مجلة البعث الأسبوعية

مازن عباس: أحب لقب الممثل الشعبي كما يطلقه عليّ البسطاء.. الشخصية الشعبية تُضحك كما تُبكي وهي أقرب إلى وجدان الجمهور

“البعث الأسبوعية” ــ تمّام علي بركات

الدراما الكوميدية واحدة من أهم الأنواع الدرامية التلفزيونية، وهي في حالة خاصة – كحالة الدراما المحلية – تعتبر من أُسّس هذه الدراما؛ فقد قدمت الدراما السورية في بداية انطلاقتها تلفزيونيا أهم الأعمال الكوميدية، التي لا تزال متابعة من قبل الجمهور حتى اليوم، ولعل أهمها تلك التي قدمها الثنائي الكبير الراحل نهاد قلعي، الذي يعتبر من أهم كتابها، والقدير دريد لحام الذي يعتبر، على مستوى عربي وليس محليا فقط، من أهم ممثليها ومقدمي شخصياتها.

إلا أنها اليوم تغيب عن شاشة العرض التلفزيونية، ويتراجع وجودها تدريجيا، هذا على سبيل العدد؛ أما على سبيل الجودة، فهي في مأزق حقيقي منذ أعمال الرواد.. أيضا تتقلص مساحة تواجد الممثل الكوميدي الذي يضطر لتقديم شخصيات، في أنواع درامية أخرى، يمكن لها أن تتسبب في التأثير على أدواته التعبيرية، وعلى ماله عند الجمهور من رصيد كبير كممثل كوميدي؛ فما هي أسباب هذا التدهور الكبير في كم ونوع درامانا الكوميدية؟ وكيف يؤثر هذا الأمر على الممثل الكوميدي؟ أسئلة نناقشها مع الفنان مازن عباس، المعروف بكونه “فنانا كوميديا”.

لم تتواجد في الموسم الدرامي الأخير في الأعمال الدرامية المعروضة.. ما سبب هذا الغياب؟

– أولا، أنا ممتن حقيقة وسعيد أن تلقبني بـ “الكوميدي السوري”، واعتز بالصحافة النظيفة أمثالكم؛ وإذا كنت قد انتزعت هذا اللقب، فأنني أشعر بالنشوة والسعادة، ولأنني- ودعني أتحدث عن نفسي – انتزعت لقب “الكوميديان” من الجمهور والناس، الذين هم بوصلة الفنان الحقيقية، خصوصا وأنني، بعد تخرجي، لم أشارك، أو لم أدع للعمل بالأعمال المشهورة التي صنعت وصدرت الكوميديين الشباب في سورية، لذلك أدعي بأنني تعبت جدا، وعملت بكلجهد ودأب، والجمهور فقط هو من انصفني وصنفني بأنني أُضحكه بنبل؛ وهذا فخر لي، سيما وأن الكوميديا هي من أصعب الأنواع الدرامية التي يخوض بها الممثل.

بالعودة للسؤال.. ببساطة، لأنني لم أُدع إلى أعمال مهمة، وأنا ما زلت وسأبقى مخلصا لكوني ممثلا، وأدعي أنني فنان، وهذه الصفة مسؤولية قبل أن تكون امتيازا، لذا فأنا أترفع عن الغرق في الوحل، وإن كان هناك بعض التجاوزات في هذا الشأن، فذلك لأنني لا أمتهن في الحياة للعيش سوى التمثيل.

 

العديد من الممثلين السوريين يشتغلون حسب العرض والطلب أما الباقي فهم يشتغلون ما يُقدم لهم ليتواجدوا على الساحة.. هل الأمر صحي؟ وماذا عنك؟

– أن تعمل بكل ما يُعرض عليك أمر غير صحيح وغير صحي أبدا، وهذا وجهة نظري التي أصر عليها، فأنا لست نجارا أو حدادا – مع فائق احترامي لكل المهن – فأنا فنان لدي هاجسي وأحلامي ورسالتي، وكسب ثقة الناس التي دائما ما تدهشني، ولا يجوز أن أخسرها، أنا أو غيري من الفنانين، فالجمهور يميز ويقيّم، وأنا مخلص لذائقة وذكاء الجمهور، وأشعر بالخيانة والانكسار عندما اضطر أحيانا لعمل شيء لا أحبه.

