تراث يحمل عبق التاريخ
سلوى عباس
يحفل تاريخنا بألوان متعددة من الفلكلور الذي يشكل تراثاً يحمل في مضمونه سمات وأشكال تعبر عن واقع معاش في كل مرحل من مراحل التاريخ، وتشكل الأغنية الشعبية جزءاً مهماً من هذا التراث، حيث نشأت لأغراض متعددة منها الاجتماعي ومنها العاطفي بعيداً عن الحياة السياسية لتكون تعبيراً عن حالة نفسية اجتماعية تحملها في مضامينها.
والأغنية الشعبية كأغنية تختص بها المجموعة قبل أن تتطور وينفرد بغنائها مطرب أو مطربة، هي كنظم تعد نوعاً من أنواع الزجل الذي يعتمد على كلام سهل وبسيط يتناول النقد والتوجيه ومختلف العواطف بألحان سهلة بسيطة يمكن حفظها لتتمكن الجماهير من ترديدها، وقد اعتمد في تسجيل الأغاني الشعبية على المجموعة التي كان يؤديها الرجال والنساء بأصواتهم مجتمعين.
واكتسبت الأغنية الشعبية صفات الأغنية الفلكلورية لخلود ألحانها وترديدها من قبل جميع الناس، وعلى هذا فإنها تعتبر تراث الشعب ومادته العلمية التي نستطيع من خلالها أن نعرف نفسيته وأخلاقه وعاداته وتقاليده، وبعبارة أدق هو جملة المأثورات الشعبية والمميزات التي تؤلف شخصية شعبنا.
وكلمة فلكلور تطلق على الفنون الشعبية تجاوزاً لأن الفنون الشعبية هي جزء من الفلكلور، وكلمة فلكلور تعني حكمة أو علم الشعب لأن الشعب هو الذي أبدعه وعاش به وتمثَّله، والأغنية الشعبية هي جزء مهم من الفنون التي أبدعها الشعب وتطورت عبر التاريخ بتطوره وخدمت أغراضاً اجتماعية واقتصادية وسياسية حتى غدت على الصورة الفنية التي نراها فيها.
في بلاد الشام ثروة هامة من الفلكلور تظهر واضحة في مختلف مجالات الحياة، وتختلف ألوانها باختلاف المناطق التي تنشا فيها، فالألوان الفلكلورية في مناطق الساحل تختلف عنها في المناطق المتاخمة للصحراء، وما يؤديه أهل الشمال من هذه الفنون يختلف في مظاهره عما يؤديه سكان الجنوب، وهذا التباين في الألوان الفلكلورية يشمل أيضاً مناطق السهول والجبال، ولكل منطقة من هذه المناطق مواسمها وأعيادها الشعبية المختلفة الألوان من ألعاب وفروسية وفنون يدوية وموسيقا وعزف وغناء ورقص وما إلى ذلك من مظاهر الحياة الشعبية المادية والعقلية والاجتماعية.
وقد خرجت الأغنية الشعبية عن تقاليدها بفعل الزمن من كونها أغنية للمجموعة لتصبح أغنية يشارك فيها المغني الافرادي المجموعة، ولنا في أغاني “على حسب وداد قلبي” و”عطشان ياصبايا” وغيرها من الأغنيات الشعبية التي انفرد بغنائها المغنون والمغنيات الافراديون خير شاهد على انتقال الأغنية الشعبية من المجموعات إلى المطربين الافراديين.
هذا الدفق من الأغاني الشعبية دفع بعدد من الملحنين إلى تلحين العديد من الأغاني الشعبية الدارجة على غرار الأغاني القديمة فنجحت نجاحاً كبيراً لم يكن متوقعاً.
وفي مقارنة بين الأغنية الشعبية المتداولة الآن وبين الأغنية الشعبية القديمة نرى أنها تفتقد للحميمية والمشاعر التي كانت تتمتع بها، فأغنية اليوم تعتمد كلمات تراثية بألحان وأداء معاصر مما يجعلها تتأرجح بين القديم والحديث بلا هوية ولا عنوان، مما يسيء لهذا التراث الجميل ويبدده بدل أن يحافظ عليه من الضياع.
إن إحياء التراث ضرورة تاريخية تحتمها الظروف المعاشية التي تتكرر مع كل مرحلة زمنية لكن النظرة إلى هذا التراث تختلف بحسب المعطيات التي يعيشها كل عصر وهذا ما يسيء لتراثنا ليس الفلكلوري فقط وإنما تراثنا التاريخي بكل جوانبه ومجالاته بعيداً عن الصدق والموضوعية.