مجلة البعث الأسبوعية

موسى وغريندايزر- جزء من الحلم يتحقق

“البعث الأسبوعية” ــ رامز حاج حسين

كل من يقرأ سطور هذا المقال، من جيل السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، يعرف عما نتحدث، فنحن هنا نتحدث عن مركبة على شكل إنسان آلي ضخم، يتحكم بها دوق وأمير، من كوكب بعيد يسمى فليد، دايسكي الذي كان يحمل من النبل والطيبة والخير قدراً كبيراً يوازي وسامة شكله ودقة رسم ملامحه الغنية بالجمال؛ والحديث عن مسلسل الكارتون الياباني الأشهر على مر العصور: غريندايزر، أو ما تم تسميته بالنسخة العربية “مغامرات الفضاء”؛ المسلسل كان من إنتاج استوديو “توي أنيميشن” الشهير في اليابان، وتم عرضه في اليابان لأول مرة بتاريخ 1975، متضمناً 74 حلقة مليئة بالحركة والمغامرة والصراع بين الخير والشر، بين قوات مملكة فيغا الغازية، التي تحاول السيطرة على كوكب الأرض، وبين أبطال العمل، وفي مقدمتهم يوفو غريندايزر.

حين دُبلج العمل للعربية، أسرنا بكامل تفاصيله، ولم يكن أقلها صوت الفنان اللبناني الكبير جهاد الأطرش، في دور دايسكي. كنا نتبارى في الحواري والأزقة، ونتقاسم الأدوار، ونلعب حتى مغيب الشمس من كل يوم، لعبة الخير والشر، لعبة الغزاة، فيغا وأعوانه، في مواجهة غريندايز وأخيار الأرض. كنا نشكل الحلقات، ونتحاور حول توقعات الحلقات القادمة، وتحليل الحلقة التي مضت، ونتعارك بالأفكار، ويتعنت كل طرف ويتمسك برأيه؛ وكانت مجلة غريندايزر، التي بدأت تتسرب إلى أحياء قريتنا – على ندرتها – تشكل حلماً جميلاً سهل المنال، فنتجمع حول باب جارنا الذي حصل على نسخة من العدد الجديد، ونجلي على شكل مجموعة كبيرة من الرؤوس الصغيرة المتحلقة حول بقعة ضوء، على تلك المساطب الإسمنيتة التي تسيّج أطراف المنازل مباشرة، على تماس مع إسفلت الشوارع الممتدة كالشرايين بين البيوت.

كنت أحمل بيدي ورقة وقلما، وأنقش مغامرة الحلقة من صديقي، صاحب المجلة، حتى أعود للمنزل لأقرأها بملء وقتي وشغفي وراحتي؛ ولا أتحرج بطلبها منه، لأن هناك عشرات الطلبات المقدمة لاستعارتها منه.. وجدت بطريقتي هروباً من حرج الطلب، وفرصة لرسم أبطال العمل وأرشفتهم في درج كتبي وقصصي، وعلى جدران غرفتي.

ثلاث مرات تلك التي قام أبي فيها بتغيير دهان جدار الحوش الخلفي للمنزل، بسبب الرسوم الجدارية لغريندايزر وأبطال العمل، فكم نحن بحاجة إلى عمل تلفزيوني لأطفالنا يحمل بذرة نجاح وحكاية غريندايزر القائمة على الصراع الأزلي القائم بين الخير والشر.

الجدير بالذكر أن فكرة كرتون غرندايزر استوحيت في الأصل من فيلم إنيمي تم عرضة قديماً، ويسمى بـ “المعركة الكبرى للوحوش الآلية الطائرة”، لكن تصميم غرندايزر في الفيلم يختلف تماماً عن التصميم الذي ابتكره الفنان جو ناغاي في كرتون غريندايزر.

 

حلم جميل يتحقق

الكثير من الأخبار تم تداولها في الأيام القليلة الماضية عن عمل سينمائي مميز بعنوان “موسى”، للكاتب والمخرج الشاب بيتر ميمي من جمهورية مصر العربية.. أهمية العمل أنه جاء في توقيت شغف كل شباب جيلنا لهذه النوعية من الأفلام، وفي ذروة غزو الأفلام الأجنبية من طينة أفلام الخارقين لعقول ووجدان الشباب على امتداد المعمورة.

فيلم “موسى” يتحدث باللغة والصورة عن شاب مصري يافع يقوم باختراع رجل آلي، ويتحكم به، ليخوضا مغامرات شائقة داخل العمل.

الصبغة العامة للعمل، والمقاطع الترويجية، والحديث الذي رشح عن مؤلفه، المخرج بيتر ميمي، حمل الجميع من أبناء جيل المغامرات للأمل والحلم بغد مليء بمنتجات عربية خالصة يكون فيلم “موسى” حجر أساس فيها، حيث يكون لنا أبطال خارقون، وأبطال آليون، ومغامرات مبنية على خيال علمي عربي خاص.

فيلم “موسى” شمعة مضيئة وخطوة نبيلة – اتفق النقاد معه أم اختلفوا – على طريق صناعة سلسلة أعمال ورقية وسينمائية وتلفزيونية أشبه بسلاسل هوليد، كسلسلة أبطال مارفل الخارقين، وهي محطة مهمة لتحفيز الأوساط الثقافية العربية، كتاباً وفنانين ودور نشر وإنتاج فني، لعمل منظومة فكرية جديدة تحاكي متطلبات عصرنا الراهن، وتتلاقى مع أحلام جيل الأطفال وهوسهم المحموم بالتقانات الحديثة.

اعتذرت لأنني تسببت بتلك الخسارات الثلاث، وتعب أبي في دهان حائط الحوش من رسومات يوفو غريندايز، ولكنه قبل اعتذاري حين دخلت كلية الفنون الجميلة، وقال: نجاح الأبناء في دروب حلمهم يجّب كل ما يسبق من أخطاء وعثرات، ثم إن رسومك كانت ولا زالت مثار إعجابي يا بني.