ثقافةصحيفة البعث

ممدوح عدوان.. الفارس الخاسر

في مقدمة كتابها “ممدوح عدوان.. الفارس الخاسر” والذي وقعته مؤخراً في فندق جوليا دومنا لا تعد الكاتبة والإعلامية نهلة كامل بكشف أسرار شخصية لدى ممدوح عدوان الواضح والمباشر والصادم والخطابي الذي كان يعلن أسراره بنفسه من منابره العديدة حتى ليبدو بلا أسرار، ولكن إذا كان لكل كتاب أسراره فإن علاقتها الإعلامية والأدبية ثم علاقة الصداقة معه ومع وزوجته جعلتها تلاحظ ثم تدرك أن له أسراره الإبداعية الخاصة، فوراء كل وضوحه في الممارسة والإعلان بالنبرة العالية حتى الصراخ كان غموضاً مزمناً وموجعاً ودؤوباً يطارده طوال حياته.

سيرة التمرد وانطولوجيا حزب الجوع

تبيّن نهلة كامل في تصريحها لـ “البعث” أن ثلاثة لقاءات منتجة خلال ثلاثين عاماً جمعتها بممدوح عدوان منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي حتى عام 2004 قبل وفاته كانت السبب في تعرفها إليه عن قرب إنسانياً وإبداعياً، وجاء تأليف هذا الكتاب نتيجة لها وقد قسمته إلى عنوانين رئيسيين، هما: سيرة التمرد، وانطولوجيا حزب الجوع، مشيرة إلى أن اللقاء الأول مع عدوان الصحفي كان في أواخر السبعينيات، حين كانت صحفية شابة في القسم الثقافي لجريدة الثورة السورية وهو كان رئيساً لقسم الترجمة، وقد اتجه إلى تخصيص صفحة أسبوعية تناقش وتطرح قضية المرأة، وطلب منها آنذاك أن تترجم له بينما كانت طالبة في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة دمشق، وبعدما قدّمت له عدة مقالات، طلب منها أن تشاركه في إعداد صفحة المرأة، ثم طلب منها بعد أن وجد لديها قدرة على كتابة القصة القصيرة أن تصوّر زوايا من حياة المرأة السورية، فكتبت آنذاك قصصاً أسبوعية ذات اتجاه متمرد أكدت فيها ذاتها الصحفية والأدبية كما قال لها، مشيرة إلى أنها وبعد مغادرته جريدة الثورة تابعت أنشطة ممدوح الأدبية التي تنوّعت في مجالات الشعر والمسرح والبحث والترجمة والتي كانت تخوض مساحات جديدة ومعارك ثقافية كانت السبب في اللقاء الثاني المنتج معه، حيث كان عدوان قد نشر مسرحية “سفر برلك: أيام الجوع” عام 1994 وقد قوبل آنذاك بمعركة إعلامية شرسة شارك فيها بعض الكتّاب والنقاد متهمين ممدوح باختلاس وثائق مرحلة سفر برلك عن غيره، وقد كانت هذه المعركة برأيها الأكبر في تاريخه الأدبي والأقسى بالنسبة إليه كمبدع أصيل، وقد التقت عدوان كصحفية آنذاك حيث قدّم لها مرجعياته ووثائقه لهذا العمل الكبير التي ظل طوال خمسة وعشرين عاماً يعمل على تحصيلها ممن عايشوا تلك المرحلة من العجائز والقصائد الشفاهية والوثائق السياسية حتى اكتملت، وقامت كامل بكتابة دراسة تؤكد أصالة “سفر برلك” في إبداعه ونشرتها في مجلة “الحياة المسرحية” تحت عنوان “أيام الجوع والرأي العام”. أما اللقاء الثالث معه فكان عام 2004 وهو يتابع علاجه في بيروت من مرض السرطان، وكانت كامل تعمل هناك مديرة لمكتب وكالة الأنباء السورية “سانا”، حيث تعدّدت لقاءاتها معه ومع زوجته إلهام عبد اللطيف، والتي دارت حول الذكريات والمواقف الإنسانية والأدبية والسياسية والتي كانت مفاهيم أساسية وضعتها عناوين لهذا الكتاب، مع الاعتراف أن تلك الحوارات كانت السبب الأهم وراء تأليفها لهذا الكتاب الذي تأخر كثيراً بسبب انشغالها بالعمل الصحفي اليومي المرهق والأهوال السورية من إرهاب وحروب، ولكن بلحظة صفاء مع الذات والعالم الخارجي وجدت أن الكتابة عن ممدوح عدوان فرضت نفسها بإلحاح وتحدّ أكبر بسبب الأمراض التي لم يشفَ منها الواقع والعقل والقناعات في العقد السوري الأخير، وموجة الاستشهادات الدائمة بأفكاره وأدبه ومواقفه المتمردة والمشاغبة التي أثبتت أنها حملت قيمة تجاوزت الزمن، متمنية أن يكتب لمحاولتها التوفيق في الإضاءة على مفاهيمه التي لم تهزمها السنوات ولم تفقد أهميتها بتراكم أحداث التراجيديا العربية.

