مجلة البعث الأسبوعية

المدارس الصيفية فكرة جيدة بهدفين رياضي وتجاري.. أصحاب الدخل المحدود خارج المعادلة وجني الأرباح أزاح البوصلة عن الغاية!!  

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

في كل موسم، وبمثل هذا الوقت تقريباً، نتحدث عن المدارس الرياضية الصيفية وأثرها الإيجابي في احتواء صغارنا وأطفالنا وحمايتهم من اللهو في الشوارع، وترغيبهم بالرياضة كممارسة وثقافة وتربية، الروح الوطنية في صفوف النشء، إضافة إلى اكتشاف المواهب والخامات الواعدة بين الصغار لرفدهم للأندية وصقلهم وتنمية مهاراتهم؛ ونتحدث بالمقابل عن السلبيات التي تعترض عمل هذه المدارس أو بعضها، وقد تحول الهدف في الكثير منها إلى تجاري بحت دون الاستفادة من الأهداف الأخرى. وهذه الملاحظات متفاوتة بين مدرسة وأخرى، بعضها يعمل بإخلاص ويثابر على عمله، والبعض الآخر استفاد من هدف، وأهمل هدفا آخر، ومع ذك لم نجد في كل المواسم أن أحداً تحدث عن هذه المدارس، أو قيّمها، بدءاً من اللجان التنفيذية في المحافظات وصولاً إلى اتحادات الألعاب المعنية بشكل غير مباشر في هذه المدارس.

والقضية هنا لن تتوقف عند هذه المدارس التي أخذت الصفة الشرعية بموافقة الجهات الرياضية المسؤولة عنها، إنما الحديث يشمل المدارس الخاصة التي تفتتح هنا وهناك، وتستأجر الملاعب من الأندية والمدن الرياضية؛ وإذا كان الحديث عن هذه المدارس تجاريا وربحيا فإن الفائدة في القسم الأول يعود للأندية، أما في القسم الثاني فالفائدة غائبة عن كل الأهداف، سواء أكانت رياضية أو تجارية، والمشكلة أن هذه المدارس الرياضية الفردية التي تسكن ملاعبنا لها داعموها ومؤيدوها ومن يحمونها.

وهناك قصة أخرى تتعلق بما يسمى الأكاديمية، ولا ندري إن كان القائمون على هذا الصنف من المدارس يدركون معنى هذه الكلمة، وما وظيفتها؟ وكل الظن أنه تقليد غربي بالاسم ليس إلا!!

 

الوصف الإيجابي

في التوصيف العام لهذه المدارس بكل الأندية على مساحة القطر، نجد أنها تحظى باهتمام منه ما هو نوعي، ومنه ما هو عادي بالحدود الدنيا، فلم نجد أو نسمع عن حوادث هنا وهناك، فكانت الرعايا للأطفال بالحدود الدنيا عبر المشرفين المتابعين لعملهم بدقة، ويساهم في هذا الأمن والأمان وجود أهالي الطلاب أو معظمهم في أوقات المدرسة.

التعامل الإنساني مع الطفل موجود في كل المدارس، ويجد هؤلاء الأطفال متعة في الحضور وتمضية الوقت، وهذه من حسنات أنديتنا، وتطبقها من باب الدعاية والإعلان والتسويق؛ فأنديتنا في هذا الجانب تبحث عن التفوق ليبقى اسمها محلقاً، وهو ما يجذب الرواد بشكل مستمر، فكلما كان الأهل والطفل مسرورين من المدرسة كلما زاد رواد هذه المدرسة ونالت شهرة كبيرة.

ومن الأهداف الإيجابية أن الطفل يمضي أوقاتاً صحية بعيداً عن اللهو غير المحبب، وعن العبث في الشوارع والحدائق ما يعرضه للأذى السمعي أو الجسدي. وفي هذه المدارس، يضطر الطفل للنوم باكراً للاستيقاظ باكراً، وهذه تمنح الطفل صحة طبيعية جيدة، ثم يتعرف على الرياضة على أصولها من خلال اطلاعه على قواعد اللعب وأصوله، لتصبح الرياضة ثقافة عند الطفل وليست حالة فوضوية تمارس في الشارع وفي أي مكان، فالمدرب يعتبر أستاذاً فكما يتلقى علوم الرياضيات واللغات والأدب من الجيد أن يتلقى العلوم الرياضية عبر مختصين في هذه الألعاب؛ والحسنة هنا أن الطفل سيتعلق بالرياضة ضمن الأصول وسيشبع كل رغباته ويفرّغ طاقاته البدنية وكل شحناته السالبة، وبالمقابل من الممكن أن يملك الطفل موهبة فطرية بإحدى الرياضات فيمكن استثمار موهبته وتطويرها وتنمية طاقاته بشكل علمي صحيح.

