دراساتصحيفة البعث

إيران تقترب من النصر والانزعاج الإسرائيلي تعرب عنه وسائل الإعلام

محمد نادر العمري

ضمن واقع متسارع من التصريحات والتحركات السياسية، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تسرب مؤشرات إزالة الصعوبات والعراقيل أمام عودة الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران، برز ذلك أولاً من خلال ماكشفه موقع (واي نت) الإسرائيلي بعد الاجتماع الذي جمع مستشار الأمن القومي الأميركي جاك ساليفان، ونظيره الإسرائيلي مئير بن شابات، في واشنطن، نقلاً عن  السفير الإسرائيلي  في العاصمة الأميركية “غلعاد إردان”، أن “الولايات المتحدة وإيران ستتوصلان إلى اتفاق نووي خلال أسابيع”. وعبّر عن أسفه لذلك قائلاً، إنه “بكل أسف أبلغنا الأميركيون أن هناك مصاعب تواجه المفاوضات مع إيران، ولا تزال تقديراتنا تشير إلى أن التوصل إلى التفاهم سيحصل في غضون الأسابيع المقبلة”. مضيفاً إنه “يوجد نقاش بشأن عدد العقوبات التي قد يتم رفعها، وكيف سيطبق الإيرانيون الاتفاق ويعودون له”.

وفي سياق المقابلة أشار سفير الكيان في واشنطن أن حكومة كيانه تعتقد أن العودة إلى الاتفاق الذي وقعه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وانسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب خطأ كبير، وهو ما يحمل مدلولين : الأول إن الكيان الإسرائيلي يعتبر عودة واشنطن للاتفاق هو نصر للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والثاني سيضعف موقف كل من واشنطن و”تل أبيب” في المنطقة، وقد يكون مدلولين معاً في ذات الوقت.

لذلك سعى السفير الإسرائيلي إلى شيطنة إيران وأكد أن الكيان الإسرائيلي لن يكون جزءاً من هذه العملية، ولن يمنحها الاتفاق الشرعية مضيفاً: لقد أوضحنا ذلك لساليفان وفريقه، وهو ما يؤكد على أن القرار الأمريكي اتخذ ولا عودة فيه، كما يؤكد أن الكيان لا يملك قوة ضغط للتأثير على هذا التوجه، كما إنه يؤكد من ناحية ثالثة أن العودة للاتفاق سيدفع بعض دول المنطقة لتغير سياساتها باتجاه إيران، وهذا برز في رسائل محمد بن سمان في حديثه الصحفي المطول مع الشرق الأوسط نهاية شهر نيسان الماضي، وبالتالي فإن ما حققه الكيان خلال الأعوام الأربعة الماضية من حقبة ترامب ينهار أمام أنظار الكيان المطوق في الأزمات بما في ذلك الحرج الذي سببته لهم انتفاضة المقدسيين المستمرة والعجز في تشكيل حكومة مستقرة وتآكل قوة الردع.

ما لبثت تصريحات السفير الإسرائيلي أن تتداول على وسائل الإعلام، حتى سارعت “قناة 13” الإسرائيلية عن كشف تقدير استعرضته الحكومة المصغرة في “إسرائيل” مؤخراً، حول الاتفاق النووي يتضمن أن “الأميركيين قريبين مسافة أيام من العودة إلى الاتفاق”. وأضافت القناة نقلاً عن مضمون هذا التقدير أن (واشنطن – طهران) “لا يناقشان إلى أين يريدان الوصول في النهاية، بل فقط ما هي سلسلة الخطوات التي تؤدي للعودة إلى الاتفاق”.

كما كشفت صحيفة “ايديعوت إحرنوت” الإسرائيلية إلى أنه خلال اجتماع رئيس “الموساد” يوسي كوهين مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي جرى بالمناسبة “بأجواء ودية” حسب وصفها، كوهين عرض قلق “إسرائيل”، وبايدن “أنصت وأبدى أيضاً تعاطفاً” وصفته الصحيفة بالتعاطف الكلامي فقط، مستدلة على ذلك بأن رغم هذا ” التعاطف ”  فإن بايدن “أبقى على الانطباع بأنه مصّر على العودة إلى الاتفاق النووي السابق كنقطة انطلاق، وهو يعتقد أنه بعد ذلك يمكن إجراء تحسينات عليه”.

قضية عودة واشنطن للاتفاق النووي مع إيران تشغل بشكل مكثف الأوساط الإسرائيلية، وهو ما ينعكس على وسائل الإعلام المقربة، بما في ذلك  موقع “والاه” الإسرائيلي، حيث حذر وفق مصادر مقربة من نتنياهو  من أن “الأميركيين يبدون مصممين على التوصل إلى صيغة اتفاق جديدة مع إيران قبل حزيران المقبل -أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية-“، فيما المساعي الإسرائيلية للضغط أكثر على طهران “لا تلقى إجابة” من إدارة البيت الأبيض.

