اقتصادسلايد الجريدةصحيفة البعث

النفط يتجاوز الـ 78 دولاراً.. هل تواكب المشتقات النفطية الأسعار العالمية أم ..؟!

دمشق – رامي سلوم

على وقع ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات، ووصول الخام الأمريكي إلى أعلى مستوى له منذ 2014، إذ وصل سعر خام برنت إلى 77.78 دولاران وهو مستوى لم يشهده منذ تشرين الأول 2018، يتوقع خبراء واقتصاديون تأثيراً واسعاً على أسعار المشتقات النفطية المحلية، خصوصاً أن الدولة اليوم تعتمد على الاستيراد في تأمين حاجة البلاد من النفط، في ظل غياب الموارد المحلية واحتلالها من قبل العدو الأمريكي.

ومن دون أية توضيحات، رفعت وزارة النفط والثروة المعدنية أمس الأول سعر ليتر البينزين أوكتان 95 بنسبة 20%، ليصل إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية، بدلاً من 2500 ليرة سورية، وهو على ما يبدو أول ارتدادات ارتفاع الأسعار العالمية، كما حاز القرار نصيبه من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتوقع خبراء اقتصاديون ومختصون زيادة سريعة في أسعار المحروقات في سورية، مشيرين إلى أن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط العالمية ستنعكس بسرعة على أسعارها في السوق السورية، خصوصاً أن سورية اليوم دولة مستوردة للمشتقات النفطية، كما تدفع فاتورة دعم كبيرة للغاية في ظل الظروف الاقتصادية لتأمين المشتقات النفطية للمواطنين بأسعار مقبولة.

وأوضح الخبراء أنه، وفقاً لموازنة العام الجاري 2021، قدر سعر برميل النفط بين 46 دولارا و51 دولارا، وقت إعداد الموازنة، وقدرت فاتورة الدعم للمشتقات النفطية وقتها بنحو 2700 مليار ليرة سورية (27 تريليون)، مبينين أن نسبة الزيادة العالمية في أسعار النفط التي تبلغ 50% على أقل تقدير، ولا يمكن لأية حكومة أن تتحملها وحدها، مشيرين إلى أن العديد من الدول رفعت الدعم عن المشتقات النفطية أو قلصتها لأدنى مستوى، وأهمها مصر والأردن والمغرب واليمن وغيرها.

وأشار خبير اقتصادي إلى أن كلفة ليتر البينزين المدعوم والمسمى بالممتاز تصل إلى 1800 ليرة سورية، ويباع للمواطنين عبر البطاقة ب 750 ليرة سورية، بمعنى أن الدولة تدعم أكثر من 59% من القيمة، ويكلف ليتر المازوت نحو 1967 ليرة ويباع على البطاقة بمبلغ 183 ليرة، بينما توفره الدولة للمخابز بسعر 135 ليرة سورية، ويتم ضخ نحو 5 ملايين ليتر مازوت يومياً لكافة القطاعات، لتأمين استمرار الخدمات، وهو ما يبين تنامي الفارق إلى أرقام كبيرة، غير أنه بعد ارتفاع أسعار النفط ستزداد قيمة الدعم المطلوب بشكل قد لا تتمكن الحكومة في ظل الظروف الحالية من سداده، ما يدفعها لرفع السعر بناء على الواقع الجديد، وهو الأمر الذي تتخذه جميع الحكومات حتى في أكبر الدول المصدرة للنفط مثل السعودية.

ويظهر جلياً بدء تقلص المواد النفطية من الأسواق، خصوصاً مادة الغاز المنزلي، وتأخرهاً، وارتفاع سعرها في السوق الموازية، كما صرح مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن دراسة لتعديل في أسعار الغاز.

ولفت أحد الخبراء إلى أنه بالإضافة لعوامل الحصار، ومنع وصول المواد إلى سورية، هناك عامل مالي يجب وضعه بعين الاعتبار، فالدولة تسدد ثمن المواد التي تحصل عليها، وهو الأمر الذي يحتاج موارد بالقطع الأجنبي، خصوصاً أن الأمر لا يختص بنوع محدد من المواد بل يشمل غالبيتها.

ورشحت مصادر مطلعة لـ “البعث”، عن دراسة لرفع سعر الكهرباء في وقت قريب، وهو الأمر الذي يبدو منطقياً في حال تم رفع أسعار الغاز والوقود بشكل عام، ما يزيد كلفة توليد الطاقة الكهربائية. واعتبر الخبراء حديث البرلمان الأوروبي عن الحصار على سورية بالمضلل، لافتين إلى أن الحصار المفروض على القطاع المصرفي يمنع مرور الحوالات لسداد قيمة السلع المطلوبة، فيما عدا القرصنة الأمريكية ومحاولات التحرش بالسفن، واحتلال المقدرات السورية، وهو الأمر الذي يضغط على الاقتصاد السوري، ويجعل موضوع ترشيد الموارد ضرورياً للاستمرار حتى مرور الظروف الحالية.

