دراساتصحيفة البعث

لذلك تخشى “إسرائيل” من اليمن!

محمد نادر العمري

منذ ما يزيد عن عقد، وتحديداً منذ انطلاق ما سمي “بالربيع العربي”، يأمل الكيان الصهيوني بتحقيق الكثير من الأهداف، عبرت عنها تقارير صادرة عن مراكز أبحاثه وصحفه، حيث نظر إلى التحولات الجارية في البيئة الإقليمية المحيطة به في البداية باعتبارها مجموعة فرص يمكن اقتناصها.

بعد سنوات بدأت الأمور تتغير، وأخذت التقديرات تتغير معها، وفي السياق لا ينفصل اليمن من منظور “إسرائيل” عن الصراع الدائر في المنطقة ودورها المركزي في هذا الصراع. بالنسبة إليها، يقع اليمن ضمن قائمة التهديدات والفرص التي تواكبها عن كثب، إذ تجد نفسها معنية بالتدخل لترجيح كفة الفرص، أملاً بتحقيق مكاسب إستراتيجية.

أواخر كانون الثاني 2020، صرح نائب وزير الإعلام في حكومة صنعاء فهمي اليوسفي عن “مفاجأة” بشأن التواجد الإسرائيلي في الساحة اليمنية. قبلها، ذكرت أكثر من وسيلة إعلامية صهيونية وغربية أن “الجيش الإسرائيلي سيستخدم قاعدة عسكرية سيتم إنشاؤها في جزيرة سقطرى”، وعلق اليوسفي على ذلك، مؤكداً أن “سقطرى هي محل مطامع إسرائيل منذ الماضي”.

لم يمض أكثر من أسبوع على تصريحات اليوسفي، حتى أعلن رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي “عيدروس الزبيدي” عن إمكانية التطبيع الكامل مع “إسرائيل” في حال استعادة “دولة جنوب اليمن”. تصريح مهد له سياسياً وإعلامياً قبل ذلك بعامين، وتحديداً في شباط 2019، عندما جلس وزير الخارجية اليمني في حكومة هادي خالد اليماني إلى جانب بنيامين نتنياهو خلال افتتاح “مؤتمر الشرق الأوسط” في العاصمة البولندية وارسو.

سبقت ذلك تلميحات صدرت عن قيادات في المجلس الانتقالي، منها ما جاء على لسان نائب رئيس المجلس الانتقالي “هاني بن بريك” في مناسبات عدة، أبرزها كانت تغريدة في تشرين الأول 2018 كتب فيها أنَ “الالتقاء بالإسرائيليين وعقد الصلح معهم بما يخدم البشرية والسلام العالمي، ليس حراماً وهناك مبادرة عربية قدمتها السعودية هي خارطة طريق”، حسب تعبيره.

رغم أن هذه التصريحات والتوجهات لاقت انتقادات من فصائل ومكونات عدة في جنوب اليمن، فإن “إسرائيل” تنظر إليها بارتياح يشوبه الحذر، فقد قوبل تصريح الزبيدي برفض من أغلب القوى الجنوبية الفاعلة والمؤثرة، بما فيها المكوّنات المتفقة معه في مسألة الانفصال، أبرزها ما يسمى “مجلس الحراك الثوري الجنوبي” الذي يتزعمه “حسن باعوم”، إضافة إلى المكونات غير الانفصالية، ما يدل على أن مسألة العداء لـ”إسرائيل” ما زالت متجذرة وتتخطى الانقسامات السياسية في معظم المناطق اليمنية وفي أوساط أغلبية المواطنين.

هذه الوقائع لا تزعج كيان الاحتلال الذي يعتبر أن أي مكتسب مهما كان حجمه، أفضل من لا شيء، وعلى هذا الأساس، احتفت صحيفة “إسرائيل اليوم” القريبة من نتنياهو بـ “الصديق الجديد” في اليمن واعتبرته إنجازاً، يسمح لها أحياناً بالتواجد الميداني تحت غطاء شركات أجنبية أو خبراء أو بشكل سري. فقد توالت الأخبار خلال السنوات السابقة عن تنفيذ إسرائيليين يعملون في شركات أجنبية، مثل شركة “سباير أوبريشن” الأمنية الأميركية، عشرات الاغتيالات التي استهدفت مناوئين للمجلس الانتقالي في محافظة عدن، بحسب ما يؤكد موقع “بازفيد نيوز” الأمريكي.