 

برأيك ما هو الدور الذي تلعبه شركات الإنتاج في اختيار الممثلين لهذا العمل أو ذاك؟

– للأسف، كان دور شركات الإنتاج سابقا هو الاستئناس بتوزيع الأدوار؛ وما يحصل منذ سنوات في سورية هو استحواذ شركات الإنتاج على نسبة كبيرة جدا في انتقاء الشخصيات، عدا عن وجود خلل أساسي في فهم آلية عمل المخرج والمنتج، وهذا ما يصنع الكوارث في الدراما المحلية مؤخرا.

 

وماذا عن الشللية في هذا الوسط؟

– الشللية موجودة في كل العالم، لكنها مجتمعة وساعية الى مشروع فني، أي أنها إيجابية عندما تشتغل على مشروع فني مهم ويرفع ذائقة الجمهور، وهذا جانب إيجابي جدا من الشللية، أي أن يكون لدى المنتج والمخرج والممثلين همهم في تقديم مشروع فني راق ومحترم؛ وعندما يكون هذا الدافع هو السبب فالمسألة لها حسناتها، ويمكن دائما استقدام وجوه جديدة، لأن من الضروري العمل بروح الفريق في شأن كهذا. أما الشللية المجتمعة فقط على جمع المال والظهور – وهذا ما يحدث اليوم – فهي قاتلة وهدامة، ليس في الفن فقط بل في أي شأن آخر، لكن خطورتها وأثرها في الفن أعمق.

 

برأيك,, ما هي أهم أسباب غياب الدراما التلفزيونية الكوميدية؟

– جواب هذا السؤال شائك ومتشعب، ولكننا قد نلخص بعض الأسباب الفنية مثل غياب النص الكوميدي الرشيق والمشغول بحرفية، ونعود أيضا لشركات الإنتاج ولمن ينتقي النصوص، فهم الحلقة الأهم؛ ولا بد من توضيح نقطة في شأن الدراما الكوميدية، فهي لا تخضع للمفهوم الدارج الذي يعتمد عليه منتجونا في تقديمهم لها، وهي أن المشروع الكوميدي يتطلب البحث والمعرفة، والأهم مراقبة الشارع والناس، ومعرفة المزاج العام القائم، وهو ما لا يتم العمل عليه لدينا من قبل كبار الكوميديين – إن صح التعبير. وطبعا – دعنا لا ننسى – يبقى خوف المحطات العارضة من تقديم هذا النوع.. ولا أعرف لماذا!

 

حدث واشتغلت في أعمال كوميدية عديدة بعضها كان جيد السوية وبعضها لم يكن كذلك.. كيف تؤثر سوية النص على عمل الممثل؟

– النص أساس العمل الدرامي.. هذا أولا. وأحيانا، كممثل، لا توفق في كل النصوص، والأسباب كثيرة.. أحيانا تُخدع بالنص، أي تشعر أنه جيد، ولكنه لا يعجب الجمهور، أو لا ينفذ بشكل جيد؛ وأحيانا قد تلعب، كممثل، دورا جيدا تكون راضيا عنه في خطك الدرامي، لكن خطوطا درامية أخرى في العمل تكون غير جيدة، فتؤثر سلبا على مجمل العمل، وبالتالي على عملك!!

