قراءة في “البكاء دفعة واحدة” للكاتبة رشا النقري
في متسع من الأمل والخوف وحكاية من أرصفة تعالت عليها وريقات الزمن، وبكت الروح بتنهيدة الوجع المتخفي خلف عباءة الواقع وحجم الهواء الذي كان من الصعب تنفسه في زمن وباء كورونا وزمن المتربصين على ساعة الوقت المتكئة خلف جدار الوقت.
هكذا قرأت “البكاء دفعة واحدة” وهي التجربة الأولى للكاتبة رشا النقري، وقد جمعت بين دفتي الكتاب الذي يضمّ مجموعة عناوين من الواقع، حيث جاء العنوان يحمل معه الكثير من التبعيات واللغة المتمردة على الواقع والصمت الذي يحبس أنفاس الفجر كمتسكع على حافة الموت يبهره كل شيء وغير قادر على البوح، وأول عنوان كان “الحرب والكورونا”، فقد قدمت قصة ليلى والذئب بأسلوب ذكي لتقول “ليلى من ظنت أن الخيانة تقتصر على البشر للبشر، ولكنها اكتشفت أن الخيانة خيانة وطن، أيضاً ليلى من لبست رداءها الأحمر مئة عام لكن جشع الذئاب لم يترك لها حتى الوشاح”.
قرأت فيها مجموعة أفكار حول علاقات المجتمع واعتمدت في قصصها على ملامسة الجانب الإنساني، وتتخذ المجموعة شكل القصة والمقالة القصيرة، وهو شكل سريع القص، عميق المعنى ومادة للتفكير في قضية باتت من شواغل الإنسان في عصرنا الحديث، وقد اتجهت إلى التأمل والبحث في قضايا المجتمع والأخلاق وتأصيل القيم، فمشاعر الكاتبة واضحة وجلية وتعكس خضم ما صرنا نعانيه من أزمات، هناك أفق في بعض النصوص، واستغراب واستنكار وقرار الوعظ والنصح، وفي قصة “أين المتسع” تقول: كلما رسمنا دائرة للفرح تملؤها أنانية حزن يجدوا له وسيلة وطريقة أين المتسع الآمال..؟ أين المتسع الضحكات..؟ أين المتسع نحن الأحياء؟.
الكاتبة رشا أرخت على شخصيتي القصة سواداً وتعتيماً، وفي حسبان القراء أرادت أن ترسم في ذهن كل منهم نصاً يفهمه وحده، ونكاد نرى أسلوب الخبر المعروف عند العرب، فكاتبتنا لا تنفصل عن الحب وإن لم ترسم له بداياته، تتضافر عبارات الوصف مع جمل السرد وهذه براعة أخرى في استعمال اللفظ تضاف إلى المضمون والشكل، فأسلوب الكتابة الذي لم يبتعد عن البساطة قد صار عميقاً صورة وتأثيراً، وقد اعتمدت الكاتبة على اللغة الرمزية وسجلت فكرتها بلغة بسيطة عادية، حيث اختزلت الكثير من الدلالات التي لم تبح بها تاركة المجال للقارئ ليشرع أبواب القصة على التأويلات المتعدّدة.
“البكاء دفعة واحدة” تعالج الكثير من الموضوعات وتختلف باختلاف القصص، حيث قُدم النص في قالب إخباري تميز بخصائص الطرافة والإدهاش والبعد الفلسفي، ونذكر بعض عناوين القصص: “وقت ضائع”، “نصف ساعة وتأتي الكهرباء”، “سيتامول”، “منتصف الطريق”.
هويدا محمد مصطفى