دراساتصحيفة البعث

الاتجار بالبشر.. تركيا الأكثر استغلالاً للأطفال

د. معن منيف سليمان

تعدّ تركيا من بين الدول الأكثر استغلالاً للأطفال في الحروب عبر تجنيدهم كمقاتلين، والزّج بهم في الأعمال القتالية بمختلف مناطق الصراع، عبر عملية إغراء مادي في استغلال كامل للوضع المعيشي الصعب وحالات الفقر.

وفي هذا السياق، تقدّم تركيا الدعم التشغيلي واللوجستي والمالي لفصيل “لواء السلطان مراد” الإرهابي في شمال سورية، والذي يقوم بتجنيد الأطفال وتلقينهم تدريبات عسكرية ثم استغلالهم في الحروب في كلّ من سورية وليبيا، وذلك استناداً إلى تقارير وأدلّة مجموعات حقوقية ومنظمات دولية قدمت الأدلة على تجنيد 191 طفلاً على يد الفصيل الإرهابي خلال العام 2020.

وفي تقرير “الاتجار بالبشر 2021″، الذي نشر قبل أيام، أدرجت الخارجية الأمريكية تركيا كأول دولة أطلسية في اللائحة السوداء المذكورة. ويكشف التقرير أن الإدراج جاء نتيجة دعم أنقرة لفصيل “لواء السلطان مراد” الإرهابي في شمالي سورية، والمتّهم بتجنيد الأطفال وتلقينهم تدريبات عسكرية.

وفصيل “لواء السلطان مراد” هو جماعة مسلحة اتخذت منذ تأسيسها  في أواخر عام 2012 صبغة شوفينية وانضوت تحت ما يُسمّى بـ”الجيش الحر”، وواجت دوماً النقد بسبب اسمه المستمد من أحد السلاطين العثمانيين، من جهة وخطاباتها “الطورانية” وعلاقاتها الوثيقة مع نظام الحكم الإخواني الحاكم في أنقرة، من جهة أخرى، ناهيك عن مئات الجرائم والارتكابات التي أقدم عليها إرهابيوها.

وعلى الرغم من نفي تركيا بداية وجود علاقة لها مع الفصيل الإرهابي عند تأسيسه، لم يخفِ هو يوماً صلته الوثيقة بأنقرة، حيث شكّل رأس حربة في الاحتلالات التركية والاعتداءات بدءاً من عام 2016، عبر وجود العلم التركي وصور رئيس النظام التركي أردوغان في مقراته وعلى بدلات عناصره العسكرية، الذين ارتبطت أسماء غالبيتهم بجرائم مثل النهب والاغتصاب والإعدام والاختطاف في المناطق التي يسيطرون عليها، في تقارير منظمات مستقلة مثل منظمة العفو الدولية.

ويذكر تقرير “الاتجار بالبشر” أن نحو 150 طفلاً سورياً تتراوح أعمارهم بين 16- 18 عاماً غالبيتهم من فرقة “السلطان مراد” الإرهابية، تمّ تجنيدهم للقتال في ليبيا عبر عملية إغراء مادي. حيث يذهب عدد كبير من الأطفال إلى إدلب وريف حلب الشمالي إلى عفرين، بحجة العمل هناك في بداية الأمر ومنهم من ذهب دون علم ذويه، ليتمّ تجنيدهم بعفرين من قبل الفصائل الموالية لنظام أردوغان، وإرسالهم للقتال في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق.

وتستخدم هذه الفصائل الإرهابية أنماطاً معقدة لتجنيد الأطفال قسرياً والزّج بهم في الأعمال الحربية بمختلف المناطق التي تسيطر عليها في شمالي سورية، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات منهم، حيث يتمّ استخدام الأطفال على جبهات القتال كمقاتلين بشكل مباشر أو في خدمات أمنية كالتفتيش على نقاط الحدود أو الدعم اللوجستي المرتبط بالعمليات العسكرية، بالإضافة إلى العمل على خدمة المقاتلين الأكبر سناً، ناهيك عن القيام بأعمال التجسس.

ويشكّل الأطفال الذين يتمّ تجنيدهم من الفصائل الإرهابية المدعومة من أنقرة نسبة تتراوح ما بين 10 – 12 بالمئة وذلك بحسب كل فصيل. ومن أكثر الفصائل التي يوجد بين صفوفها أطفال بالإضافة إلى فرقة “السلطان مراد”، “فرقة الحمزات” و”تجمع أحرار الشرقية” الإرهابيان.

كما جنّدت “هيئة تحرير الشام” الإرهابية، العاملة في إدلب، عشرات وربما مئات الأطفال دون سن 18 عاماً، خلال بدايات عام 2020 فقط. وتمّ تجنيد الآلاف منهم على يد تنظيم “داعش” الإرهابي، وباقي الفصائل الإرهابية التي تعمل تحت إمرة قوات الاحتلال التركي، لكن لا توجد إحصائيات دقيقة حولهم.

وفي المحصلة يجعل النظام التركي والفصائل الإرهابية التي تعمل تحت إمرته من هؤلاء الأطفال ضحية سهلة ومخزوناً استراتيجياً بشرياً يتمّ من خلالهم ضمان استمرار رؤية وأفكار هذه التنظيمات الإرهابية وتثبيت ثقافة الحرب لأجيال قادمة، ما يشكل تحدياً في صياغة مستقبل بعيد عن الحروب.