 

هل على العمل الكوميدي أن يكون حمّال رسائل؟ أم يكفي أن يقدم كوميديا جيدة حتى يكون جيدا؟

– هل ستُفاجأ إذا قلت لك أنني لا أؤمن بأن الفن لابد أن يُعنى دائما بتقديم الرسائل والتعليم، فما بالك بالكوميديا!! ولكن المهمة هنا تصبح أصعب بكثير.. يجب أن تكون مهذبا ومبدئيا وأخلاقيا أيضا عندما تسعى لتقديم العمل الكوميدي الذي يجب أن يحمل هذه الصفات، ويجب البحث بجهد عن المفارقة الكوميدية التي تُضحك الناس، ذلك أن تقديم المتعة الراقية وإضحاك الجمهور هو بحد ذاته ليس بالعمل السهل، ولا يجب الاستسهال وتقديم “النكتة” السمجة كما يحدث.. برأيي الشخصي، أن تُضحك الجمهور وتفرحه أكثر من كاف، بل وأكثر من مرض، لأي فنان، وهذا النهج بحد ذاته يصبح حمّال رسائل، ويصل للجمهور بشكل أكبر.

 

في حال تم تخييرك بين عمل كوميدي بسوية منخفضة وآخر من نوع مختلف.. ماذا تختار؟

– طبعا، سأختار العمل الجيد. وبالمناسبة، أنا لا أحب أن أعمل، أو أن أصنف، كممثل كوميدي فقط، لكوني أولا ممثلا، وعملي أن أُجسد كل الشخصيات، وثانيا لأنني استمتع بالدراما والتراجيديا؛ وردود فعل الجمهور على اشتغالي في الأعمال الدرامية التراجيدية، أو التاريخية، أو الاجتماعية، كانت إيجابية، وثالثا لأن الكوميديا فعلا صعبة، وأشعر بالخوف الكبير عند تقديم أي دور كوميدي لأسباب عديدة تتعلق بهاجس الظهور بشكل ومضمون جديد ومختلف عن غيره.. ودعنا لا ننسى أن موضوع الاختيار بالنسبة للممثل، في الظروف القائمة، ترف لا أملكه.

 

شاهدنا العديد من الأعمال “الكوميدية” لكن أعمال الرواد – كدريد ونهاد – لا تزال تحصد المتابعة الأكبر محليا وعربيا.. ما السبب برأيك؟

– شخصيا، استغرب مثلك أن أعمال الرواد لا زالت هي المتفوقة في هذا المضمار، ودائما ما أبحث عن السبب.. هل هو التفاني؟ الحب؟ فقر أصحاب تلك المشاريع الفنية الكوميدية الفذة، الذين خلقوا فنا صافيا بعيدا عن أي مطمع أو مكسب؟ لقد كان النص الذي يكتبه نهاد قلعي نصا عظيما، حقيقيا، فيه قصص منوعة ومهمة.. وأيضا الممثلون في تلك الأعمال كانوا طازجين، مجتهدين، لا هم لهم سوى أن يكونوا ممثلين ممتازين في نص جامع؛ لا بطل مطلقا بينهم سوى على الشارة.. كل هذه المفردات، وشكل التلقي أيضا، ونوع الجمهور الذي لم تتشوه ذائقته بما تقدمه وسائل السوشيال ميديا اليوم، جعل من أعمال الرواد أعمالا خالدة، ومن الصعب منافستها بغياب تلك المفردات التي ذكرتها.

 

كممثل كوميدي.. هل تجد أن هذه الصفة أقل قبولا عند جمهور اليوم من الممثل المنوع؟

– أستطيع الادعاء أنني ممثل منوع، وصفة “الكوميديان”، فقط، لا اعتبرها سلبية، بل على العكس. أما الجمهور فإنه يحب الممثل الكوميدي، ويشعر أنه أقرب إليه، والأمثلة على ذلك عديدة. أحب لقب الممثل الشعبي، كما يطلقه عليّ الناس البسطاء.. عندما يقولون لي أنني أشبههم – “منهم وفيهم” كما يقال – أشعر بسعادة غامرة جدا.. الشخصية الشعبية، كما يبدو – ولا أدعي سوى أنني على طريقها – تُضحك كما تُبكي، أي أنها أقرب إلى وجدان الجمهور.

 

ما الأعمال الدرامية التي تابعتها هذا العام كمتفرج بترقب؟

– تابعت الدراما المصرية الساحرة: مسلسل “الاختيار”، ومسلسل “لعبة نيوتن”.. محليا، تابعت “على صفيح ساخن”، و”الكندوش”، وما تيسر لي من هنا وهناك.