لذلك اعتبرت صحيفة “هآرتس” أن الوفد الإسرائيلي الذي تواجد في واشنطن مؤخراً، للتداول في الاتّفاق النووي الإيراني “استقبل في العاصمة الأميركية بلياقة وإنصات، لكنه سجل على ما يبدو القليل جداً من التأثير العملي” لذلك انخفضت وتيرة التهديدات والتصريحات. حتى أن الصحيفة أوردت نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين كبار، أن الولايات المتحدة الأميركية تريد “تسييج” خلافاتها مع الكيان الإسرائيلي بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، حتى لا يتم الإضرار بالتعاون في القضايا الأخرى، لذلك من المتوقع أن تقدم واشنطن على المزيد من المعونات العسكرية للكيان.

هذا الكم الهائل من وتيرة الاهتمام الإعلامي الإسرائيلي، يتم في الواقع في ظل صمت رسمي باستثناء رئيس الحكومة المكلف _لأسباب انتخابية_، لكنه يعكس دون أدنى شك إرباكاً في الحسابات الإسرائيلية التي انصدمت بتيار بايدن المعاكس لرغباتها، وبخاصة إنه ثمة مؤشرات تدل على أن محادثات فيينا تسير في اتجاه ما تريده إيران، ولو بوتيرة بطيئة، من بينها ما أعلنه رئيس الوفد الإيراني المفاوض، بأن ثمة اتفاقاً على رفع العقوبات الأميركية عن معظم الإيرانيين المستهدفين بها، يشمل كيانات خاضعة لها وقطاعات كالطاقة والصناعة والتعاملات المالية. وبذلك يشهد لإيران نفسها الطويل خلال التفاوض وما سبقه من فترة التكييف مع العقوبات وقد يكون ذلك من عوامل نجاحها، في تحقيق إنجازات دبلوماسية.

مع ذلك يدرك المفاوض الإيراني أن المسألة معقدة ولن تنتهي هنا، ويرى الأمر طبيعياً أن يكون التقدم بطيئاً، وهذا ما تضمنته أيضاً تصريحات عراقجي، فالإيرانيون يريدون معالجة العقوبات على مستوياتها كافة ومن ثمة ضمان ديمومة الاتفاق.

وهذا التوجه ينسجم مع التفاؤل الحذر للسفير الروسي في المفاوضات، حيث عبر ميخائيل أوليانوف في تغريدة له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يؤكد الأخير:” أن هناك تقدماً، لمسه ممثلو إيران ومجموعة الأربعة زائد واحد، وهي روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.”

في المقابل فإن الدول الأوروبية الثلاث تبدي أسفها لبطء وتيرة المحادثات، وتشدد على أن هناك عملاً كثيراً يجب القيام به في وقت قليل وأن هناك نقاطاً شائكة هي الأبرز، لا تزال من دون حل، هذا الأسف نابع من قلق الأوروبيين من تراجع دورهم ونفوذهم في الفترة القادمة، وبخاصة إن تقارب إيران مع الصين روسيا سيحرم الكثير من شركات هذه الدول من العودة للاستثمار في إيران، وبخاصة بعد ظل موقعها المتذبذب وعدم الجدي بعد انسحاب ترامب منه، وهو ما يشير للتبعية الأوروبية للبيت البيضاوي وتوجهات رئيسه.

فوفق تقدير المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في نهاية نيسان، فإن إدارة بايدن وافقت على 85% من شروط إيران حتى الآن في المفاوضات التي تحصل بشكل غير مباشر. وأوضح التقرير أن “الأسبوع الأول من أيار وأيامه الكاملة قبل بلوغ حزيران، سيكون حاسماً بشأن نتيجة المفاوضات في فيينا”، مشيراً إلى أن “الكرة في الملعب الأميركي الآن”،  فإيران لا تبحث عن إعادة العلاقات مع أميركا إنما عودة واشنطن إلى مجموعة 5+1” بكل التزاماته، وتحاول طهران في ذات الوقت إنهاء ملف المعتقلين الإيرانيين في الولايات المتحدة وبريطانيا.

وهو ما استشعرته السعودية، التي بدأت تستشعر المتغيرات وتنزل من أعلى الشجرة لظروف وهو ما ألمح له بن سلمان بقوله إن “المملكة تطمح إلى إقامة علاقة جيدة ومميزة مع إيران باعتبارها دولة جارة”، وزيارة وزير الخارجية الإيراني لقطر والاتصال الهاتفي الذي جرى بعد ذلك بين أمير مشيخة قطر مع السعودي، وصولاً لتوافر معلومات حول اقتراب صدور قرار أممي يتضمن إسقاط القرار 2216، والتوجه نحو جمع الأطراف في اليمن تحت الفصل السابع لإنهاء ملف الحرب هناك بحوار داخلي.

كل ذلك يصب لصالح إيران ومحور المقاومة، وإيران إن ترفع سقف مطالبها وهي اليوم في موقع تفاوضي أفضل، تدرك في النهاية أن هناك عقوبات أقرها الكونغرس تحد من قدرة بايدن على إلغائها”، لذلك ستحصل على أكبر قدر من التنازلات قبل التفاوض المباشر، وسيكون لذلك أثر على حصول انفراجات إقليمية لن تصب في صالح الكيان الإسرائيلي.