبهم في المنتخب الوطني، لأدركنا حجم الكارثة، ولأيقنا أن كرتنا المحلية “في خبر كان”، والحديث عن الركلات الثابتة – مباشرة وركنية – يخبرنا بسوء إعداد فرقنا، فما زال التنفيذ عقيما، وضمن أسلوب بدائي مقيت.

والأسباب الواضحة في ذلك هي الاضطراب الإداري والفني الذي تعانيه أغلب إدارات الأندية. وعلى سبيل المثال، فإن أنديتنا لا تعرف الاستقرار الفني، ونلاحظ تغيير المدربين بشكل دائم، وكم من فريق بدّل مدربه في الموسم الواحد أكثر من مرة، ومن النادر أن نجد مدربا بقي مع فريقه لموسمين متتاليين، وتعتبر هذه الحالة – إن تحققت – من المعجزات الكروية.

إدارات الأندية موزعة على قسمين: الأول هدفه الفوز ببطولة الدوري، والثاني هدفه البقاء في الدوري، ولم نجد ناديا هدفه البناء والتطوير؛ وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، فالفرق التي تدخل الدوري وعينها على اللقب لا يهمها إلا البحث عن فريق جاهز، دون أي تخطيط مسبق، فنجد التدافع حول اللاعبين المميزين لكسب ودهم دون أي حساب فني، فليس من الضرورة لتكسب بطولة أن يكون فريقك مملوءا باللاعبين المميزين، وكرة القدم مراكز، وقد نجد أكثر من لاعب في مركز واحد، وبعض المراكز تعاني من النقص.

فالتطور يبدأ من البناء، وبناء كرة القدم يعتمد على ثبات المدرسة الفنية من خلال التعاقد مع مدرب متميز لعدة سنوات، والاعتماد على لاعبين مميزين، مضافة إليهم مواهب شابة لتكون قوام الفريق بعد سنوات. لكن عندما يكون هدف الفريق تحقيق النقطة أو الهروب من الهبوط فلن يصل إلى كرة القدم الحقيقية؛ وبمثل هذه الأفكار نجد أن الفرق لا تحقق أهدافها لأن الهدف يلزمه البناء الصحيح.

وكرة القدم الاحترافية ليست بطولات فقط، بل هي رعاية اللعبة وتأهيل اللاعبين وصناعة الموهوبين، وهذا الأمر غائب عن ذهنية إدارات الأندية التي تبحث عن بطولات معلبة أو مسبقة الصنع.

وأندية كثيرة تعيش خلافات إدارية عميقة تؤثر على سيرها، وتساهم بتراجع المردود؛ والخلافات قد تكون ضمن النادي، وهناك مشاكل تأتي من خارجه، وكل ذلك يدمر كرة القدم من المهد إلى اللحد، وهذا الأمر نجده واقعا في أندية عدة، منها الاتحاد والحرية والساحل وغيرها.

ما ذكرناه سبب في تدني مستوى المباريات والدوري لغياب الاستقرار الفني ولغياب التخطيط المدروس، وأغلب الفرق نجد أن أنفاسها تقطعت في منتصف المشوار وفقدت حماسها، فإذا بها تؤدي بقية مبارياتها دون أي حافز.. ومن باب الواجب فقط!!

 

شبهات ومجاملات

يغيب الحماس لدى العديد من الفرق، خصوصا تلك التي ضمنت البقاء، أو فقدت حظوظها في البطولة، وتجدها تؤدي مبارياتها كتحصيل حاصل بعد أن فقدت كل آمالها؛ ولذلك تدور الشبهات حول مثل هذه الفرق في العديد من المباريات التي تذهب لمصلحة الفريق الأكثر حاجة للنقاط، سواء من أجل البطولة أو من أجل البقاء؛ كما وتحوم الشبهات حول العديد من النتائج غير الطبيعية، وإذا نحن نرفض فكرة البيع والشراء في المباريات دون وجود دليل مادي ملموس، فإننا لا ننكر وجود مجاملات بين الفرق تؤدي إلى نتائج متقلبة وغير متوقعة.

ولحل هذه الإشكالية، لا بد من حلول ناجعة لتدارك هذه الثغرة، والدوري عندنا يتركز حول البطل والهابطين الاثنين، فهناك 11 فريقا لا يميزهم أي شيء، فمن يحتل المركز الثاني في الدوري يتساوى مع من احتل المركز الثاني عشر، ولا مفاضلة بينهم، لذلك لابد من ضبط هذه الثغرة؛ والحلول عند اتحاد كرة القدم من خلال توزيع الحوافز استنادا إلى المراكز، على أن تكون الحوافز معتبرة تجعل الفرق تتسابق على تحسين مواقعها على سلم الترتيب.

 

الكارثة المالية

الوضع المالي يجب أن نقف أمامه مطولا، فالفرق التي خاب أملها بالبطولة كثيرة، والفرق التي لم تحقق أهدافها أكثر؛ وانطلاقا من من ذلك علينا أن نتساءل: ما الهدف الذي حققته فرقنا هذا الموسم من الدوري؟ فلا نالت بطولة، ولا صنعت فريقا، ولا رعت لاعبا! والمثير للدهشة أنها صرفت أموالا طائلة دون أي جدوى. وهناك ملاحظتان في هذا الشأن:

الأولى أن كل فرق اليوم تعاني من العجز المالي، ولاعبوها بدؤوا بالمطالبة مع التهديد بعدم الالتزام، وهذا ما نجده واقعا في نادي الطليعة، ونادي الحرية ونادي الاتحاد ونادي الحرجلة.