من النواحي الإيجابية أن الأندية تؤمن فرص عمل جديدة لكوادرها وموظفيها والعاملين فيها، وهي فكرة حسنة ما دام الموضوع يصب في مصلحة المدرسة ونجاحها؛ وقد يكون لدينا بعض الملاحظات على بعض الأشخاص المستفيدين من هذه المدارس دون أن يكون لهم عمل أو وجود، وللأسف فهذا داء تعاني منه أنديتنا بوجود المستفيدين في كل مكان وزمان، وفي كل لجنة واحتفال وكرنفال وفريق ومدرسة.

 

الاختصاص المطلوب

والملاحظ أن المدارس عامة في ممارسة الرياضة، أي إن الطفل يمر على عدة رياضات، منها كرة القدم أو السلة وألعاب القوة والسباحة والبلياردو وكرة الطاولة والجمباز والشطرنج وغيرها، وهذا أمر قد لا يتوافق مع رغبة الطفل وميله الرياضي، وقد لا يحقق أهداف المدرسة سواء بالنسبة إلى الأطفال أو النادي؛ لذلك فالمقترح أن يتم الاتجاه إلى التخصص، بحيث تكون هناك مدرسة اختصاصية لمن يهوى كرة القدم وأخرى كرة السلة وغيرها للشطرنج أو ألعاب القوة، ولأن جميع الأطفال يحبون السباحة فلا بأس أن تكون فترة مشتركة للجميع، فالمدرسة يجب أن تضم فوائد إضافية غير رياضية كتعليم الكمبيوتر مثلاً، أو اللغات الأجنبية، وهذه تسهم بتنمية ثقافة الطفل وتدخل في بند الفوائد العامة، فالغاية أن ننشئ جيلاً مثقفاً واعياً ومتعلماً.

 

للأغنياء فقط

المشكلة الجديدة التي ظهرت هذا الموسم أن رسم الاشتراك في المدرسة الصيفية صار مبلغاً كبيراً يفوق راتب الموظف بضعفين، أي بصريح العبارة فإن أبناء الطبقة الفقيرة والموظفين لن يتمكنوا، هذا الصيف، من تسجيل أبنائهم، فإذا كان لدى العائلة ولدان أو ثلاثة فقد تحتاج لمبلغ قد يفوق النصف مليون ليرة لترضي نهم أبنائها بتمضية صيف جميل مع الرياضة!.

لذلك نقول إن المدارس الرياضية الصيفية فقدت أهم أهدافها لأنها لم تعد تستوعب الأطفال من ذوي الدخل المحدود، وهذا الأمر محزن للغاية، فالصغار يجب ألا يكون لهم ذنب في أسعار السوق والغلاء الفاحش وغيرها من هذه الأمور الاقتصادية والمعيشية؛ والأطفال خط أحمر يجب أن نوفر لهم البيئة الحسنة والأجواء المريحة وكل متطلبات الطفولة، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من منظمة الاتحاد الرياضي العام لتوجيه الأندية إلى تخفيض هذه الرسوم المرتفعة وتحويلها إلى رسوم رمزية تتوافق مع المستوى المعيشي للشرائح الفقيرة، فمن حق الطفل أن يلعب وأن يمارس الرياضة وألا يعوقه الفقر عن ممارسة أدنى حقوقه.

 

تجارة رابحة

الأندية تعتبر المدارس الصيفية تجارة رابحة تحصد منها الكثير من الأموال لرفد ميزانيتها، وهذا الأمر يعكر صفو هذه المدارس وينسف الكثير من أهدافها، ويجب أن نتعامل مع هذه المدارس ضمن مبدأ “لا إفراط ولا تفريط”، بحيث يمكن اعتبار هذه المدارس مشروعاً رياضياً غير ربحي مهمته مساعدة العوائل الفقيرة والكشف عن الموهوبين. فعندما تختفي الإنسانية من العمل ويصبح الهدف مادياً، لن نجني الثمار الصالحة، ولن نحقق الأهداف السامية النبيلة المطلوبة، لذلك لا بد من التغيير والاتجاه نحو أسعار اقتصادية رمزية بسيطة تكون بمتناول الجميع.

والمشكلة في أنديتنا – الكبيرة تحديداً – أن المال حولها إلى مؤسسات تجارية، وكم كنا نتمنى أن تكون رابحة، فنجد أنها تستنزف كل إمكانيات النادي واستثماراته وتضطر في الكثير من الأحيان إلى الاستدانة في سبيل فريق رجال كرة القدم؛ وعلى الأغلب نجد الفشل رفيق هذه الفرق، ونجد – بالمقابل – النفقات الباهظة تصرف يميناً ويساراً على كرتي القدم والسلة بداعي الاحتراف، وسبق أن تحدثنا عن عقود خيالية للاعبين لا يستحقون ما تدفع لهم الأندية من مال ومكافآت وحوافز، لذلك فالمستغرب أن النادي لديه استعداد أن ينفق على فريق كرة القدم مليار ليرة، أو أكثر، أو أقل بقليل، بينما يلهث وراء مئات الآلاف من المدارس الصيفية ليحرم أطفال المستقبل فرصة إشباع رغباتهم وهواياتهم؟

