دراساتصحيفة البعث

احتواء الصين في زيارة بايدن الخارجية

محمد نادر العمري

وصل الرئيس الأمريكي الديمقراطي إلى القارة العجوز وفي جعبته مسعيان رئيسيان، الأول ترميم العلاقات مع الدول الحليفة تقليدياً للولايات المتحدة ومعالجة ما أحدثه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من شرخ في العلاقات والمصالح، أدى ببعض الدول الأوروبية للنظر بتصحيح علاقاتها مع خصوم واشنطن التقليدين “روسيا والصين”، حتى إن مشهد تقبيل العلم الصيني في إيطاليا ورفعه مازال حاضراً في أذهان المتابعين للعلاقات الأمريكية الأوروبية أثناء انتشار جائحة كورونا، حيث سعى ترامب في تلك المرحلة وبعد خروجه من منظمة الصحة العالمية إلى احتكار إنتاج “مصل اللقاح” واستثماره اقتصادياً، في حين أن الصين أرسلت شحنات طبية وأطباء للمساعدة في احتواء الوباء وتقديم تجربتها في ذلك مجاناً ودون أي شروط سياسية. وهذه الصورة من المشهد يشكل دافعاً قوياً للإدارة الأمريكية الحالية لتصحيح مسار علاقاتها، على الأقل، لإبقاء تأثيرها على مراكز القرار في أوروبا وعدم إعطاء خصومها فرصة التقارب مع حلفائها التقليديين.

أما السبب الثاني فيتمثل فيما كشفته شبكة “سي إن إن” الأمريكية نقلاً عن مصادر مطلعة في البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن يخطّط لمعالجة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو عندما يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الحالي.

وهو ما يجعلنا نعتقد أن واشنطن اليوم تريد هندسة الوضع الدولي اليوم على غرار عقلية 1971 عندما قام ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية ووزير خارجيتها آنذاك بزيارة الصين والتمهيد للقاء قمة تاريخي بين الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والزعيم الصيني ماو، وهو ما أدى لبداية تبدل موازين القوى والمشهد في تلك الحقبة التاريخية المهمّة.

واليوم نجد أن عقلية فرق تسد سائدة في مزاجية السياسي والمفاوض الأمريكي، وهي قائمة على تغير المحاولات، حيث تسعى واشنطن إلى تأزيم الوضع الاقتصادي للاتحاد الروسي لاستمالته إلى اتفاقات هامشية تستهدف في خواتيمها احتواء التنين الصين، وهو ما دفع مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة إلى تبني قانون الابتكار والمنافسة، وهو عرض نادر للوحدة بين الحزبين الديمقراطي والحزب الجمهوري في الكونغرس، وتكريس ما يقارب من 173 مليار دولار لما سمّوه مواجهة التكنولوجيا الصينية، في الوقت الذي كان به بايدن يستعد للوصول إلى القارة العجوز.

فالمتأمل بتعمق في هذا القانون الأمريكي يلاحظ فيه عدة نقاط لافتة من حيث التوقيت والشكل والمضمون، فالقانون جاء قبل عقد بايدن أي اجتماع له مع حلفائه ومع روسيا، وهو ما يعني رسالة مبطنة مزدوجة بأن واشنطن قوية وتريد الحفاظ على مكانتها الدولية عبر استهداف النفوذ والتقدم الصيني، وأن على حلفاء واشنطن الوحدة كما فعل الكونغرس بين فريقيه المتناحرين لخدمة هذا الهدف، فالتأثير الصيني وفق الادعاء الأمريكي لن ينحصر على مكانة أميركا فقط، بل على مكانة الاتحاد الذي سيفقد أهميته في حال نجحت الصين في مشاريعها الجيو اقتصادية، وسيحول مركز الاهتمام من الغرب باتجاه الشرق.

من حيث الشكل فإنه يعيد لأذهان المتابعين للشأن الدولي عقلية الحرب الباردة ووسائلها وآلياتها، وهو ما دفع بكين لوصف القانون بأنه “مليء بعقلية الحرب الباردة الصفرية”. ورغم هذا التوافق الجمهوري الديمقراطي على تبني القانون وبحماسة، إلا أن كيسنجر نهاية أعوام 2019 و2020 نصح الإدارة الأمريكية بعد استفزاز التنين الصيني، معتبراً أن هذا الاستفزاز سيدفع الصين من التحول من الدبلوماسية الناعمة في التوسع إلى سياسة القوة الخشنة، وستعتمد على تطوير قدراتها العسكرية بشكل يفوق التصور الأمريكي، وهو ما قد يؤدي لمحاصرة القوات الأمريكية في جنوب شرق آسيا. كما أن الخصم التقليدي لأمريكا أي روسيا لم يكن على ثقة بالسلوك الأمريكي، وما يربطه اليوم من علاقات جيو استراتيجية مع الصين أكبر بكثير مما كان عليه الوضع السبعينات من القرن الماضي، كما أن المراهنة على تخلي موسكو عن حلفائها هو أمر غير مجدٍ. لذلك من المرجح أن المحاولات الأمريكية لن تنجح في مبتغاها في استهداف الصين عبر روسيا، وستشهد ربما فقط عودة السفيرين في البلدين والاتفاق على استئناف التشاور في بعض القضايا والملفات.

فالقول إن بايدن يسعى لحشد ما يسمّى المجتمعات الديمقراطية وإغراء الخصم الروسي لاحتواء الصين الشعبية لن يحصل بسهولة، هذا إن سلمنا بإمكانية تحقيقه، والدليل على ذلك كيف يمكن للولايات المتحدة التوجّه لمثل هذا التوجه وهي في الوقت نفسه طالب وزير دفاعها، لويد أوستن، الحفاظ على حوار في المجال العسكري مع الخصوم، وخاصة الصين، لمنع وقوع أي أزمة بين الطرفين لن تتحمّل واشنطن تبعاتها.