مشكلة المهاجرين تعزز الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي
سمر سامي السمارة
على الرغم من رجوح مشكلة انتشار وباء كوفيد-19 إلى حدّ ما، على مشكلة المهاجرين في الأشهر الأخيرة، إلا أن بروكسل تتوقع، مع استعادة خطوط النقل وفتح الحدود لغير الأوروبيين، تدفقات جديدة من المهاجرين غير الشرعيين الفارين من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في بلدانهم بعد كوفيد-19.
في الآونة الأخيرة، أصبحت بعض وجهات تدفقات الهجرة غير الشرعية، الشاغل الأكبر لأوروبا، فخلال الأسابيع الأخيرة فقط، تمّ تسجيل الكثير من القوارب الليبية في وسط البحر الأبيض المتوسط، وهي تبحر إلى إيطاليا من غرب إفريقيا عبر جزر الكناري.
وبحسب مؤسسة “فرونتكس” وصل 4500 مهاجر غير شرعي إلى جزر الكناري بين كانون الثاني ونيسان من هذا العام، أي ضعف من وصلوا عام 2020 للفترة نفسها، وهذه ليست النهاية وفقاً لمصادر الاتحاد الأوروبي.
كما ذكرت صحيفة “لو فيغارو” اليومية، أن أوروبا استرجعت الميثاق الجديد بشأن الهجرة واللجوء في شهر أيلول الماضي، معربةً عن أملها ضمان تسجيل جميع المهاجرين على الحدود الأوروبية، وترحيل من لا يحقّ لهم اللجوء، وتوزيع من تبقى بين الدول الأعضاء. وتشير الصحيفة إلى أن الميثاق نصّ أيضاً على تعزيز التعاون مع بلد منشأ المهاجرين غير الشرعيين وإنشاء مناطق عبور للحدّ من التدفق. وبحسب الصحيفة، يمكن أن يمنح مثل هذا النظام ضمانات لجميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، مثل البلدان التي تواجه تدفق المهاجرين أولاً كـ إيطاليا، وإسبانيا، واليونان، ومالطا، وقبرص، والبلدان التي يتوجّهون إليها مثل فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وهولندا وغيرها، وكذلك الدول التي رفضت منح اللجوء مثل بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك. وفي اللغة الرسمية، فإن الدول التي رفضت اللجوء مدعوة لـ “رعاية” عودة اللاجئين إلى أوطانهم، الأمر الذي سيكون بديلاً لإظهار التضامن.
ومع ذلك، توقفت حتى الآن، مناقشة هذه الوثيقة المكونة من 100 صفحة، ولا أحد يعرف متى ستتمّ معاودة مناقشتها، بينما تتعمّق التناقضات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالمشاركة في مصير اللاجئين غير الشرعيين.
بدورها، أرسلت وزارة داخلية قبرص التي تشهد حالة طوارئ بسبب تدفق المهاجرين، بياناً إلى المفوضية الأوروبية حول حالة الطوارئ الحالية للمهاجرين في البلاد، مؤكدةً عدم إمكانية سلطات الجزيرة قبول مهاجرين غير شرعيين جدد. وبحسب وزير الداخلية “نيكوس نوريس” تواجه البلاد موجة يومية من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون عبر البحر.
في ظل هذه الظروف، تدعو قبرص المفوضية الأوروبية إلى التدخل الفوري والعمل على منع الوصول غير الشرعي للمهاجرين للحدّ من المشكلة التي تواجهها الدولة، إذ قال رئيس وزارة الداخلية صراحة إن الحكومة لا تنوي تحويل قبرص إلى مخيم واسع للمهاجرين.
وبحسب صحيفة “دي فيلت” الألمانية اليومية، عارضت النمسا بشكل قاطع مطالبة المفوضية الأوروبية بتوزيع اللاجئين من إيطاليا على دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ويرى وزير داخلية النمسا كارل نيهامر أن توزيع اللاجئين ليس حلاً ولكنه جزء من المشكلة، ويتعيّن على الاتحاد الأوروبي التخلي عن هذه الفكرة والتركيز على عودة اللاجئين الذين لا يتمتعون بحق شرعي في البقاء في أوروبا.
في الأشهر الأخيرة، أصبحت مسألة مكافحة الهجرة غير الشرعية أكثر إلحاحاً بالنسبة للسلطات البريطانية، إذ وصل أكثر من 6000 طالب لجوء إلى البلاد بشكل غير شرعي في عام 2020، أي ثلاثة أضعاف القادمين في عام 2019 بأكمله. وهنا لابد من الإشارة إلى أن معظم اللاجئين غير الشرعيين يصلون إلى المملكة عن طريق فرنسا، حيث يعبرون القناة في قوارب صغيرة.
