مائة يوم مخيبة للآمال
الدراسات
في تقييم الأيام المائة الأولى من رئاسة جو بايدن، حصل الرئيس الأمريكي على المديح في ما يخصّ الشأن الداخلي التي تتراوح بين الإغاثة الاقتصادية الكبيرة لفيروس كورونا، وإطلاق اللقاح، إلى خطط البنية التحتية الضخمة والمقترحات الجادة لمعالجة أزمة المناخ. أما على صعيد السياسة الخارجية، فيشعر العديد بالإحباط من قلة التغيير، رغم أن هناك نقاطاً مضيئة، مثل الدعوة إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وتمديد معاهدة ستارت الأمريكية الروسية لمدة خمس سنوات أخرى، والعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، ورفع العقوبات التي فرضها ترامب على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، واستعادة المساعدات للفلسطينيين.
لكن كل هذه الإيجابيات قليلة، وغالباً ما تكون عرضة للخطر. ففي حالة أفغانستان، على سبيل المثال، كان الالتزام بالموعد النهائي الذي تفاوضت عليه إدارة ترامب في الأول من أيار سيقود طالبان إلى مواصلة محادثات السلام وجعل الانسحاب أسهل، ولكن التأخير سيقود إلى تأجيج الأوضاع. وبينما تبدو إدارة بايدن مصمّمة على إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني، إلا أنها تباطأت، أو تراجعت، وفرضت شروطاً لا عقلانية!.
كما أنه من بين أكبر خيبات الأمل التي سجلها بايدن خلال المائة يوم هي ميزانية الأمن القومي المقترحة البالغة 753 مليار دولار، بزيادة قدرها 1.6 في المائة أو 13 مليار دولار عن الميزانية الأخيرة التي تمّ سنها في ظل إدارة ترامب، بدلاً من التخفيض بنسبة 10 في المائة. إضافة إلى إدراج المليارات في الميزانية العسكرية للأسلحة النووية الجديدة كجزء من “خطة التحديث النووي” البالغة 1.7 تريليون دولار والتي تتعارض مع معاهدة حظر الأسلحة النووية التي تمّ صياغتها حديثاً والتي وقعتها 50 دولة للإعلان عن الأسلحة النووية.
أما الأخطر فهو احتكار تكنولوجيا اللقاح والفشل في دعم التنازل عن اتفاقية “تريبس” والذي من شأنه أن يتنازل مؤقتاً عن حواجز الملكية الفكرية ويسمح للبلدان بتصنيع لقاح COVID-19 وتكنولوجيا العلاج محلياً في منظمة التجارة العالمية. يضاف إلى ذلك الترخيص لمبيعات أسلحة ضخمة للنظام السعودي، المسؤول عن تدمير اليمن، بالرغم من وعد حملة بايدن بأن الولايات المتحدة لن تدعم الحرب على اليمن.
علاوة على ذلك استمراره بالخطاب الناري واحتمال نشوب صراع عسكري ضد الصين وروسيا، حيث يرسل البنتاغون سفناً حربية في بحر الصين الجنوبي ويزيد من انتشار القوات على الحدود الغربية لروسيا. واستمرار الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني على الرغم من الدعوات المتزايدة لسياسة عادلة تضع شروطاً على المساعدات الأمريكية للكيان الإسرائيلي وتعترف بحقوق الفلسطينيين، بما في ذلك إنهاء هدم المنازل والتوسع الاستيطاني واحتجاز الأطفال من قبل الاحتلال. واستمراره بسياسة ترامب الفاشلة بالاعتراف بخوان غوايدو غير المنتخب كرئيس مؤقت لفنزويلا لتقويض حكومة الرئيس المنتخب مرتين نيكولاس مادورو، والإبقاء على عقوبات ترامب الإضافية، والحصار المفروض على كوبا بدلاً من العودة إلى سياسات التطبيع لإدارة أوباما، وعدم تعيين مبعوث خاص للإشراف على الإفراج عن السجناء الـ 40 المتبقين أو إعادة توطينهم أو محاكمتهم المدنية ونقل السجناء المناسبين وإغلاق سجن غوانتانامو بكوبا.
كان المجتمع الدولي مستعداً لسياسة خارجية جديدة تتمحور حول التعاون والسلام والدبلوماسية، وخاصة في مواجهة الوباء وأزمة المناخ العالمية التي تتطلّب التزاماً موحداً لخفض الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، لكن المائة يوم الأولى قلبت كل التوقعات، والمخيب للآمال أن بايدن، في الغالب، يواصل سياسات ترامب العسكرية المتسلطة على الساحة العالمية، وبالتالي فإن العديد من المنظمات والنشطاء المناهضين للحرب ستستمر في الضغط على الإدارة لتحسين سجل سياستها الخارجية في الأيام المائة القادمة، مع حث الكونغرس أيضاً على رفض الميزانية العسكرية المتزايدة لـ بايدن.