مجلة البعث الأسبوعية

حرفيو طرطوس يستعدون لإطلاق سوقهم التراثي التخصصي.. من عبّارة!!

“البعث الأسبوعية” ــ محمد محمود

كان حلمُ حرفيي طرطوس أن يكون افتتاح سوقهم الأول ضمن بناء سياحي جميل يعكس خصوصية أعمالهم اليدوية، فيكون بناءً تظهر عليه لمسة الإبداع والعمل اليدوي والحرفي، وسوقاً تحت الشمس في موقع مميز من المدينة، تتوزع بداخله أعمال الحرفيين المتصلة بأصولهم الفينيقية العريقة، وحضارة مدينتهم السياحية الجميلة، وكانت الأفكار المقدمة في سبيل تحقيق هذا الهدف كثيرة جداً.

لكن الرياح خالفت آمال الحرفيين وأحلامهم ومطالبهم، وقادت سفينتهم لعبّارة أو نفق منسي مجاور

لشاطئ الكورنيش الشرقي، قبالة حديقة الطلائع، فحطوا رحالهم فيه، وأعلنوا إنشاء سوقهم الأول ليكون

ذلك المكان محطة انطلاق لإعادة إحياء المهن التراثية اليدوية، وتأطيرها ضمن سوق تراثي هو الأول من نوعه في المدينة، والمتوقع افتتاحه بعد اكتمال التجهيزات المطلوبة للمحلات الموجودة فيه.

 

نقطة بداية

ورغم أن النفق أو العبارة التي يفتتح السوق بداخلها دون آمال الحرفيين وطموحاتهم المنتظرة، لكنها – كما يرى معظمهم – مكان ثابت ونقطة انطلاق مستقرة، لمتابعة العمل الحرفي وعرض المنتجات اليدوية في سوق واحد بعد أن أتعبتهم كثرة التنقل بين المهرجانات والمعارض التي كانت تنظم في المحافظة بين فترة وأخرى، حيث كانت النافذة الوحيدة لعرض عمل الحرفيين.

زيارة موقع سوق المهن اليدوية الجديد أثناء تجهيزه لا تدل عليها سوى لوحة إعلانية كبيرة تتوسط الكورنيش مكتوب عليها “سوق المهن اليدوية”، وعندما تدخل في النفق تشاهد كيف تتوزع محلات الحرفيين التي اكتملت تقريباً، وتشعر بجدية العمل لتحسين مظهر السوق، وإضفاء لمسة جمالية على محلاته التي ستحتضن الإبداع الحرفي في المحافظة، فهناك حرف عديدة تعكس خصوصية طرطوس، والعمل الحرفي فيها مثل أعمال الحرير اليدوية، والصوف، والحلي المشغولة يدوياً، والفخار، والخيزران، والأعمال الخشبية، والنحت، وإنتاج العسل الطبيعي وغيرها.

 

خدمات مطلوبة

يصف محسن العجي، رئيس جمعية المهن اليدوية، السوق بأنه بداية خير للحرفيين ضمن هذه الظروف، وهو إنجاز مهم تم بعد جهد كبير، حيث يضم السوق سبعة عشر محلاً ستفتتح بأعمال ومهن تمثل التراث بمجملها، كذلك تركت ضمن السوق ثلاثة محلات دوارة تشبه المعارض يتناوب فيها الحرفيون الذي لم يحصلوا على أية محلات بالعرض. وأمل العجي أن يماثل هذا السوق، بعد انطلاقه، الأسواق التراثية في دمشق وحلب وباقي المدن، وأن تكون هناك أسواق أخرى تحتضن الحرفيين وتلقي الضوء على أعمالهم، مؤكدا أهمية تقديم الخدمات المطلوبة للسوق، خاصة أنه ضمن عبّارة لا يصلها الضوء كثيراً، لذلك من المهم أن يعالج موضوع الإنارة داخل السوق، وأن يكون هناك تخفيض لساعات التقنين أو تحسين لوضع الكهرباء ضمن النفق.

 

إحياء للتراث

في المقابل، تحدث الحرفيون عن أملهم بأن يساهم السوق بُعيد انطلاقه بتشجيعهم على الاستمرار بإحياء التراث العريق، والحفاظ على تاريخ الأجداد، وخصوصية مدينة طرطوس، فالحلم أصبح واقعاً بعد أن كان سوق المهن اليدوية والحرف التراثية مطلباً مستمراً للحرفيين في المحافظة، مؤكدين أن عرض وترويج أعمالهم اليدوية والتراثية سيؤمن لهم مورداً مالياً إضافياً يعينهم على مصاعب الحياة، خاصة في هذه الظروف,

ورأى النحات حسن محمد أن مشروع السوق حالة حضارية، وواجهة لسورية، وتاريخها، حيث توجد كل المهن والحرف اليدوية، وقال: أنا كنحات أعمل في ورشتي الخاصة، وأعرض إنتاجي، وحسب إمكانيات محدودة بالمكان أقدم ما يمكن، وعبر عن شكره لكل الذين عملوا لإنجاز هذا السوق لتحقيق الحلم.

من جهتها، تحدثت إنعام حمودي، وهي حرفية متخصصة بصناعة الحلي والمجوهرات اليدوية، عن أملها أن يضيف السوق لمسة جمالية، ويتحول إلى حاضنة للعمل اليدوي، مضيفة: من الجميل أن يكون هناك مكان ثابت لعرض منتجاتنا الحرفية.