دون كيشوت

تتوقف الكاتبة في كتابها وتحت عنوان “الفارس الخاسر” عند اكتشاف عدوان لحقيقة مهمّة، حيث كتب: “والاكتشاف الأخطر هو إلى أي حدّ كنت أنا أيضاً دون كيشوت، أليس موقفي دون كيشوتياً وأنا أنبري لمعالجة عطب عصري بالكلمات؟.. إلى أي حدّ كان سرفانتس نفسه هو دون كيشوت، وهل كتب الرواية ليسخر من الفارس أم أنه كتب ليسخر من نفسه؟ شخص يكتب أكثر من أربعين عملاً دون أن يلقى النجاح أو أن يتمكّن من لفت أنظار الدوائر الثقافية إليه، ومع ذلك يظل سرفانتس مؤمناً بالأدب وبضرورة الاستقرار بالكتابة، أهو خط موازٍ بين الكاتب والبطل أن يحمل كل منهما أوهاماً بإمكانية إصلاح العالم عن طريق الأحلام الأدبية، نعم إصلاح العالم”.

معايير معينة

وبيّن سامي أحمد وهو صاحب دار التكوين التي صدر عنها الكتاب أن الكتاب يضيء على سيرة ممدوح عدوان الكاملة المعلنة وغير المعلنة، وهو فرصة ليتعرف عليه القارئ الجديد ويضيف إليه أموراً كثيرة جديدة، حيث يتضمن الكتاب معلومات جديدة حول شخصيته ونمط تفكيره وأسلوبه الإبداعي والحياتي، مشيراً إلى أن الكتاب ركّز على جانب التمرد الذي كان يتمتّع به عدوان في المسرح والشعر وعلى عدة جوانب من شخصيته الإبداعية (المترجم، الشاعر، المسرحي، كاتب السيناريو) موضحاً كصاحب دار نشر أن الدار تختار الكتب التي ستقوم بنشرها وتتناول شخصيات وفق معايير معينة وفي مقدمتها أن يُسلّط الضوء على جوانب غامضة منها، أما إذا كانت معلومات الكتاب معروفة ومكرّرة فهي لا تقدم على طباعته، مؤكداً أن كامل استطاعت نتيجة علاقتها القديمة بعدوان أن تضيف أشياء كثيرة غير معروفة عنه.

شخصية توافقية

وأشارت الأديبة ديانا جبور إلى أهمية الكتاب الذي قامت نهلة كامل بكتابته عن ممدوح عدوان الذي يراه بعضهم شخصية إشكالية، في حين تراه جبور شخصية صادقة، فهو رغم شخصيته المستفزة وتمرده وقدرته الكبيرة على إحداث الصدمة نجح في أن يكون شخصية توافقية بسبب وضوحه وأصالته والصداقات التي كان يقيمها، وهي تتخيّل لو كان حاضراً في حفل التوقيع كان سيضفي بضحكته المجلجلة الكثير من البهجة كما كان يفعل في أي مكان يحلّ به مهما كان الفعل فيه جدياً ورصيناً.

أستاذ أكاديمي

ورأت د. ميسون علي الأستاذة في المعهد العالي للفنون المسرحية أن أهمية الكتاب تكمن في تناوله لسيرة ممدوح عدوان الذي مارس كل أنواع الكتابة، وضرورة  توثيق تجربته الغنية، مثنية على جهود نهلة كامل لإصداره وهو جهد إضافي يُضاف إلى إبداع ممدوح عدوان، مذكرةً أن عدوان لم يكن مبدعاً فقط وإنما كان أستاذاً أكاديمياً من الطراز الأول، وقد ظل مخلصاً للمعهد وطلابه ولم ينقطع عنهم حتى أثناء مرضه، وخرّج طلاباً متميزين شجعهم على الكتابة وساعدهم في نشر كتاباتهم لأنه كان مؤمناً بأن جيل الشباب هو من سيقود المرحلة الثقافية السورية.

أمينة عباس