صحيفة البعثمحليات

في ظل تغييب المجلس الأعلى للبحث العلمي.. ماذا بعد التصادم والإشكاليات مع “التعليم العالي”!؟

دمشق – لينا عدرة

أحدثت الهيئة العليا للبحث العلمي سنة 2005، ليتمحور عملها بدعم المؤسسات وفق ما تراه من أولويات وطنية، حيث تم في عام 2018 تقديم 305 عناوين لمشاريع بحثية خضعت للغربلة بحثاً عن الأكثر جدوى، إضافة إلى تمويل 22 مشروعاً في عام 2019 ليصل عدد المشاريع البحثية تقريبا ل49 مشروعاً بحثياً.

ويتحدث الدكتور مجدي الجمالي مدير الهيئة لـ “البعث” بكثيرٍ من الإسهاب عن أهمية وجود الهيئة، مؤكداً أنها رؤية مبكرة، ولكن ظروف الحرب أثرت كثيراً على عملها ما أخَّر تنفيذ المهام  الأربع التي أحدثت لأجلها، وأولها رسم سياسة العلم والتقانة والابتكار ليصدر تقرير في عام 2017 شمل  16 قطاعاً منها “البيئة والزراعة والصحة” كان نتيجة عصف ذهني لسنوات عبر لجان متخصصة بناء على بحث علمي، بينما تمحور عمل المهمة الثانية بموضوع غاية في الأهمية متعلق بالتشبيك المؤسساتي، بين الهيئات البحثية نفسها، لأننا حسب ما يرى الجمالي ونتيجة غياب التشبيك سنكون حكماً أمام أبحاث متكررة ورؤى غير واضحة، وسيكون عمل كل جهة على نحوٍ منفردٍ، مشدداً على أهمية وجود فكرة التشبيك، الأمر الغائب مع الأسف، بسبب ما نعانيه من فردية مؤسساتية، والبديل على الأقل يجب أن يكون بتشبيك على مستوى عال جداً بين المؤسسات البحثية، وهنا التشبيك يفترض أن يكون بين كل المؤسسات البحثية وقطاعات الإنتاجية الخدمية، ليؤمن البحث خدمةً، مُلبياً بذلك متطلبات لمؤسسةٍ بعينها، بينما تنحصر المهمة الأخيرة والتي في حال لو تمكنت الهيئة من تنفيذها، لكانت سلاحاً قوياً جداً بيد الهيئة، لكنها لم تتمكن، لأنها بالأساس لم تعطَ موازنة كبيرة، تتعلق بتنظيم موازنات البحث العلمي في الهيئات البحثية وفق الأولويات الوطنية التي منحها إياها المرسوم، ومن يقرأ مهمة الهيئة الأخيرة في المرسوم سيلحظ هذه الكتلة المالية الكبيرة.

مصلحة وطنية كبرى 

منذ إحداث الهيئة، كان هناك ما هو أشبه بتصادم لم يأت من فراغ، مع وزارة التعليم العالي حسب ما صرح الجمالي مبرراً ذلك بأن 80 بالمئة من البحث العلمي “كماً” في الجامعة، والباقي في الهيئات البحثية، ليأتي المرسوم الصادر في 2016 ويُحدث إشكاليات بعمل ومهام الهيئة، من خلال ربط العديد من الهيئات بوزارات معينة، وعلى اعتبار الوزارة الأقرب للهيئة هي وزارة التعليم العالي، والتي كما وضح الجمالي كان هناك تصادم بينها كوزارة معنية بجامعاتها وبين هيئة ربما ترى الوزارة  أنها تتدخل بشؤون معينة!؟ لتكون النتيجة في نهاية المطاف لصالح الوزارة وتصبح الهيئة العليا للبحث العلمي مرتبطة بوزير التعليم العالي، ما أحدث بعض التخبط، ومن وجهة نظر الدكتور الجمالي أن الإشكالية لا تكمن بربط الهيئة بالوزارة وإنما بمشكلة حقيقية في المرسوم نفسه، فالهيئة العليا كان لديها المجلس الأعلى برئاسة رئيس مجلس الوزراء مع سبع وزارت كالاقتصاد والمالية والصناعة، وهو مجلس معني بمراقبة عملها، ليتم فيما بعد إلغاؤه ليحل محله مجلس التعليم العالي، ما أحدث إشكالية كبيرة تمثلت بأن كل الهيئات العلمية البحثية التي هي خارج منظومة التعليم العالي اعتبرت نفسها غير معنية.! ما أفقد البحث العلمي رأسه!! فوزارة التعليم العالي هي” وزارة التعليم العالي والبحث العلمي” لكنها غير قادرة على السيطرة على البحث العلمي خارج نطاقها! وربما قد يكون لديها حتى داخل نطاقها مشكلة، إضافة إلى أن الحرب أوجدت تحديات كبيرة جداً لمنظومة التعليم  العالي بحد ذاته لتجد نفسها أي الوزارة أمام تحديات جمة، ويُضاف إليها ملف مهم جداً وهو ملف البحث العلمي، ما خلَّف عبءً كبيراً،  مضيفاً  لا بد من التذكير هنا أننا كهيئة ليس لدينا أي مشكلة مع أي مؤسسة، لأن كل ما نسعى إليه يتمثل بتحقيق المعادلة الأمثل لإدارة البحث العلمي في الجمهورية العربية السورية، فالحرب محنة ومعظم الدول التي تعرضت لظروف سيئة تمكنت أن تحول المحنة إلى فرصة، وإيران مثال  واضح جداً حيث استطاع الإيرانيون من الاعتماد على أنفسهم، ليتمكنوا من خلال منتجات البحث العلمي من الوصول لرقم  يعادل الرقم الذي يوفره النفط.!