في المقابل توازي هذه التطورات والفرص، تهديدات لم تكتمل دائرتها بعد، أبرز هذه التهديدات هي التطورات الميدانية التي تتسارع في مأرب وانعكاساتها الإستراتيجية، سواء على السعودية أو على “إسرائيل” نفسها، التي تعلمت من السنوات الماضية أن ما يلوح كفرص في البداية قد ينقلب عليها، ويتحول إلى نقيض لا يحمد عقباه في منطقة تشهد تحولات لم تنته فصولها بعد.

ربما من هذا المنطلق لم تعلن القيادات الإسرائيلية عن ارتياحها الكبير بالتصريحات والمواقف التطبيعية الصادرة عن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، ولقناعتها بأن الوضع هناك ما زال هشاً ومؤقتاً، وبأن إعلان المجلس لغايات وطموحات سياسية، أما جديته فتبقى محدودة، وإن كان يسيطر على بعض المواقع الحيوية التي تغري “إسرائيل”، مثل جزيرة سقطرى ومدينة عدن، كذلك تواجده في جزيرة ميون وباب المندب من خلال قوات موالية له.

منذ بداية الحرب على اليمن، نشرت مئات التقارير في صحافة العدو ومراكز الدراسات العاملة في مؤسساته حول التهديدات القادمة من اليمن، ولا سيما مع انقلاب المشهد الميداني في ضوء الإنجازات والمعادلات التي قلبها الجيش اليمني و”أنصار الله” لمصلحتهم في السنوات الأخيرة، عبر مئات الصواريخ والمسيرات اليمنية التي أصابت مواقع حساسة بدقة على بعد مئات الكيلومترات، وأبرز هذه التهديدات يمكن اختصارها في ثلاثة مرتكزات أساسية:

 أولاً: تمكين العلاقة مع السعودية

تؤدي السعودية أكثر من غيرها دور رأس الحربة في الحرب على اليمن، وتعول عليها “إسرائيل” أكثر من غيرها في اتفاقيات التطبيع، نظراً إلى موقعها الجغرافي ودورها وحجمها وثرواتها وتأثيرها الديني. هي محط اهتمام إسرائيلي، لكونها دولة محورية في “مشاريع السلام” الاقتصادية والتشبيك الاقتصادي وما يتفرع عنه من خطوط إمداد ومواصلات بحرية وبرية. لذلك، تجد “إسرائيل” نفسها معنية باستقرار الحكم في الرياض وتجنيبه تداعيات الهزيمة العسكرية وارتداداتها المحتملة على الداخل السعودي، عدا عن أن أي انتكاسة وتراجع للنفوذ السعودي السياسي والاجتماعي في اليمن، من شأنه أن ينعكس على محور “التطبيع” الجديد الآخذ في التبلور.

وقد أوردت صحيفة  “غلوبس” الإسرائيلية في أيلول 2020 أنَ “إسرائيل تقترح إنشاء خط أنابيب نفط سعودي – إسرائيلي” سيوفر على المملكة الكثير من التكاليف الأمنية، ويقلل التهديدات الأمنية والاقتصادية للنفط المعتمد على طرق الملاحة البحرية، ويضعف أهمية حاجتها إلى تأمين اليمن وضمان استقراره المرتبط بشكل مباشر مع أمنها واستقرارها، غير أن هذا المقترح لا يعد بديلاً ناجعاً عن باب المندب، إلا في ما يتعلق بالصادرات النفطية والبتروكيماوية المعدة للتصدير إلى أوروبا وأميركا عبر البحر المتوسط.

