تحقيقاتصحيفة البعث

هل انتهينا بشكلٍ كليٍّ من مشكلة “تشابه الأسماء”؟

عراقيل وعقبات كثيرة تؤرّق كاهل المواطن، يحتاج الانتهاء منها وبشكلٍ جذريٍّ فقط للجرأة في اتخاذ القرار، وقد تكون مشكلة تشابه الأسماء، أبرزها لما شكلته من عبء كبير على المواطن، ولفترةٍ زمنيةٍ ليست بالقصيرة، ورغم التعميم الأخير الذي أصدرته وزارة الداخلية في آذار الماضي، المتضمن “التقيد التام باستيفاء كافة البيانات الشخصية المتعلقة بالأشخاص الواردة أسماؤهم في محاضر الضبوط المنظمة في الوحدات الشرطية، وبشكلٍ خاصٍ الرقم الوطني”، وما أشاعه من أجواء ارتياح، إلا أن وجود بعض العثرات سيمنع ختم الملف بشكلٍ نهائيّ.

العميد بسام سليم رئيس فرع التسجيل الجنائي في إدارة الأمن الجنائي أكد في حديثه لـ”البعث” صدور عدة قرارات تخصّ تشابه الأسماء، آخرها التعميم رقم 441/ص تاريخ 6/3/2021 الصادر عن وزير الداخلية، الذي خلَّف آثاراً إيجابية في حل مسألة تشابه الأسماء، وخاصة لما كان يتكبده المواطن من عناء، موضحاً أن أحد أهم أسباب هذه المشكلة يرجع إلى الزيادة الكبيرة لعدد السكان، وما ينتج عنها من تكرارٍ لأسماءٍ مختلفةٍ ومتداولةٍ، والتي غالباً ما تكون على اسم الأب والابن.

الحل..

لمعالجة هذه المشكلة تمّ ربط بوابة مع الشؤون المدنية بحيث تتمّ مقارنة المعلومات المتوفرة بالبرقيات “إذاعة البحث” غير المكتملة مع الأشخاص المتقدمين للحصول على خلاصة السجل العدلي “اللا حكم عليه” وبذلك يتمّ معرفة الشخص المطلوب، وفق ما أوضح سليم، مؤكداً عدم توقيف الأشخاص لوجود تشابه باسم ثنائي أو ثلاثي عليه، سعياً لتسهيل إجراءات المواطنين وإنجاز معاملاتهم دون تأخير.

حساسية وخصوصية!

المحامي منيب اليوسفي لم ينفِ أهمية التعميمات الصادرة عن وزارتي العدل والداخلية المتعلقة بتشابه الأسماء، غير أن الإجراء الصادر عن الوزارتين جاء “تحصيل حاصل” -على حدّ تعبيره، وهذا ما كان يتوجب عليهما القيام به منذ زمن، مع تأكيده أن الأمر لن يحلّ بشكلٍ نهائي لأسبابٍ عديدة، أهمها أن التعليمات الصادرة عن وزير الداخلية على اعتباره سلطة تنفيذية للقرارات الصادرة عن السلطة القضائية، لا تجيز عادةً للسلطة التنفيذية كـ”الأمن الجنائي أو الشرطة أو غيرها” أن تلاحق شخصاً مهما كان نوع الجريمة، إلا ضمن تحقيقات وعرض الموضوع على السلطة القضائية “رئيس النيابة أو المحامي العام”، الذي يوعز بدوره بإذاعة البحث، وهنا يأتي دور السلطة التنفيذية بإذاعة البحث عن شخص معيّن، وقد تكون إذاعة البحث -على سبيل المثال- مفتوحة، ليتمّ بعدها ختم الضبط وإحالة التحقيقات إلى المرجع القضائي، وهنا تكمن المشكلة، لأن إذاعة البحث لا تزال سارية ومعمّمة على كل مخارج وأنحاء ومنافذ ومراكز القطر!.