تأخر سنتين!؟

وكما بين الجمالي أن سبب تأخير مشاريع نقل التكنولوجيا، ووحدات البحث والتطوير قرابة السنتين، كان نتيجة غياب المجلس الأعلى للبحث العملي، مؤكداً على عدم وجود أي مشكلة ببقائهم مرتبطين كهيئة بوزير التعليم  العالي، لأن  المشكلة  بتقديره تتمثل بغياب رأس يضبط البحث العلمي في سورية، وهنا يوضح الجمالي أنهم كهيئة عملوا على وضع خطة وطنية  لتمكين البحث العلمي في سورية أُقرت من مجلس الوزراء في العام 2019 وحددت مشكلتين أساسيتين: الأولى تتعلق بطبيعة معظم الأبحاث التي تنطلق من مكتب الباحث وهذا ما أوجد مشكلة كبيرة هي أن الغالبية الساحقة من الأبحاث ليس لها أهمية تطبيقية، مؤكداً “انفصالنا عن الواقع التنفيذي”، بينما تنحصر المشكلة الثانية  بالأبحاث التي نادراً ما تملك قيمة تطبيقية بالصدفة.! وليس لأنها قائمة على التخطيط، وبالتالي لا تُستثمَر، ليكون الحل  بما تم  طرحُهُ مسبقاً في شهر آذار من عام 2019 عندما تم إحداث وحدات بحث وتطوير في الوزارات وفي الشركات التابعة لها، مضيفاً أن الأمر الآخر الهام هو مأسسة مشروع مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا، والذي صدر عنه ثلاثة تقارير كان أهمها التقرير الأخير المتعلق بإحداث مكاتب نقل تكنولوجيا وهي “منظومة عالمية موجودة سواء في الدول العربية أو الغربية منذ أكثر من 50 سنة” والتي تتلخص بأن كل ما نحتاجه بحث له قيمة تطبيقية، لأن الباحث لا يمكنه دراسة جدوى اقتصادية أو متابعة كل المطلوب، وبالتالي كل ما عليه  فعله هو إرسال  بحثه لمكتب نقل التكنولوجيا بالجامعة الذي يتابع ادعاءاته عن أهمية بحثه ليُقيّم القيمة التطبيقية  ويؤمن المستثمر، ليتم بعدها متابعة الموضوع معه وفق القانون من خلال عقد نقل تكنولوجيا، تعطيه حصته كباحث وبنفس الوقت المستثمر يلبي خدمته عوضاً عن استقدام خبير أجنبي، ليكون الطرفين مستفيدين، إذاً المطلوب  فقط هو وجود طرف ثالث للتنسيق بينهما ليأخذ كلٍّ حقه، ما سيشكل حافزاً شخصياً ومادياً  للباحث، أما ما يخص مكاتب نقل التكنولوجيا فلقد تم اتخاذ قرار منذ فترة غير قصيرة  بإحداث “قرار من مجلس  التعليم العالي” في الجامعات، ليتم إحداث مكتب  نقل تكنولوجيا في الجامعة، ومن المفيد التذكير بوجود  مكتب وطني لنقل التكنولوجيا في الهيئة مهمته التنسيق بين المكاتب وتقديم أي دعم فني، بينما لا تزال وحدات البحث والتطوير  في مرحلة الكتب والمراسلات، لأن إحداثها  في المؤسسات يحتاج لقرار حكومي.

جذب الباحثين المغتربين

وأكد الجمالي على أن جذب الباحثين المغتربين موضوع مهم جداً، خاصة وأن المؤتَمَرين الأول والثاني للباحثين السوريين المغتربين اللذين عُقدا كان هدفهما الأساسي “نحو اقتصاد المعرفة” ودور الباحثين السوريين في الوطن والمغترب، إضافة لإحداث شراكة بين الداخل والخارج تعود بالفائدة على الوطن”، ومما لا شك فيه  أن  أهمية هذا الأمر ازدادت مع مغادرة  الكثير من الخبرات ولأسباب مختلفة، الأمر الذي سعت الهيئة له بالتعاون مع وزارة الخارجية، ليُشكِل من شارك في المؤتمر الأول نواة يُبنى عليها لاحقاً، خاصة مع التجهيز الجيد للمؤتمر الثالث الذي سيعقد بتاريخ 26/27تموز،  لما يشكله الباحثين المغتربين من  كتلة  خارجية  قوية في المؤسسات الأكاديمية المتواجدين فيها، ولأنه من  الضروري إفساح المجال لهم للعمل، لرسم إستراتجية ووضع خارطة للكفاءات السورية في الاغتراب.