وكجزء من الحملة على الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا، ذكّر رئيس الوزراء بوريس جونسون قبل أيام بأحد الأسباب الرئيسية وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: “لاستعادة السيطرة على الحدود بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي”. ولهذه الغاية، سيقدم حزب المحافظين في هذا الشهر مشروع قانون إلى البرلمان لمناقشته. ويهدف مشروع القانون الذي تسبّبت بعض أحكامه بالفعل بحالات استياء في برلين وباريس، إلى تغيير قانون الهجرة بشكل جذري. وينصّ على أنه “ينبغي إتاحة الوصول إلى نظام اللجوء لدينا للمحتاجين، وليس أولئك الذين يستطيعون الدفع مقابل خدمات المهربين”.
وللقيام بذلك، تعتزم لندن وضع خط حدود واضح، إذ يفقد أي شخص يصل بشكل غير شرعي عبر القناة، حقه في الإقامة الطويلة ولا يمكنه الاعتماد إلا على اللجوء المؤقت، إضافة إلى ذلك، يصبح لمّ شمل المهاجر لأسرته أمراً مستحيلاً من الناحية العملية. كما سينتظر طالبو اللجوء في المملكة المتحدة قراراً بشأن وضعهم في الجزر التي تشكل أقاليم ما وراء البحار التابعة لبريطانيا، وهي حالياً جزر أسنسيون في جنوب المحيط الأطلسي، والتي تبلغ مساحتها أكثر من 6000 كيلومتر وتبعد 3728 ميلاً عن لندن، إضافة إلى عدم قبول طالبي اللجوء ممن وصلوا عبر دول أخرى مثل بلجيكا أو فرنسا، حيث كان بإمكانهم تقديم طلب اللجوء هناك، خاصة وأن المملكة المتحدة لم تعد خاضعة للائحة دبلن والتي تسمح لطالبي اللجوء بالعودة إلى أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وفقاً لصحيفة “الغارديان” يرى أعضاء البرلمان الأوروبي، أن السلطات البريطانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تطبق إجراءات صارمة وقاسية ضد الوافدين الجدد من الاتحاد الأوروبي، ما تسبّب في استياء شديد في أوروبا، ومن دون أدنى شك غالباً ما يتمّ إرسال أي شخص يدخل بريطانيا للعمل، إلى مركز الاحتجاز الخاص بالرعايا الأجانب.
في الواقع، بريطانيا ليست الدولة الوحيدة التي تسعى إلى تشديد قوانين الهجرة على وجه السرعة، فقد أقرّ البرلمان الدانماركي، على وجه الخصوص، قانوناً يمنح السلطات المحلية الحق في ترحيل المتقدمين بطلب اللجوء خارج أوروبا أثناء معالجة طلباتهم. وهي مبادرة أثارت قلق كلّ من المؤسسات الخيرية وسلطات الاتحاد الأوروبي التي اعتبرت أنها محاولة من قبل كوبنهاغن للتهرب من مسؤولياتها داخل الكتلة.
وذكرت “يورونيوز” أنه مع وصول 1.8 مليون لاجئ ومهاجر غير شرعي إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2015، نفذت العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك اليونان، إستراتيجية أكثر صرامة للحدّ من محاولات دخول أراضيها بشكل غير شرعي، حيث وضعت حواجز مادية ووهمية في السنوات الأخيرة، على طول نهر إيفروس، الذي يقسم اليونان وتركيا، بما في ذلك أجهزة مدافع صوتية لمنع تدفق اللاجئين.
على مدى السنوات الخمس الماضية، استثمر الاتحاد الأوروبي ثلاثة مليارات يورو لتوفير تقنيات حديثة لإدارة أمن الحدود، ويخشى نشطاء حقوق الإنسان والأحزاب اليسارية الأوروبية هجوماً آخر على الحقوق الأساسية للمواطنين.
أما بالنسبة لسياسة أثينا “المثيرة للجدل” تجاه طالبي اللجوء في أوروبا، فقد اتهم المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا “عمر جيليك” خفر السواحل اليوناني في 19 نيسان الماضي بمحاولة “سكب البنزين على طالبي اللجوء وحرقهم، وصدّ أكثر من 80،000 لاجئ في السنوات الثلاث الماضية لإجبارهم على العودة”!.
وبدورها، تواجه إسبانيا إلى جانب الجيش، تدفقاً غير مسبوق للمهاجرين غير الشرعيين من المغرب، لذا عزّزت مدريد وجود قوات الأمن الداخلي في المنطقة الجنوبية من البلاد، ولم تكتفِ بإعادة نشر قوات شرطة إضافية فحسب، بل نشرت وحدات من الجيش في سبتة.