دراساتصحيفة البعث

قمة بوتين – بايدن.. عبارات منمقة وحلول غائبة

محمد نادر العمري

كما هو متوقع، لم تفضِ القمة الأولى، التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن في جنيف، لأي مخرجات تشكل حلولاً جذرية للمشكلات الدولية، بل يمكن وصف القمة التي استضافها قصر جنيف، الذي وُقعت به الاتفاقية الأولى فيما يخصّ القانون الدولي 1864، بأنها قمة الخلافات المعلقة، أو قمة المشكلات الكثيرة والحلول النادرة، خاصة وأن صورة عدم التوافق برزت في أكثر من ملاحظة أو نقطة يمكن لأي متابع تلمسها دون عناء، باستثناء الاتفاق على عدم حصول مواجهة نووية بين الدولتين. حتى هذه النقطة غير ملزمة ولا يمكن اعتمادها كأحد الملفات التي حلّت في هذه الاجتماع لسببين رئيسيين، الأول أن الاتفاق على ذلك لم يكن مكتوباً وموقعاً من الرئيسين أو من وزرائهما، وكذلك تشكّل هذه النقطة عرفاً سائداً في طبيعة العلاقات بينهما منذ أزمة كوبا الصاروخية في عام 1960.

لذلك، فإن الملاحظات تنصبّ بشكل رئيسي حول الشكليات البروتوكولية والإجرائية، والتي لم تغب عنها طبيعة الصراع، فالاجتماع بدأ منذ الاتفاق على عقده، وعدم الوصول لنتائج معلنة هو شيء طبيعي نتيجة كثرة وتعقد الملفات والقضايا ذات المرجعية الخلافية بين الجانبين، واستمرار الاجتماع لمدة أربع ساعات لا يعدّ مدة طويلة بالنسبة لاجتماع قمة بين دولتين تعتبران الأكثر هيمنة على النظام الدولي، وهي غير كافية للتطرق لكل الملفات الخلافية.

إذن النقطة الأولى التي يجب الوقوف عندها هي شكل اللقاء، والذي يمكن الإشارة من خلاله لعدة نقاط أساسية: الأولى، مكان القمة هو مدينة جنيف التي لها رمزية فيما يتعلق بعقد اتفاقات السلام، وقصرها الذي يعتبر أول منبر وُقعت في رحابه قواعد للقانون الدولي، وهنا فإن اللجان التي نظمت واتفقت على موقع الاستضافة، من كل الجانبين، كانت تريد الإظهار للعالم بأن روسيا والولايات المتحدة هما المحركان الأساسيان للسلام ولحلول الأزمات، ومن شاهد المكتبة العملاقة ووضع الكرة الأرضية في منتصف اجتماع الرئيسين، يتأكد من ذلك.

الثانية، المصافحة الحارة بين الرئيسين على الرغم من انتشار جائحة كورونا، والاتفاق الرسمي والدبلوماسي في القمم الثنائية والدولية على مختلف مستوياتها، على عدم المصافحة، ولكن هنا رسالة يراد إيصالها، بأنها بداية لعلاقات جيدة بين الجانبين، وأن المصافحة ترمز للرغبة في التوافق، ولكن في الجانب الآخر قد تقرأ على شكل صراع، يتمثل في رغبة كل من بوتين وبايدن القول للعالم بأنه على ثقة باللقاح المنتج في دولته، وخاصة بايدن الذي تلقت شركاته الأمريكية العديد من الملاحظات حول الآثار الجانبية للقاحات الثلاثة، بينما الرئيس الروسي كانت رسالته تتمثل في أن رفض الغرب الاعتراف باللقاح الروسي “سبوتنيك 3” لم يكن بسبب عدم نجاعته، بل لأسباب اقتصادية وتكنولوجية، فالغرب يريد حصار العقار، كما يحاصر روسيا. أما تكنولوجياً فيتمثل في الضغوط الأمريكية على الغرب عموماً لعدم شراء اللقاح، لأن شراءه سيعني إقراراً من الغرب بالتقدم التكنولوجي الصناعي الروسي، وهو ماسيفقد المنظومة الرأسمالية بريقها على مستوى النظام الدولي.

أما الجانب الثالث من الاجتماع فيتمثل في تفرد كل من الرئيسين بعقد المؤتمر الصحفي، وهو ما يؤكد وجود الخلاف وغياب التوافق من جانب، ولكنه يؤكّد من جانب آخر حقيقتين باتتا تشكلان نوعاً مما يُسمّى “تغيير موازين القوى”، فالحقيقة الأولى تمثلت في مسارعة الرئيس الروسي للإعلام وحديثه مع الوكالات بما في ذلك الأمريكية للتأكيد من ناحية أنه بصحة جيدة، ومن ناحية أخرى للقول بأنه من موقعه كرئيس لدول كبرى لابد من أن يكون واضحاً أمام الرأي العام العالمي ووضعه أمام حقيقة الدور الروسي. في حين تتمثل الحقيقة الثانية لدى الجانب الأمريكي بشقين: الأول تزايد التأكيدات باتهام الرئيس السابق ترامب لـ بايدن بأنه لا يتمتّع بصحة سليمة لممارسة أعماله بصورة مستمرة، وهو ما دفعه لأخذ قسط من الراحة مابين الاجتماع والمؤتمر، والثانية تكمن في الضغوط التي مارسها مستشارو بايدن لعدم إجراء مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي واحتمال موافقته على بعض النقاط حرجاً أو انطلاقاً من ضعف التركيز الذهني لـ بايدن.

هاتان الحقيقتان تقودانا نحو حقيقة ثالثة، مفادها أن العبارات الدبلوماسية ووصف اللقاء بأنه مثمر لم تقنع بعدم وجود مسائل خلافية جوهرية، فكلام بوتين أن بإمكان البلدين حلّ المشكلات في حال توافقنا، وتصريح بايدن أنه يمكننا العمل حيث نستطيع، تقودنا لحقيقة جوهرية بأن الهوة كبيرة وعميقة، أي باختصار: العبارات الدبلوماسية المنمّقة لم تستطع إخفاء الإخفاق في معالجة جروح العالم المتأزمة!.