حول أثر “البوميرانغ” المجتمعي

د. مهدي دخل الله

 

لا تتفق قوانين الطبيعة المادية مع قوانين الطبيعة الانسانية دائماً .. فما يحصل في عالم الفيزياء ليس متماثلاً بالضرورة مع ما يحصل في النفس البشرية، فردية كانت أم مجتمعية ..

في الفيزياء قانون شهير يقول أنه كلما ازداد الضغط اقتربنا من لحظة الانفجار ويليه الفناء.. في علم النفس المجتمعي قانون آخر : كلما ازداد الضغط تصاعد التحدي !..

إنه “أثر البوميرانغ” (Boomerang effect  ).

البوميرانغ هي أداة بدائية لصيد الطيور ، اخترعها السكان الأصليون في استراليا ، في العهود الغابرة . هي عبارة عن قطعة من الخشب شكلها ما بين شكل القوس والرقم (8) . يرميها الصياد باتجاه الطير ، فإذا لم تصبه تعود إلى يده بالقوة نفسها التي انطلقت بها . وكلما ازدادت الضربة قوة ازدادت قوة العودة إلى يد الصياد ..

ماذا يعني هذا في علم النفس ؟..

يعني أن المجتمع الواثق من ثقافته ومواقفه يزداد تمسكاً بها كلما ازداد عليه الضغط ، أي أنه يزداد تحدياً مع كل زيادة في الضغوط ..

صحيح أن المصطلح يشير إلى ظاهرة فيزيائية تتعلق بشكل أداة الصيد ، لكن الحديث هنا عن مضامين علم النفس المجتمعي .. والاستعارة شكلية فقط . إضافة إلى ذلك ، لا يوجد تناقض تام بين قوانين الطبيعة المادية والطبيعة الإنسانية ، وإنما التناقض قائم بين بعض هذه القوانين فحسب ، مثل قانون العلاقة بين الضغط والانفجار ( في الفيزياء ) ، وقانون الضغط والتحدي ( في علم النفس ) ..

قانون ” أثر البوميرانغ ” عبر عنه الشعب عندنا بصورة احتفالية ، وكأنه فرح بقدرته على التحدي وبقدرة قائده على التعبير عن هذه النفسية الجمعية لدى السوريين ..

السؤال الآن : ألم يكن هذا واضحاً لدى أعداء سورية ؟؟ فعندما صعدوا في ضغوطهم الاقتصادية والإعلامية والنفسية على السوريين ، ألم يتوقعوا بأنهم سيحصدون عكس ما يزرعون ؟ ألم يفكروا بأن الضغط على السوريين لن يؤدي إلى الانفجار ( أي الرضوخ ) ، وإنما سيولد مزيداً من التحدي ؟..

لا يهمني الجواب هنا .. لأن المشكلة مشكلتهم وليست مشكلتنا ..

سؤال آخر : هل سيتعلمون من الدرس في المستقبل ، أم إنهم سيبقون عند إيمانهم بقانون الفيزياء المذكور ، الضغوط ستؤدي إلى الانهيار ؟؟..

ربما كان من الأفضل ألا نتفاءل ، أو نتوقع فهماً إيجابياً لدى الرؤوس المعادية ، واعتبارهم بما حصل .. لا .. علينا أن نتوقع مزيداً من الضغوط نقابله بمزيد من التحدي ..

هذا يعني أن لا نأمل تغيراً في سياسات اعدائنا سوى إلى الأسوأ … أملنا الحقيقي ينبغي أن يكون في العمل ..

لا شك في أننا نتوقع مزيداً من الضغوط ، نقابلها بمزيد من التحدي !.. إنه ” أثر البوميرانغ ” مطبقاً على الواقع المجتمعي !..