ما يحدث أحياناً، وهنا الفرق بين التعميمين الصادرين عن الداخلية والعدل مع العلم أنهما مكملان لبعضهما، أنه وعندما يقوم أحدهم بالادعاء على شخص معيّن ولا يعرف إلا اسمه فقط “فلان ابن فلان” أي لا يعلم مفصَّل هويته أو اسم أبوه، تتم إذاعة البحث على الاسم المطلوب، ولاسيما الأسماء الحيادية والشائعة، أو التي يتكرر فيها اسم الأب، ليحدث تشابه الأسماء، فقد تجمع المصادفة أحدهم مع الاسم المطلوب نفسه!، ويتمّ استجوابه وأحياناً توقيفه وسؤاله، ومن ثم عرض الموضوع على القضاء، ليتبين لاحقاً أنه ليس الشخص الموجود في البرقية، والنتيجة تقييد واعتداء على حرية المواطن، الأمر الذي لم يجزه المُشرِّع أصلاً، فقانون أصول المحاكمات أكد ضرورة بيان اسم المدّعي والمدّعى عليه ومفصل هويته وعنوان إقامته إن وجد، ما يعيدنا إلى موضوع التعميم الصادر عن وزير الداخلية الذي هو ترجمة حرفية لقرارات السلطة القضائية، لأن إذاعة البحث عن الشخص تلزم السلطة التنفيذية “الشرطة، المباحث” معرفة كامل مفصل هويته.

وأضاف اليوسفي: وجود الأتمتة ووحدة الشبكة مابين دائرة الأحوال المدنية وأقسام الشرطة يساعد ويسهّل معرفة المطلوب في إذاعة البحث، ولاسيما إذا كان الطرف الآخر لا يملك أية معلومات عن الطرف المدعى عليه، لتقوم الجهات المعنية بالتواصل مع دائرة الأحوال المدنية واستجلاب بيان عن إخراج قيد وعرض الصورة إن وجدت، ليتمكن الشخص الشاكي من التأكد من تحديد ما إذا كان هو الشخص المطلوب من خلال ادعائه، هذا فيما يتعلق بالتعميم الصادر عن وزير الداخلية.

وهنا لا بد من الإشارة -يتابع اليوسفي- إلى أن هذه المرحلة هي مرحلة استدراك لما تمّ فواته سابقاً، إضافة إلى نقطة لم تقم وزارة الداخلية بتغطيتها، ولاسيما عندما يتم إذاعة البحث عن شخص وتُحال الأوراق إلى المحكمة، وتُصدِر المحكمة حكمها “خاصةً في مواجهة الأشخاص المتوارين عن وجه العدالة”، إذ يصدر عليهم حكم يُحال إلى رئيس دائرة  تنفيذ الأحكام الجزائية “المنفذ للقرارات الجزائية”، فعندما تُحال القضية إلى تنفيذ القرارات الجزائية لإذاعة البحث عن  الشخص ويتعمّم أنه مطلوب للقضاء، لا يتمّ تنفيذ الحكم من قبل دائرة تنفيذ القرارات الجزائية بإذاعة البحث عن الشخص، إلا بمعرفة بيان مفصل هويته اسمه الثلاثي واسم الأب والأم والرقم الوطني.

أتمتة.. ولكن؟

يؤكد اليوسفي ضرورة أخذ موضوع الأتمتة بعين الاعتبار، وخاصةً في ظل الظرف القائم، فتجربة الصرافات الآلية، وما نتج عنها من حالات اكتظاظ وطوابير لمواطنين على مدار الشهر، تؤكد ضرورة إيجاد آلية تتعلق بحُسنِ تطبيق هذه المنظومة، وطالما أننا سنعتمد على الشبكة والمعلوماتية، فأقلُّهُ أن تكون شبكة مُدعمة ومُفعَّلة بشكل كامل، ولا تحتمل أي خطأ من الأخطاء، وخاصة في ظل اتجاهنا نحو حكومةٍ مؤتمتةٍ، ما يُوجِب تأمين بنية أرضية متينة ومتماسكة.

