دراساتصحيفة البعث

أبعاد الاعتراف الأمريكي بالمجزرة العثمانية ضد الأرمن

محمد نادر العمري

بعد ساعات قليلة من الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس النظام التركي رجب أردوغان، اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن ما تعرض له الأرمن في تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى هي مجزرة، أو ما يمكن تسميته بـ “الهولوكست” العثماني التركي ضد الأرمن، ما أدى إلى كثرة التحليلات والتكهنات عن سبب اتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت ضد حليف واشنطن في الناتو، وبخاصة في ظل جهود تبذلها بعض النخب الأمريكية التي ترى إنه من الضروري احتواء تركيا وعدم ترك المجال أمام الروسي والصيني لاستقطابها من تحالفها ودورها الغربي.

بداية لا بد من الإشارة إلى أنه قد سبق للكونغرس الأميركي أن اعترف بإبادة الأرمن في نهاية عام 2019 في تصويت رمزي، لكن الرئيس دونالد ترامب، والذي كانت تربطه علاقة جيدة إلى حد ما بأردوغان، رفض استخدام هذه العبارة واكتفى بالحديث عن “واحدة من أسوأ الفظائع الجماعية في القرن العشرين”.

شهدت الإبادة العثمانية للأرمن أحداثاً مأساوية، استشهد فيها ما بين مليون و1.5 مليون أرمني بين عامي 1915 و1917 خلال الأيام الأخيرة للسلطنة العثمانية، وإن كان هذا القتل الجماعي قد وضع أساسه في عام 1895 بغية تقليص عدد الأرمن في تركيا، والقضاء عليهم قضاء تاماً في المستقبل، وبخاصة بعد اتهام السلطنة العثمانية الأقلية الأرمنية بأنها تعاونت مع روسيا في الحرب العالمية الأولى، بالرغم من عدم وجود أدلة تاريخية قاطعة تحسم وجود ذلك التعاون بشكل جماعي.

اليوم أعاد اعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن ذكرى تلك المذبحة البشعة والقتل الممنهج والتهجير، حيث تعرّض الآلاف من الأرمن للتعذيب والضرب واغتصاب النساء ومصادرة الممتلكات، وسيق الكثيرون منهم لمسافات طويلة في الجبال بلا طعام أو شراب ليلقوا حتفهم، وتصنّف أكثر من 20 دولة الواقعة كمذبحة.

اليوم في واشنطن وفي نيويورك، حيث تتواجد الجالية الأرمنية في قلب مانهاتن وفي جميع أنحاء الولايات، لا سيما في حي بايسايد في بروكلين وشمال شرق نيوجيرسي، ما زال أفرادها يجتمعون كل سنة في ذكرى تلك المجازر، التي لا يتقن القيام بمثلها سوى مغول الأتراك. وعندما تسألهم لماذا يجتمعون تكون الإجابة دائماً: “نحن نحيي ذكرى الضحايا حتى لا يضيع التاريخ أبداً أهوال ما حدث، ونتذكر حتى نظل يقظين دائماً ضد التأثير المدمر للكراهية بجميع أشكالها”.

اليوم بايدن أصبح أول رئيس أميركي يعترف رسمياً بمذبحة الأرمن أثناء حكم الدولة العثمانية على أنها “إبادة جماعية”، وهو اعتراف، يحاول بايدن إظهاره على إنه يشير إلى التزام أميركي بحقوق الإنسان العالمية، ولكن في الحقيقة موقفه له دلالات سياسية مرتبطة بطبيعة العلاقات المتردية بين الولايات المتحدة وتركيا على الدوام، ويبقى الاعتراف مجرد خطوة معنوية ليست أكثر تأتي في إطارمحاولة بايدن الوفاء بتعهداته الانتخابية تمهيداً لكسب فترة رئاسية ثانية، و الضغط على تركيا للعودة عن علاقاتها مع روسيا وإيران وانفتاحها على الصين.

والدليل على ذلك قول بايدن إن بلاده لا تريد محاسبة أحد إنما فقط عدم تكرار هذا السيناريو، والمؤشر الثاني هو اتصاله بأردوغان قبل ساعات لطمأنته. ولو أراد بايدن محاسبة أردوغان فعلاً عليه تجريم تنظيم “الإخوان المسلمين” ووضعه على قوائم الإرهاب.