الثانية: منعا لمثل هذه الحالات، يجب على اتحاد كرة القدم أن يفرض على الأندية وضع مؤونة مالية في البنك تضمن حقوق اللاعبين وكوادرهم.

وموضوع المال المهدور في كرة القدم يعيدنا الى المربع الأول الذي تحدثنا عنه في العدد الماضي، لذلك لا بد من حلول مجدية لوقف نزيف المال الذي لا يصرف في موقعه الصحيح، ووضع ضوابط للاحتراف يتم من خلالها توفير العقود والرواتب بما يتناسب مع حجم الأندية وإمكانياتها.

 

الحكام والتحكيم

المشكلة الرئيسية التي باتت تواجه الدوري الكروي تتمثل بالتحكيم، فالشكوى على القرار التحكيمي باتت جماعية وتصدر من أغلب الأندية الكروية. ومن غير الطبيعي أن يضيع جهد الفريق بأكمله بصافرة طائشة أو راية متسرعة، والمشكلة كما يقول البعض أن جهد موسم بأكمله يضيع في مباراة واحدة، فكيف بنا عندما تتكرر الأخطاء بشكل نخشى أن تكون مقصودةا!!

والقضية لها أبعاد عديدة:

أولا، تشعر أن لجنة الحكام العليا بواد، والتحكيم والمباريات في واد آخر، وتفسير ذلك أنه في كل مرة نسأل عن الأخطاء التحكيمية ينبري المدافعون عن الحكام ليتحدثوا عن ظروفهم السيئة، وعن حاجاتهم لأجهزه الاتصال وللتجهيزات وغيرها من الأمور، ولا نجد أن للموضوع علاقة بالأداء من قريب أو من بعيد، وبما ينقص الحكام من تقنيات وتجهيزات، فالأندية غير مسؤولة عنها، وقرار التحكيم لا ينبغي أن يهتز لأن الحكم لا يملك جهاز اتصال.

تحدثوا سابقا عن الأجور الزهيدة للحكام، واليوم ارتفعت، وبالتالي صار تحكيم مباراة واحدة يعادل أجرها أجر موظف، بل إن الناس باتت تحسد الحكام على أجورهم.

وحكامنا الذي تفوقوا في كل العقود السابقة لم يملكوا ما يملكه حكام هذا الموسم من دعم وأجور وتجهيزات، لكنهم كانوا يملكون الرغبة والعمل الجاد للتطوير؛ وأذكر أن القائمين على الحكام كانوا يحتارون بمن يرشحون على القائمة الدولية لأن أغلب الحكام كانوا متميزين وكانت المنافسة تحسم بجزء من العلامة.

أما اليوم فالقائمة معروفة، وهي من الأصحاب والأقارب والخلان بعيدا عن مبدأ الكفاءة والخبرة، ونسأل: هل كل حكامنا الدوليون يستحقون هذه الشارة؟

الأمر الثاني الذي يتحدث عنه الجميع علانية بعد أن كان سرا في الكواليس فهو الخلاف المتنامي داخل اتحاد كرة القدم مع محاولات عديدة من أطراف متعددة لإفشال اتحاد كرة القدم عبر القرار التحكيمي المهزوز، لذلك شهدنا شغبا متسعا غير مسبوق بسبب التحكيم وأداء الحكام والظلم الذي لحق بالفرق، وهذا الأمر جوبه بمنع الجمهور من حضور المباريات، وربما السبب الظاهر جائحة كورونا، لكن هناك أسبابا عديدة أخرى، وأعتقد أن القرار المتخذ بمنع الحضور الجماهيري كان قرارا سليما بامتياز رغم أنه حرم الأندية واردا جيدا من ريوع المباريات كما حرمها مؤازرة وتشجيع جماهيرها.

واستنادا إلى ما سبق فإن المراقبين رأوا في القرار التحكيمي الخاطئ أمرين: فإما أن يكون الحكم جاهلا لقانون اللعبة ولا يملك الخبرة الكافية وهذه مصيبة، أو أن الأخطاء مقصودة ولها ذيولها وأبعادها الشخصية، والمصيبة هنا أكبر.

وكما نلاحظ، هناك من يدفع بالكثير من الحكام الذين لا يملكون الخبرة الكافية لقيادة المباريات، وبالمحصلة العامة نجد أنفسنا أمام نوعين من الحكام: الأول حكم خبير لكنه يخطئ أخطاء مؤثرة ولا ندري سبب ذلك، والثاني حكم لا يمتلك الخبرة والكفاءة ومباريات الدوري عبارة عن حقل تجارب لهؤلاء الحكام المدعومين.

ومن المفترض – كما قال بعض المحللين – أن يرتفع مستوى الأداء التحكيمي وتهبط نسبة القرار الخاطئ إلى أدنى مستوى لغياب الجمهور، لأن هذا الغياب يغيب معه الضغط على الحكم.