تثبت إدانته

أشار اليوسفي إلى نقطة جوهرية تضمنها الدستور تقول وبالحرف الواحد: كل مواطن بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم!، مستغرباً: لماذا يتوجّب على المواطن إذن في حال رغب باستصدار إجازة سوق خصوصية أو عمومية أو التقدم إلى وظيفة إحضار “لاحكم عليه”؟ ولماذا تفترض الحكومة مسبقاً أنه محكوم وعليه إثبات العكس؟ في حين أن الأصل في الأشياء هو البراءة، ولماذا تنظر الحكومة إلى المواطنين جميعهم على أنهم مدانون وعليهم إثبات العكس؟ في حين أن الإجراء الصحيح أن يقدم المواطن بيانات متضمنة أنه غير محكوم، ليتقدم بها إلى الجهة الحكومية التي عليها عبء تفحص هذه المعلومات، وعندما يتبيّن أن الشخص المتقدم محكوم على خلاف ما سبق وقدمه، تلاحقه بجرم تقديم بيانات كاذبة، وبالتالي توفر وتسهل على المواطن إنجاز أموره. والأمر نفسه ينطبق على المعاملات الإدارية عندما يطلب من المواطن إحضار براءة ذمة، فلماذا افترض أنه مشغول الذمة؟ إذا كان القانون والدستور يقولان الأصل في الأشياء هو البراءة إلى أن يثبت العكس، والدستور أبو القوانين يقول كل مواطن بريء، ما يعني أن النظرة العامة للمواطنين أنهم أبرياء.. مفارقات كثيرة ذكرها اليوسفي شكلت عبئاً على المواطن، تمّ حلها لاحقاً كتلك المتعلقة بتنظيم وكالة، والتي كانت تحتاج “إحضار شاهدَين!” متسائلاً بما أن أي مواطن يمتلك هوية شخصية صادرة عن الدولة السورية.! فهل سيكون الشاهدان أصدق من الهوية التي تعترف الدولة بها؟ وخاصةً مع ما أفرزه ذلك القرار في وقتها من مهنة “الشهود”، وبقاء الوضع على حاله، لحين صدور تعميم من وزير الداخلية وآخر من وزير العدل “تضمنا الاكتفاء بالبطاقة الشخصية لتنظيم الوكالة”!!.

الخطأ وارد!

هذا ما قد يحصل فعلاً عندما يقوم الموظف المسؤول عن إنزال الرقم الوطني، بإنزال رقم غير الرقم المطلوب، وهو ما يحدث كثيراً في الولادات، عندما يتمّ تسجيل الطفل “ذكر” عوضاً عن  أنثى!، لتبدأ المشكلة إن وجد أخ آخر، خاصة مع تكليفه بالخدمة العسكرية، علماً أنه قد يكون وحيداً، لتدخل الأسرة لاحقاً في معاملة ومتاهة نتيجة خطأ أحد الموظفين، وهو ما قد يحصل أيضاً في المصالح العقارية كوضع “إشارة منع تصرف على عقار نتيجة خطأ برقم”! خطأ يرتكبه أحد الموظفين، لا نعلم إذا كان هناك من سيحاسبه؟ لما تسبّب به من ضرر مهني جسيم في رقم عقار، نتج عنه إرباك للمواطن والمجتمع والدولة.

وبالعودة لتشابه الأسماء يؤكد اليوسفي أنه وعلى الرغم من صدور التعميم ووضوحه، فمن الممكن أن تحصل أخطاء متكررة، وعلى العكس قد تتمسّك الجهة الرسمية بتنفيذ حكمها على الشخص الخطأ فقط لأنه نزل على الحاسب، في حين أنه قد يغيب عن ذهنها أن إذاعة البحث عنه قد تكون نتيجة خطأ موظف بالرقم الوطني، ولاسيما بالأسماء الحيادية والشائعة، خاصة وأنه رقم طويل وليس 4 أو5 أرقام، ما يتطلب يقظة وحذراً لإنزال الرقم من الموظف نفسه، لأن خطأ واحداً يُحدث مشكلة كبيرة!!.

لينا عدره