دراساتصحيفة البعث

“نورد ستريم2” على طاولة قمة ميركل- بايدن اليوم

عناية ناصر 

قبل أشهر فقط من تقاعدها من السياسة، تسافر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اليوم الأربعاء إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن المتوقع أن تعمل هذه القمة على إظهار العودة إلى الانسجام عبر المحيط الأطلسي بعد أربع سنوات من الجفاء في عهد دونالد ترامب، ولكن للحفاظ على هذه المظاهر، سيخفي الأمريكيون إحساساً عميقاً بخيبة الأمل، وسيخفي الألمان قلقاً شديداً، فقد كان كل من ميركل وبايدن، بطرق مختلفة، محبطين من سياسات ترامب، وهما حريصان على التعاون بدلاً من الانعزال، لذلك كان بايدن وفريقه يأملان بدعم كبير من ميركل، لاسيما في مواجهة خصمي الغرب: الصين وروسيا، ولكن، بدلاً من ذلك، قامت ميركل بتجاهل بايدن مرتين.

وقعت الإهانة الأولى في كانون الأول الماضي قبل أسابيع فقط من أداء بايدن اليمين الدستورية، عندما دفعت ميركل بصفقة استثمار صينية أوروبية إلى مرحلة متقدمة دون استشارة فريق بايدن، وبدلاً من مساعدة واشنطن في حصار بكين، تريد ميركل من أوروبا أن تبقي خياراتها مفتوحة.

كان الازدراء الثاني والأسوأ رفضها التحرك ولو خطوة واحدة تجاه المطالب الأمريكية من الحزبين فيما يتعلق بخط أنابيب الغاز المثير للجدل “نورد ستريم2″، والذي انتهى أكثر من 90 في المئة منه، وهو يضاعف كمية الغاز التي يمكن لروسيا تصديرها مباشرة تحت بحر البلطيق إلى شمال غرب أوروبا.

ويقترن “نورد ستريم2” مع “ترك ستريم” – خط أنابيب روسي جديد يمر عبر البحر الأسود إلى جنوب شرق أوروبا – ليكمل هدفاً استراتيجياً سعى إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تجاوز أوروبا الشرقية

من خلال إضافة “نورد ستريم2” إلى “ترك ستريم” الجديد، يمكن لروسيا تجاوز الغاز الأوكراني. ويقول الرئيس الروسي بوتين: “كل شيء ممكن”، في رد على سؤال عما إذا كان سيواصل تدفق الغاز عبر أوكرانيا، “لكن النوايا الحسنة من شركائنا الأوكرانيين مطلوبة”، وعبارة “النوايا الحسنة” التي نطقت بها شفتا بوتين تعني الكثير.

يبدو “التهديد” الجيوسياسي الذي يمثّله “نورد ستريم2” واضحاً بما يكفي لبولندا وجمهوريات البلطيق وفرنسا والاتحاد الأوروبي والحلفاء الآخرين الذين يعارضون جميعاً خط الأنابيب إلى جانب الولايات المتحدة، ومع ذلك، يستمر الألمان في التجاهل.

يرى الأمريكيون وحلفاؤهم أن من غير المعقول أن ترى ميركل أن المشروع تجاري بحت من الأفضل تركه للقطاع الخاص. لذلك، وفي محاولة أخيرة منه لوقف استكماله، بدأ الكونغرس الأمريكي عقوبات ضد السفن التي تمد الأنابيب، وأراد في أيار الماضي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، بما في ذلك الخطوات التي تستهدف رئيس شركة “نورد ستريم2”. لكن بايدن تنازل عن هذه العقوبات على أمل عدم تعريض العلاقات الأمريكية الألمانية للخطر، وإعطاء المفاوضات المزيد من الوقت، لكن الكونغرس سيطالب بفرض عقوبات مرة أخرى في آب القادم، وعندها يحدد بايدن موقفه، وهذا يجعل الألمان متوترين تماماً عندما يدخلون المرحلة الساخنة قبل انتخاباتهم البرلمانية في أيلول القادم التي ستؤدي إلى حكومة جديدة.

يقع العبء الآن على ميركل أثناء وجودها في واشنطن لتقديم بعض الأفكار للأمريكيين لحل الفوضى الجيوسياسية الحاصلة، صحيح أنه يُحسب لها توسطها في تمديد الغاز الحالي بين روسيا وأوكرانيا حتى عام 2024، لكن الأمر يتعلق أيضاً ببوتين، وما إذا كان سيهتم بالأمر أم لا، والسؤال الحقيقي هو: ماذا سيحدث بعد عام 2024؟

أحد الخيارات هو أن توضح ألمانيا بأنها ستوقف الغاز القادم من “نورد ستريم2″، ولكن هذا يبدو غير واقعي عندما تكون أوروبا الغربية أكثر اعتماداً على الغاز الروسي، ولا تستطيع تحمّل خنق “نورد ستريم2، والخيار الآخر هو أنها لن تفعل شيئاً لتهدئة كل البلدان الأخرى في المنطقة التي تشعر بالقلق.