وتحت سؤال لماذا يصرّون على اليمن في “إسرائيل”؟. يذكر موقع “إسرائيل ديفنس” أنه يمكن التقدير بأن إحدى الأطروحات هي مساعدة السعودية في إطار مفاوضات دبلوماسية، ويتابع أنهم في “إسرائيل” يريدون إنجاز اتفاق تطبيع مع السعودية، ويعلمون أن الطريق إلى الرياض تمر بصنعاء، وإذا أرادوا تقديم “هدية” لمحمد بن سلمان، ليس هناك هدية أفضل من المساعدة ضد “الحوثيين”.

ثانياً: أهمية الموقع الاستراتيجي لليمن والبحر الأحمر

يبرز اليمن بموقعه الجيوسياسي في قلب معادلات الصراع في المنطقة، وهو يطل على أحد أبرز المضائق في العالم، ويعد باب المندب من هذا المنطلق البوابة البحرية الوحيدة للكيان الإسرائيلي نحو الشرق، لذلك تجد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها معنية به وفق اعتبارات بالغة الأهمية.

مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية عبرت مراراً من خلال تسريبات عن تخوفها مستقبلاً من إمكانية استهداف قطعها البحرية في البحر الأحمر قبالة السواحل اليمنية، حيث تعتمد “إسرائيل” على الشحن البحري في معظم مبادلاتها التجارية، ووفق “هآرتس” تجري 90% من واردات وصادرات “إسرائيل” عبر البحر، و12% من هذه العمليات تمر في مضيق باب المندب.

وكان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد صرح في آب 2018 بأنَ “إسرائيل” ستشارك في العملية العسكرية لفك الحصار عن مضيق باب المندب، ما يدل على حساسية هذا الموضوع بالنسبة إليها.

وحين انتصرت ثورة 21 أيلول اليمنية عام 2014، خرج نتنياهو ليحذر من خطورة وصول “الحوثيين” إلى باب المندب، وكان ذلك تعبيراً مبكراً عن الهواجس من صعود دولة عربية جديدة إلى خط الصراع الأول مع الكيان.

وكانت “إسرائيل” ساعدت السلطات الإريترية على احتلال جزيرة حنيش الإستراتيجية، والآن تمتلك البحرية الإسرائيلية قاعدة عسكرية في إريتريا.

ثالثاً: اليمن بات من محور المقاومة

مع ذكرى “اليوم الوطني للصمود” الذي تزامن مع دخول العدوان على اليمن عامه السابع، أعلن زعيم “أنصار الله” عبد الملك الحوثي عن وجود دور أميركي وإسرائيلي وبريطاني مشترك في التخطيط للعدوان على بلاده، ورأى أنه كان هناك تحريض كبير عليه من قبل العدو الإسرائيلي قبل بدء العدوان, لدعمه المقاومة.

لم يكن هذا التأكيد هو الأول من نوعه، فقد حذر محمد ناصر العاطفي، وزير الدفاع في حكومة صنعاء، أواخر عام 2019، من أن قواته تمتلك بنك أهداف إسرائيلياً براً وبحراً، وكرر مسؤولون وقياديون يمنيون أكثر من مرة في صنعاء تهديدهم لـ”إسرائيل”.

مما يؤكد ذلك، في عام 2015، ومع اقتراب موعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، خرج نتنياهو بتصريح لافت يقول فيه: إن “محور إيران – لوزان – اليمن هو محور خطير جداً للبشرية جمعاء، ويجب العمل على وقفه” حينها اعتبرت السلطات في صنعاء هذا التصريح إشارة إلى الدور الإسرائيلي في العدوان.

ومن المؤشرات التي تدل على انضمام اليمن إلى جبهات التهديدات التي تواجه “إسرائيل”، ما جاء على لسان نتنياهو، إذ زعم في تشرين الأول 2019 أن إيران بدأت بالفعل بإدخال أسلحة دقيقة لضرب أي هدف في الشرق الأوسط، مضيفاً: “يهدفون إلى تطوير ذلك، وبدأوا بالفعل في إدخالها لليمن لضرب إسرائيل من هناك”.