وأشار محلل استراتيجي إلى أن كلفة المحروقات قبل الحرب على سورية كانت نحو 20 مليار دولار سنوياً، مبيناً أن هذا الرقم يعتبر كبيراً للغاية بالنسبة لدولة بعدد سكان ونمو اقتصادي بحجم سورية، بينما انخفضت هذه الفاتورة حالياً لنسب كبيرة، ما يؤكد على أن اتباع ثقافة الترشيد قد يحمي الاقتصاد في أوقات الصعوبات، خصوصاً أن سياسة الدعم أهدرت مليارات الليرات من دون نتائج ملموسة، كما هو واقع الحال في غالبية البلدان العربية وغيرها التي اتبعت سياسة الدعم، غير أنها تبتعد عنها اليوم، كونها لم تحقق سوا مزيد من الهدر لصالح استفادة مجموعة محددة من الأشخاص، والتي يمكن استبدالها بسياسات اقتصادية أخرى تركز على التنمية وتعزيز القيمة الشرائية بدل نظام “الإعاشة”.

وتناولت أوساط اجتماعية وغيرها من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي زيادة أسعار المحروقات أو غيرها من المواد المدعومة في كل مرة بالكثير من التأفف إن صح التعبير، وسط خشية من تداعياتها بارتفاع مباشر لأسعار مختلف السلع والخدمات، وذلك من دون النظر إلى أسباب ومعطيات تغيير الواقع السعري، وهو أمر طبيعي في ظل تقلص قيمة الرواتب والأجور، ومستويات التضخم في أسعار السلع والخدمات، ما يجعل المواطن غير قادر على تحمل المزيد من الأعباء إن كانت منطقية أو غير منطقية.

ولم يصدر تصريح رسمي أو بيان من وزارة النفط بخصوص الأسعار، غير أنها أكدت عدد من المرات على أن المشتقات النفطية خاسرة وتكلف الدولة مليارات الليرات، ولا تحقق أي دخل لها في الوقت الحالي، مشيرة إلى أنها تعمل في ظل واقع غير طبيعي ونقص في المواد بفعل الحصار الجائر، وأنها تعمل على التوزيع بعدالة، فيما عدا تحديد الأولويات في ظل الواقع الراهن.

ووفقاً للوزارة، فإن البلاد تستهلك نحو أربعة ملايين لتر من البينزين الممتاز يومياً (المدعوم)، ونحو 150 ألف لتر من البينزين أوكتان 95، وأن أي حديث عن فرق في الأسعار لا يتعدى كونه تخفيفا للخسائر، مبينة أن استهلاك البينزين أوكتان 95 لا يتعدى 3% من إجمالي الاستهلاك في الوقت الحالي.

وهنا يرى مراقبون أن العمل على ترشيد الاستهلاك قد يعتبر حلاً مؤقتاً لتوفير المواد المدعومة، حيث لا يمكن البحث عن حل حقيقي من دون إعادة النظر في الأجور، بظل ارتفاع عالمي في أسعار جميع السلع بفعل عودة النشاط الاقتصادي، وحركة الأسواق والنقل، والمصانع العالمية إلى العمل.

ولربما يكون ضعف شفافية الجهات المعنية المسؤول الأول عن حالة عدم الاتزان في الشارع، والوعي بطبيعة المرحلة التي تمر بها سورية، فغالباً ما تجنح التصريحات الحكومية إلى الطمأنة.

وقال أحد المحللين الاقتصاديين الذي لم يرغب بالإفصاح عن اسمه، أنه بالتأكيد ليس بصدد التبرير للحكومة أو الوزارات المعنية، غير أنه وفقاً لمبادئ الاقتصاد لا يمكن بيع السلعة بأقل من سعرها العالمي والاستمرار في ذلك لسنوات من دون مصادر دخل واسعة تغطي النفقات، لافتاً إلى أن الدعم الحكومي محدد بنسب معينة ويكلف الاقتصاد الوطني الكثير خصوصاً في ظل عوامل التهريب التي تتبع التباين السعري بين البلدان، ونقص المادة.

ووفقا للخبراء، تحكم سياسة الدعم وتسعير المحروقات عوامل اقتصادية واقعية، ولا تبنى على الآمال أو الحالة الاقتصادية والمادية التي يعيشها المواطن، بل على معطيات وقدرات اقتصادية وخصوصاً في حال كانت تلك المواد مستوردة الأمر الذي ينعكس سلباً على قدرة تلبية الاحتياجات خصوصا أن استيرادها يتم بالقطع الأجنبي.