دراساتصحيفة البعث

العلاقات بين ألمانيا وروسيا بعد ميركل

عناية ناصر

أنهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زيارتها الرسمية الأخيرة لروسيا، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت العلاقة بين ألمانيا وروسيا في ظلّ إدارة ميركل نقطة مضيئة في سياق الصراع بين الغرب وروسيا. وعلى الرغم من أن ميركل حاولت تلخيص وتعزيز إرثها الدبلوماسي تجاه روسيا خلال رحلتها، إلا أن العلاقات بين ألمانيا وروسيا والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا ستظلّ تواجه العديد من التغييرات في حقبة ما بعد ميركل.

أولاً، تواجه فكرة استخدام “نهج المسار المزدوج” لقيادة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا عقبات. فقد أصبح حالياً ما يُسمّى حقوق الإنسان والأمن السياسي أساساً مهماً لتعزيز عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، مثل قضية نافالني وأزمة أوكرانيا، وقد أدى ذلك إلى الجمود في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. خلال هذه العملية، أصرّ بعض السياسيين الأوروبيين مثل ميركل على تعزيز الحوار السياسي مع موسكو، وقد أدّى هذا بشكل فعّال إلى الحدّ من الصراعات بين موسكو والغرب.

أصرّت ألمانيا على فرض عقوبات على روسيا على مستوى الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه، عزّزت التنسيق مع موسكو من خلال الحوارات الثنائية والتبادلات رفيعة المستوى، وسعت برلين إلى حل النزاعات متعدّدة الأطراف من خلال الحوارات الثنائية، بحثاً عن أوسع أرضية مشتركة مع روسيا، بل إنها شكلت “نهجاً مزدوج المسار” بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.

في حزيران الماضي، قدمت المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بياناً مشتركاً حول علاقات الاتحاد الأوروبي مع روسيا، وذكرت أن الاتحاد الأوروبي سوف يقاوم روسيا ويقيدها ويتعامل معها في الوقت نفسه. ومع ترك ميركل منصبها وفرنسا على وشك مواجهة الانتخابات الرئاسية لعام 2022، قد يكون من الصعب الحفاظ على الإجماع الألماني الفرنسي بشأن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، إلى جانب ذلك، لا تزال هناك شكوك في دوافع الاتحاد الأوروبي وقدرته على تعزيز الاستقلال الاستراتيجي تجاه روسيا.

انتقدت ميركل، بصفتها مؤيدة لاستقلالية الاتحاد الأوروبي، عقوبات واشنطن ضد خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2″، لكن إدارة بايدن أعلنت عن تنازلات تتعلق بالمشروع، كما مدّدت المعاهدة الجديدة للحدّ من الأسلحة الإستراتيجية، مما خفّف من القلق الأمني ​​في أوروبا. لذلك، في الفترة الأخيرة من إدارة ميركل، انتقدت النخب الأوروبية سياستها المستقلة نسبياً تجاه روسيا.

وفي سياق إعادة تشكيل العلاقات عبر الأطلسي، قد تستمر الدعوات لمعاقبة ما يسميه الغرب بالدبلوماسية العدوانية لروسيا، وإذا أُجبرت أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا على التحالف مع حزب الخضر، فإن سياستها تجاه روسيا ستخضع للأيديولوجية والقيم التي أكدها حزب الخضر، وهذا سيجعل من الصعب الحفاظ على نهج ميركل.

ثانياً، من المتوقع أن يستمر التفاعل بين ألمانيا وروسيا القائم على البراغماتية، فبالنظر إلى مسار العلاقات بين ألمانيا وروسيا منذ نهاية الحرب الباردة، كان هناك تعاون عملي، ولم تتوقف روسيا عن الحوارات منذ عهد المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر، وقد حدث كل هذا على الرغم من سلسلة الأحداث التي كان لها بعض الانعكاسات السلبية على العلاقات الثنائية.

بالإضافة إلى ذلك، أصبح هذا التعاون دعماً مهماً لموسكو لمواجهة العداء السياسي والفصل الاقتصادي والتطويق على المستوى الأمني. وانطلاقاً من مطالب الانتعاش الاقتصادي في حقبة ما بعد COVID-19، بغض النظر عما إذا كانت أحزاب الائتلاف ستكون في السلطة وحدها أم لا، لن يغيّر المستشار القادم لألمانيا سياسات ميركل فيما يتعلق بروسيا بسهولة، ويتضمن ذلك تطوير طريقة ثنائية خاصة لإيجاد توازن بين المصالح الأمنية والاقتصادية، وفي نهاية المطاف إنشاء نظام أمني أوروبي يضمّ روسيا.

أخيراً، هناك مخاوف من أنه لن تكون هناك علاقة قوية بين ألمانيا وروسيا مثل العلاقة بين ميركل وبوتين. فمن ناحية، يشترك الزعيمان في ذاكرة مشتركة لألمانيا الشرقية، وهذا يجعلهما أقرب ويساعدهما على فهم أفضل لعقلية بعضهما البعض.

يُشار إلى أن ميركل زارت روسيا 20 مرة منذ توليها منصبها، فأصبحت المحاور الرئيسي الأكثر ثقة لبوتين في الغرب. كما أقام رئيسا الدولتين علاقة شخصية فريدة مع بعضهما البعض مع التمسّك بمصالحهما الوطنية، ويعتبران من بعض النواحي، عامل استقرار غير مألوف للعلاقات بين ألمانيا وروسيا.

في الختام، سيبقى هناك سؤالان بعد مغادرة ميركل لمنصبها، هل سيظل التفاعل بين ألمانيا وروسيا منظماً للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا؟. وهل ستظل ألمانيا تلعب دور النافذة الخاصة للحوار بين روسيا والغرب؟. تعتمد الإجابات عن هذه الأسئلة على الكيفية التي سيرث بها خليفة ميركل إرثها الدبلوماسي ويطوره، وستعتمد أيضاً على كيفية تعامل المستشار الألماني القادم مع الاختلافات الجيوسياسية والتناقضات الهيكلية، فضلاً عن تأثير السياسة الداخلية على الدبلوماسية في كلا البلدين.