 

بلا رقابة

وهنا نعود لنتحدث عن دور اللجان التنفيذية في كل المحافظات، فنجد أن هذه اللجان لا دور لها في هذه المدارس لا من بعيد ولا من قريب، وهي تمنح الأندية السلطة المطلقة فيما تراه مناسباً، ونحن نتمنى أن يكون لها دور في ذلك من خلال مراقبة هذه المدارس ومدى فعاليتها ومعالجة الأخطاء الإدارية والتنظيمية إن وجدت؛ كما نتمنى مراقبة فنية من الاتحادات الرياضية، وهذه المراقبة ضرورية من خلال مناهج التدريب وأصوله، ونحن نجد أن المناهج في هذه الأندية عشوائية وتختلف من ناد لآخر، حسب خبرة المدرب ومزاجه.

من جهة أخرى، فإن تدريب الصغار بحاجة إلى اختصاصيين، وللأسف نجد أن الأندية ترضي من تشاء من كوادرها، أو لاعبيها الكبار، فتكلفهم إما بالتدريب أو الإشراف على المدرسة دون أن يكونوا مؤهلين لمثل هذه المهام الخاصة.

لذلك نتمنى من اللجان التنفيذية أن تمارس دور الرقيب على المدارس الصيفية، وأن يتم التنسيق والتشاور مع اتحادات الألعاب في الأمور الفنية، وصولاً إلى نتائج أفضل من كل النواحي.

 

المواهب الغائبة

ومن خلال اطلاعنا ومتابعتنا للمدارس الصيفية الرياضية، لم نجد أنها قد حققت الأهداف المرجوة منها، وأغلبها كان مسرحاً لتمضية الوقت دون أن يكون منجماً لاكتشاف المواهب والخامات الواعدة؛ وكلنا نعرف أن المواهب الرياضية تكتشف في الأعمار الصغيرة ليتم تبنيها وتنمية موهبتها، لكن هذا الأمر لم يحدث، ولم نسمع أن الرياضي الفلاني كان خريج مدرسة النادي الفلاني الصيفية، مع العلم أن هذه المدارس موجودة منذ عقود وليست وليدة السنوات الأخيرة.

ومثلها المدارس الاختصاصية برياضات معينة، والتي كانت وما تزال تضم العشرات من الأطفال بأعمار مختلفة، وهذا بمجمله يؤدي إلى قصور واضح في عمل هذه المدارس لنعود إلى أن غاية هذه المدرسة تحقيق الأهداف الثانوية التي تجنيها الأندية من خلال المال، إضافة إلى تشغيل عمالة الأندية.

والأمثلة هنا كثيرة، وربما أبرزها نجده في كرتي السلة والقدم، فلو كانت هذه المدارس مجدية ومحققة لأهدافها الرياضية – كما أريد لها – لما وجدنا الأندية تلهث وراء الاحتراف بحثاً عن لاعب هنا وهناك. ولو كان يتم الاعتناء بالمدارس بطريقة علمية وباهتمام كبير وملاحظة من اختصاصيين، لخرّجت سنوياً العديد من اللاعبين الذين ينتظرهم مستقبل مشرق في كل الألعاب الرياضية.

وهذه المشكلة تعاني منها كل أنديتنا، وللأسف باتت أنديتنا مستهلكة للرياضة وليست منتجة لها، بمعنى أنها تبحث عن اللاعب الجاهز ولا تبحث عن اللاعب الموهوب، والدليل أن هذه الأندية بمجملها لا تهتم بقواعدها، وتدير ظهرها لكل فئات النادي، لأن همها الأول والأخير فريق الرجال فقط.

وعملية الإنتاج يجب أن تمارسها كل أنديتنا، وبدون ذلك لن تدوم الرياضة وستنتهي، وهو ما بدأنا نشعر به في المواسم الأخيرة. وعلى سبيل المثال، بات عدد لاعبي كرة القدم معدوداً، وخيارات الأندية تتجه نحو عشرين أو ثلاثين لاعباً على الأكثر، بينما بقية اللاعبين إما انتهت صلاحيتهم أو هم دون المستوى المقبول، وهذا يؤثر بشكل مباشر على المنتخبات الوطنية. وهذا الكلام لا يخص كرة القدم وحدها، بل إن العديد من الألعاب الأخرى في طريقه ليصبح مثل الشطرنج أو الجمباز أو البلياردو، وقد أصبح عدد اللاعبين المزاولين لهذه الألعاب قليلاً جداً.

خير الكلام أن بناء الرياضة يبدأ من القاعدة، وتطوير القواعد يوجب علينا الاهتمام بها؛ ولأجل ذلك، ولأننا في موسم المدارس الرياضية الصيفية، نتمنى من القائمين على الرياضة على اختلاف مناصبهم ومهامهم بذل المزيد من الجهد في سبيل ولادة مدارس رياضية أنموذجية يمكن الاستفادة منها بكل المجالات.