دراساتصحيفة البعث

“الإخوان المسلمون” تاريخ من التآمر.. ونهاية محتومة

طلال ياسر الزعبي

لا يستطيع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين تحمّل التبعات الكارثية لسياساته المدمّرة التي انتهجها منذ نحو قرن من الزمان في المنطقة العربية، بإيعاز من الاستخبارات البريطانية التي أشرفت على تأسيسه آنذاك ليكون خنجراً مسموماً في قلب العالم العربي، تعمد إلى استخدامه كلما وجدت حاجة إلى ذلك لمنع أي محاولة لنهوض المجتمعات العربية.

ولا يستطيع أحد مطلقاً إنكار الدور المدمّر الذي أدّاه هذا التنظيم في إفشال جميع حركات التحرر العربي، حيث كان يمثل دائماً العدو الظاهر لهذه الحركات لمنعها من الاستقلال عن الأجنبي في قرارها ووضعها تحت هيمنته، وكانت ثورة 23 تموز 1952 التي قادها الزعيم العربي جمال عبد الناصر في مصر، والجرائم الوحشية التي ارتكبها التنظيم الإرهابي في ثمانينات القرن الماضي في سورية، خير مثال على التآمر الذي قادته هذه الحركة في منع تحرير الشعوب العربية من الاستعمار والجهل والتخلف وسائر الأمور التي تعيق قدرتها على اتخاذ القرار في تحقيق أمانيّها في الوحدة والحرية والتحرر من التبعية، وقد استطاع جمال عبد الناصر في مصر والرئيس المؤسس حافظ الأسد بحنكتهما ودرايتهما تحجيم دور هذا التنظيم في العالم العربي حتى نهاية القرن الماضي.

وفي بداية القرن الحالي أتيح لحركات الإسلام السياسي التقاط أنفاسها من جديد بعد فوز أحزابها في الانتخابات البرلمانية في تركيا، حيث عمدت هذه الأخيرة إلى إيهام النظام العلماني في تركيا بأنها تؤمن بالديمقراطية وفصل الدين عن الدولة، فراحت تسوّق نفسها على أنها تستطيع قيادة المجتمع نحو ديمقراطية حقيقية بعيداً عن استخدام الدين كواجهة لطموحاتها، الأمر الذي أوحى للأحزاب الاخوانية في المنطقة العربية بأنها ابتعدت كثيراً عن السياق العام الذي تسير عليه وهو استخدام الدين مطية للوصول إلى الحكم، ولكن تبيّن لاحقاً أن جميع الشعارات الكاذبة التي أطلقتها لإيهام الدولة التركية العلمانية بأنها تستطيع مواكبة النهج العلماني للدولة كانت مطية للاستيلاء على السلطة، وهذا ما حدث فعلاً على يد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الآن، الذي استطاع التسلل إلى السلطة عبر الانشقاق عن الحزب الأم حزب الرفاه الذي قاده نجم الدين أربكان، حيث ما لبث هذا الحزب أن تم حظره في تركيا بسبب توجّهاته المتشددة، فقام رجب طيب أردوغان بتسويق حزبه على أنه عدوّ للحزب الأم للحصول على قبول في المجتمع التركي.

وبعد أن استتبّ الأمر لهذا الحزب في العقد الأول من هذا القرن، عاد لإظهار سياساته الحقيقية في استخدام الدين مطية لتحقيق طموحاته، وتمكّن بهذه السياسة من قيادة أحزاب الإسلام السياسي في المنطقة العربية، حيث كانت هذه الأحزاب النواة الحقيقية لما سمّي “الربيع العربي” بدعم أمريكي صهيوني واضح، للوصول إلى السلطة في البلدان العربية والقضاء على كل طموحات الشعوب العربية في الوحدة على أساس قومي، وصولاً إلى زرع الفتنة في صفوفها وتقسيم المجتمعات على أساس طائفي للتمكن من تفتيتها، وذلك لتبرير إعلان الكيان الصهيوني نفسه “دولة يهودية” في المنطقة على أساس ديني.

وبعد تمكّن الصهيونية العالمية من استخدام الإسلام السياسي أداة فعّالة في تفتيت المجتمع العربي وزرع بذور الفتنة بين مكوّناته في محاولة لإعادة تشكيله من جديد بما يخدم تظهير الكيان الصهيوني كياناً رائداً في المنطقة وواحة للديمقراطية، صارت هذه الأحزاب ذاتها عبئاً حتى على من استخدمها فتمّ بالفعل الاستغناء عن خدماتها تدريجياً بعد فشل المشروع الأساسي طبعاً، وأعلنت القوى الكبرى تبرّؤها من هذه الأحزاب بعد أن افتضح دورها بشكل فج خلال السنوات العشر الأخيرة في نشر العنف والإرهاب، وهذا الأمر طبعاً سيؤدّي إلى انكشاف صورة المشغل الأساسي بأنه الداعم الرئيس للتطرف والإرهاب في العالم، وهو ما لا تريده هذه القوى، فعادت الآن لتسوّق نفسها على أنها حامية للديمقراطيات وتنبذ العنف والتطرّف.

إذن ليس غريباً أن ينحسر دور الإسلام السياسي في المنطقة من الآن فلاحقاً، وذلك أن الصورة النمطية التي ترسّخت في الأذهان حوله أصبحت صورة قاتمة، وباتت تخشى الصهيونية العالمية من أن تتظهّر صورتها الحقيقية بانكشاف صورة الوكيل على الأرض، لذلك لاحظ جميع المراقبين عجز القوى الصهيونية في العالم عن الدفاع عن معاقل الإخوان المسلمين في المنطقة المتساقطة واحداً تلو الآخر، وخاصة ما يحدث الآن في تونس، لأن معارضته الآن ستثبت لشعوب المنطقة كلها أن الإخوان هم صنيعتها في المنطقة، وبهذا أصبح مضطراً لسحب هذه الورقة من التداول.