 

لجان تقييم

ويتحدث منذر رمضان، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الحرفيين، ورئيس المكتب الثقافي والإعلامي بطرطوس، عن تنوع متجانس للحرف التي يحتويها السوق، ونظام استثمار بعيد عن المادية، فالأجور رمزية، وهناك نسبة ضئيلة للاتحاد لتنظيم بعض الأمور، وهناك كذلك موازنة مستقلة وحساب وإدارة مستقلتين للسوق تحت رعاية جمعية المهن اليدوية، وبإشراف اتحاد الحرفيين كمنظمة، وهناك لجنتان لتقييم الأعمال تضمان خبراء يقيمون الأعمال المنجزة في السوق، ويجوز لهما أن تستعينان بمن تريانه مناسباً في الأعمال التي تلتبس عليهما لتكون حقيقة من أعمالنا وتراثنا، ومنع المنتجات التجارية وإبعادها عن السوق، كذلك سيكون هناك تدريب ضمن السوق لبعض الحرف، وعمل يدوي، فالأمل أن يكون السوق نواة تدريب وحاضنة للأعمال الحرفية في المدينة.

 

هوية فريدة

ويتحدث رمضان كيف تم التركيز على المهن التي تعكس طابع مدينة طرطوس، وهويتها الفريدة، فيقول: نحن نبحث عن “شيوخ الكار” بالدرجة الأولى، والحرف التي تمثل الساحل السوري بتراثه وحضارته وتاريخه، والمطلوب دقة الاختيار، وسوف تجد مثلاً ركناً لصناعة الحرير، وركناً للفخار والأعمال الخشبية، وهذه مهن معرضة للاندثار، ومن يعملون بها أصبحوا قلائل؛ كذلك هناك مشروع الحلي الفينيقية، وبناء مجسمات سفن بمقاسات مختلفة، ونجد أيضاً منتجات الأرياف كصابون الغار والعسل، ويضيف: اليوم يمكن أن نطلق على هذا التجمع وصف المعرض الثابت لحرف التراث، فالحرفيون يحتاجون فعلاً لسوق أوسع، والأماكن المتوفرة قد تمثل الحالة الحرفية بشكل نسبي، لكن الحرفيين المسجلين هم أكثر من ذلك بكثير، وهم بحاجة لمكان أوسع يحتضن إبداعهم.

 

نؤمن بالوقائع

ويكشف رمضان تفاصيل رحلة بحث الحرفيين عن سوق لمنتجاتهم وحاضنة لعملهم، فيقول: طالبنا منذ سنوات بأرض على المطل البحري لتكون سوقاً للحرفيين، وكان الرد أن الأرض غير متوفرة، فكان اقتراح العبّارة بالحد الأدنى كبداية، فكانت أفضل الممكن، وتحولت بجهود الحرفيين اليوم لسوق هو “السوق رقم 1″، فنحن لا نؤمن بالأحلام، بل نؤمن بالوقائع، وخطتنا أن يكون هذا السوق نواة انطلاق لنشر أسواق في كافة المناطق والمدن والأرياف؛ ونحن عندما نتحدث عن حرف متناهية الصغر، نتحدث عن مشاريع تقدم دخلاً بسيطاً للحرفي في حال كان اعتماده عليها، فيجب أن يكون في منطقته، ومرسوم السيد الرئيس بشار الأسد، الذي صدر مؤخراً، فيما يتعلق بالمشاريع الصغيرة، سيكون داعماً لنا في حال تم تنفيذه بالشكل المطلوب، ونأمل ألا تكون الأسواق المقبلة في عبّارة، بل تحت نور الشمس، ونطالب أن يكون لهذا السوق مساحة متاخمة له وملاصقة على شاطئ البحر يصمم فيها بناء دائري بشكل هندسي جميل، بواجهة زجاجية مزخرفة تطل على شاطئ البحر من جهة، وكورنيش المدينة السياحية من جهة أخرى، ويكون امتداداً لسوق حرفيي طرطوس الحالي المتواجد ضمن النفق، آملين أن يتحول ذلك السوق لمعلم سياحي ثابت، ونقطة جذب للباحثين عن التراث والأعمال الإبداعية اليدوية في المدينة.

 

حرب هوية

ويختم رمضان: حلم الحرفيين الذي تحقق بعد عناء لم يكن مجرد استثمار لسوق عادي، بل هو استثمار في العقول والأيدي التي تنتج حضارة، وعندما نبني فكراً ونؤسس لجيل من الحرفيين فنحن نبني ثروة منتجة مادياً، فالماديات لا توصلنا لمكان، لكن ما يوصلنا لواقع أفضل هو الإنسان، والتفكير بواقع استثماري فقط ضمن هذا الإطار لا ينفع، لذا كان التركيز على تقديم واقع أفضل للحرفيين، واستمرار الأمل بتقديم أرض مطلة على البحر تمثل الهوية الحقيقية للحرف اليدوية، فالحرب اليوم هي حرب على الهوية، والمطلوب محو ذاكرة جيل بأكمله، لكن هذا الأمر لن يتم بوجود جنود مجهولين هم تلك الأيدي الماهرة التي تعكس حضارة سورية وماضيها العريق.