ثقافة التخطيط وثقافة التنفيذ
د. مهدي دخل الله
كان التخطيط دائماً أسهل من التنفيذ . هذا هو منطق الحياة ، ذلك لأن التخطيط جهد يتعامل مع التصورات بينما يتعامل التنفيذ مع الوقائع بكل صداميتها ..
مسألة العلاقة بين التخطيط والتنفيذ – أي بين التصور والتطبيق – أثيرت في عدد من الملتقيات الحوارية التي شاركتُ فيها في الآونة الأخيرة في حماة ودير الزور ودرعا واللاذقية وطرطوس وحمص . كان المنظمون في كل محافظة يختارون محاوراً لي من أحزاب الجبهة أو المستقلين ذوي الرأي الناقد . أثناء الحوار تم طرح قضايا عدة من الجمهور ومن المحاورين ، لكن ما لفت الانتباه هو تركيز الناس على ضغف ثقافة التنفيذ عندنا ..
تبدو المشكلة تقنية في أغلب الأحيان وتتعلق بالآليات والإمكانات المتاحة لتنفيذ أي تخطيط سواء كان قانوناً أو توجهاً عاماً أو سياسةً محددة . لكن المشكلة أكثر تعقيداً من ذلك ..
لعل العائق الأول ، من بين عوائق كثيرة ، هو مسألة الإرادة .. إرادة التنفيذ . وهي ليست مسألة مزاجية وإنما هي خاضعة لإشكالية العلاقة المعقدة بين التخطيط والتنفيذ . المشكلة – باختصار- هي في أن مسؤولية التخطيط محصورة بمجموعة صغيرة من المسؤولين على مختلف المستويات ، بينما مسألة التنفيذ تدخل في مهام الجميع في القاعد الاجتماعية العريضة ..
إرادة التخطيط قوية ومطلقة وتنبع من قناعة معينة تجعل التخطيط مضبوطاً ومتماسكاً . لكن إرادة التنفيذ لا تدعمها القناعة وإنما الإكراه ، فالمنفذون لم يشاركوا في التخطيط لذلك فهم ينفذون مكرهين وعلى مضض فتخرج النتائج متواضعة إن لم تكن معدومة .
ربما يكون الحل في قلب الهرم رأساً على عقب ، بمعنى أن تكون إرادة المنفذين منطلقاً مسبقاً لإرادة المخططين ، فيأتي التخطيط عندها مقبولاً من المنفذين. في هذه الحالة تسيطر حماسة التنفيذ وتتحول السلطة الجبرية إلى سلطة قبولية ..
هي ليست مسألة تقنية . هي مسألة ثقافة وطريقة تفكير ، لا بل إنها طريقة حياة . فثقافة الإدارة المستندة إلى الإرادة ينبغي أن تبدأ من المدرسة والأسرة ، عندها فقط نبني ثقافة التنفيذ المناسبة . فمثلاً ، عندما يريد الإبن دراسة علم الاجتماع ، وهذا أمر تنفيذي ، على الوالد أن يخطط له بأن يدرس علم الاجتماع لا الطب كما يريد الوالد . ذلك لأن التنفيذ لن يكون جيداً إن كان المنفذ مكرهاً . من الأسرة تبدأ الخطوة الأولى في ترسيخ ثقافة التنفيذ .